الاثنين 1يناير 2024: هيئة التحرير وادارة موقع المجلة تبارك للجميع بحلول عام جديد متمنين لكم عاما مليئا بالخير والمحبة راجين من الله أن يعم السلام كل سورية ودمتم بخير ..  * 

مؤلفات الراحل ميخائيل عيد

بقلم: اللجنة الإعلامية

o-883

ولد في مشتى الحلو عام 1936.
خريج أكاديمية العلوم السياسية والفلسفية في صوفيا بلغاريا. عمل في البناء، وفي الكثير من الحرف والمهن المعروفة، ثم درّس في الثانويات الخاصة (الأدب العربي)، ثم عمل رئيساً لتحرير مجلة الطريق إلى الاشتراكية -القسم العربي على مدى ثلاثة وعشرين عاماً. وهو الآن عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب، وقد عمل مدققاً لغوياً في إحدى دور النشر.
يكتب الشعر والمقالة والزجل ويولي اهتماماً للترجمة.
نشر قصائده أول مرة في الصحف والمجلات السورية واللبنانية.
عضو جمعية الشعر.
مؤلفاته:
1 ـ حكايات وغناني ـ زجل ـ دمشق 1970.
2 ـ سفر ـ شعر ـ دمشق 1977.
3 ـ المزمار القصبي ـ قصص للفتيان ـ دمشق 1979.
4 ـ ورقات من دفتر عمر ـ زجل ـ دمشق 1980.
5 ـ أغنيات لقمر الطفولة ـ شعر ـ اتحاد الكتاب دمشق 1984.
6 ـ قمر المخيم لا يساوم ـ شعر ـ دار الشيخ ـ دمشق 1988.
7 ـ تنويعات على وتر الحلم ـ شعر ـ اتحاد الكتاب العرب بدمشق 1988.
8 ـ وردة الطقس البارد ـ شعر ـ اتحاد الكتاب العرب بدمشق 1989.
9- رماد الأحزان- شعر- اتخاد الكتاب العرب 1992.
10 ـ غزالة النهار ـ شعر ـ وزارة الثقافة بدمشق 1993.
11 ـ خطرات ورؤى ـ شعر ـ اتحاد الكتاب العرب بدمشق 1994.
12 ـ أسئلة الحداثة بين الواقع والشطح ـ دراسة ـ اتحاد الكتاب العرب بدمشق 1998.
13 ـ وجوه ومرايا ـ دراسة ـ اتحاد الكتاب العرب بدمشق 1999.
14 ـ إشارات وأصداء ـ اتحاد الكتاب العرب بدمشق 2000.
15 ـ ورود وسنديان ـ زَجَل ـ دمشق 2000.
16 ـ النمل الغني ـ قصص ومسرحيات للأطفال ـ وزارة الثقافة ـ 2000.
17- يمامة الكلام – شعر- وزارة الثقافة- 2000..
ترجماته
1 ـ آل غرياك ـ قصص ـ إيلين بيلين ـ دمشق ـ 1974.
2 ـ مطاردو الوظيفة ـ مسرحية : إيفان فازوف ـ دمشق ـ 1975.
3 ـ ثوار في المنفى ـ مسرحية ـ إيفان فازوف ـ دمشق ـ 1976.
4 ـ قصص من بلغاريا ـ بالاشتراك مع آخرين ـ دمشق ـ 1975.
5 ـ الشموس الثلاث ـ قصص للأطفال ـ وزارة الثقافة ـ 1976.
6 ـ دموع العصفورة ذات الجناحين الفضيين ـ وزارة الثقافة ـ 1977.
7 ـ أقاصيص متوحشة ـ نيقولاي خايتوف ـ دمشق ـ 1977.
8 ـ ملاحم الجبال الهرمة ـ يوردان يوفكوف ـ دمشق ـ 1978.
9 ـ الأرنب قصير الأذن ـ قصص للأطفال ـ كيريل أبو ستولوف ـ وزارة الثقافة 1978.
10 ـ جبل الدر ـ قصص للأطفال ـ وزارة الثقافة 1979.
11 ـ أبناء هذه الأرض ـ قصص ـ تينيو تونشيف ـ دار مجلة الثقافة ـ دمشق ـ 1981.
12 ـ أيام وليال أيلولية ـ دار ميسلون ـ دمشق ـ بلا تاريخ.
13 ـ أبطال وطباع ـ نقد مقارن ـ وزارة الثقافة ـ دمشق ـ 1983.
14 ـ قولي لهم، أماه، أن يتذكروا ـ قصص ـ دار الثقافة 1982.
15 ـ ديمتروف ومحاكمة لا يبزيغ ـ بيروت ـ 1982.
16 ـ بنفسجة في القطب الشمالي ـ جاني روداري ـ دمشق ـ 1982.
17 ـ ثلاث مسرحيات ـ نيقولاي خايتوف ـ دار الثقافة ـ دمشق ـ 1983.
18 ـ ولا إياب ـ شعر ـ بيتر انداساروف ـ دمشق ـ 1983.
19 ـ المفتاح الفضي ـ قصص للأطفال ـ وزارة الثقافة ـ دمشق 1983.
20ـ صياد سمك من شيفالو ـ قصص للأطفال جاني روداري ـ وزارة الثقافة ـ دمشق 1984.
21ـ رسول حمزاتوف ـ آراء وقصائد ـ دار ميسلون ـ دمشق ـ 1984.
22ـ قصائد مختارة ـ خريستو سمير ننسكي ـ دمشق ـ 1984.
23ـ فأر الجبل الشرير ـ حكاية يابانية ـ دار الجليل ـ دمشق ـ1984.
24ـ ألبينا ـ مسرحية ـ يوردان يوفكوف ـ وزارة الثقافة ـ دمشق ـ 1985.
25ـ عشق الألوان ـ شعر ـ يوردان ميليف ـ دمشق 1985.
26ـ عشرون قصيدة من الشعر البلغاري المعاصر ـ اتحاد الكتاب العرب بدمشق ـ 1985.
27ـ تودور جيفكوف ـ مقالات ـ دمشق ـ 1985.
28ـ الجذور والعجلات ـ دراسات ـ ايفريم كارانفيلوف ـ دار طلاس ـ دمشق ـ 1986.
29ـ النباتات الطبية وفوائدها العلاجية والتجميلية ـ بيروت ـ 1986.
30ـ ميتكو بالاوزوف ـ رواية للفتيان ـ بيروت ـ 1987.
31ـ المليونير ـ مسرحية ـ يوردان يوفكوف ـ دمشق ـ 1987.
32ـ الخبز المسموم ـ مسرحيتان ـ دمشق ـ 1988.
33ـ وتبقى الأدغال ـ قصص عالمية ـ دار الشيخ ـ دمشق ـ 1988.
34ـ الفانوس السحري ـ فن تشكيلي ـ بوغوميل راينوف ـ دار الشيخ ـ دمشق 1988 ـ تم طبعه ثانية للكتاب كاملاً ـ وزارة الثقافة ـ دمشق عام 1997.
35ـ أكبر ثروة ـ قصص للأطفال ـ مجلة دار أسامة ـ دمشق 1988.
36ـ مقالات مختارة ـ ايفريم كارانفيلوف ـ دار حطين ـ دمشق ـ 1989.
37ـ نصيحة المعول ـ قصص للأطفال ـ دار مجلة أسامة ـ دمشق ـ 1989.
38ـ البحر المحظور وقصائد أخرى ـ بلا غاديمتروفا ـ وزارة الثقافة ـ دمشق ـ 1997.
39ـ الجد بوجيل ـ جماعة من المؤلفين ـ وزارة الثقافة ـ دمشق ـ 1998.
40ـ الأدب البلغاري المعاصر ـ وزارة الثقافة ـ دمشق ـ 1999.
41ـ المتمرد هوك ـ قصص للأطفال ـ وزارة الثقافة ـ دمشق 1999.
42ـ الحياة والناس والاشتراكية بالاشتراك ـ دمشق ـ بلا تاريخ.
43ـ حكايات البحار ـ ملك الحوريات ـ دار المدى ـ دمشق ـ بلا تاريخ.
44ـ الأسطوانة ـ مسرحية ـ ادواردو دي فيليبو ـ الآداب الأجنبية.
45ـ معسكر فالينشتاين ـ مسرحية ـ شيلر ـ الموقف الأدبي.
46ـ الإعصار والحكايات ـ قصص للأطفال ـ رادوي كيروف ـ اتحاد الكتاب العرب ـ دمشق ـ 2001.
47ـ صرخة صامتة ـ شعر: سامر كركر ـ دار الينابيع ـ دمشق ـ 2001.

في رثاء الصديق الأديب ميخائيل عيد…أيها الشاعر…؟

بقلم: إبراهيم اليوسف

o-883

تعود علاقتي بالصديق الأديب الراحل ميخائيل عيد إلى حوالي ربع القرن من الزمان , و تحديداً منذ أن كنت طالباً في جامعة دمشق في مطلع الثمانينيات , حين استهوتني أنسام الماركسية في مطلع قلقي و تجربتي , حيث عرفني به أحد الأصدقاء قي مكتبه في وكالة أنباء نوفوستي ,حيث أمامه أكوام من المقالات , يقرؤها , ينسقها , يؤرشفها , و هي الحالة نفسها التي سأجدها عليه طوال الفترة المقبلة , و عبر كامل الشريط الزماني , و إن تغّير شيء وحيد , فهو مكتبه الذي سينتقل إلى مقرّ إتحاد الكتاب العرب , ليكون عنواناً عاماً لنا , حيث يلتقي في مكتبه كل كتاب سوريا على اختلاف مشاربهم , حيث نقاط الالتقاء الكثيرة , و إن كانت الرؤى الخاصة لكل منا سوف تكون علامته الفارقة تحت سقف الوطن ….!
أكداس من الكتب , و المخطوطات , و المقالات تحت طاولته , بل و زوايا مكتبه في انتظار قراءتها , و تصويبها لغوياً، و من حوله على الدوام مثقفون و كتّاب من كل المدن السورية , بل و من خارج سوريا , أحياناً , كي يدور الحديث عن شؤون الثقافة , معاناة الكاتب , الإبداع , الترجمة , السياسة , يبدي رأيه الملفت على نحو أخّاذ في كلّ ذلك , و لعلّ ما كان يميّز أبا عياد – أنه بعكس هؤلاء الذين سرعان ما تتجهم وجوههم إذا دخل عليهم في مكتبهم ضيف غريب، مهما كان عزيزاً، خوفاً من أن يفسد عليه خلوته مع أنثى؛ يجني عسل ضحكاتها الذي لا يتكرّر , و هذا ما كان يدفع بنا على الدوام أن نلوذ به , إزاء أي شكل ثقافي أو حياتي نتعرّض له , بسبب الكلمة , أو الموقف ما دمنا قد تخيرّنا طريقاّ مختلفاّ , ليتدخل دون تردّد – ما دام أنه بتدخله يسعى كي يرفع الغبن عن زميل له , و إن كان رأيه – على الدوام – ليس حاسماً , فهناك أصوات أخرى في المقابل لها رؤيتها , و بعكس ما يراه , و غيره من رادة الخير ….
لقد وقف الصديق أبو عياد – مع أصدقاء قلّة خيّرين في مجال الصحافة والإعلام – إلى جانبي في مرات كثيرة جداً , منها عندما صدر قرار جائر بحقّي بعيد طباعتي المجموعة الشعرية الأولى (( للعشق للقبرات و المسافة )) 1986م – و لأبعد عن مجال التعليم الثانوي خمسة عشر عاماً – كذلك حينما رفض اتحاد الكتاب العرب قبولي عضواً رغم توافر الشروط المنظورة في , بسبب تقاريرمحليّة مختصة ممن أمعنوا في الإساءة إليّ حتى بعيد قبولي؛ إذ أن هناك من سعى لطيّ عضويتي , ليستمرّ هؤلاء على عملهم , حتى أثناء أحداث 12 آذار عندما اقترحوا فصلي من اتحاد الكتاب العرب أو إلحاق الأذى بي من خلال وغر الصدور ….! , حيث كان يستوعب روحي المشاكسة , كما يسميها , أنفض بعض متاعبي في حضرته إلى أن أتعرض لمواجهة جديدة …!
و إذ كنت – أعيد سبب تلك الحفاوة الاستثتائية التي ألاقيها من قبل أبي عياد إلى تلك الأرومة الرؤوية المشتركة بيننا , إلا إن مقدرته – في المقابل – على إقامة علاقات قوامها الاحترام المتبادل مع أعداد كبيرة من مثقفي الوطن – و على اختلاف رؤاهم – لدليل على أن موشورات روحه كانت تلهث في اكتشاف المشترك الإنساني عند كل من يحيط به …!
حين أتذكر أبا أياد على هذا النحو هنا , فلأنني أرثي تلك الطيبة و الإنسانية و السماح و النبل و غير ذلك من الخصائص الاستثنائية التي وجدتها في هذا الصديق الجميل ….!
أو سأتجه – عفويا ً هذه المرّة أيضا ً- صوب مكتبه إذا ذهبت إلى مبنى الاتحاد ، لأنني /كاد لا أصدّق أن أبا عياد ذا الروح الاستثنائية قد رحل …..؟!….

حوار سابق مع الراحل ميخائيل عيد

بقلم: بهية مارديني

o-883

أعتقد أنني لم أصل إلى مستوى من يطلق عليهم لقب الشاعر.. فكلمة شاعر تعني جزء من نبوءة أو مستوى ثقافي رفيع وأنا أرى أن الشاعر مسؤول عن مصير الأمة فأنا ما زلت أدنى من هذا المستوى بكثير وقد تستغربين أنني لا أحلم أن أصل إلى هذا المستوى وأنا ليس لي تجربة فقد مميزة عشت حياتي التي كانت في البداية فقيرة مادياً جداً وكنت دائماً أعمل ولم يكن يخطر في بالي يوماً أن أتجه نحو الكتابة رغم أني ما زلت منذ بدايتي أتدخل في محاورات الزجالين فإذا تلكأ أحدهم فأرد عليه بجواب يحرجه مما يغضبهم وأحياناً كانوا يضعون شروطاً ألا أدخل وكنت أقرأ كل ما يقع تحت يدي وعرفت فيما بعد أن القصائد مثل الزير سالم أعطتني شيئاً من السليقة والإيقاعية فأصبحت أنظم الشعر قبل أن أتقن علم العروض وفي تلك المرحلة بدأت أكتب الزجل والشعر الفصيح لم يخطر في بالي أن أجدد في الشعر الفصيح لكني جددت في الشعر بالعامية فكتبت على أوزان غير مألوفة أما أغاني فيروز فقد أثرت في جداً وحلمت أن تولد فيروز أخرى في سوريا وقد بذلت جهدي لأكتب بالعامية شيئاً أرضى عنه وفي ذلك الوقت كان ما كتبته جديداً بالنسبة لي أما الآن فهو عادي قياساً لما كنت أطمح إليه أما قياساً على ما كان يجري من مساجلات ويطرح من زجل لم يكن عادياً وفي الشعر لم أتجاوز الحدود المتوسطة ولكن في الزجل كتبت أموراً أرضى عنها.الأمر ليس تواضعاً والآن لم أعد أكتب الشعر أو الزجل.
ـ لماذا؟
ربما دراستي للفلسفة جعلت تلك الفورة العاطفية تخفت وبدأ يحل محلها النقد والقراءة السياسية مع أنني حتى في مقالاتي أكتب شيئاً فيه طلاوة.
ـ ما رأيك فيما يقال عن موضوع الحداثة في الشعر وما تلقاه من هجوم ودفاع؟
نحن لم نعرف الحداثة بعد.. لا أعرف كيف ترجموها شكلاً في التعبير الشعري ،فقط الحداثة هي انقلاب مجتمعي كامل علمي أولاً وقد بدأت في الغرب بإزاحة الأرض من مركز الكون أي في علم الفلك ولكن ترجمت لنا وكأنها إزاحة الشكل الكلاسيكي في التعبير الشعري بينما الحداثة الحقيقية هي انقلاب كوني في مفاهيم الإنسان وطرح مسألة العلم على كل صعيد وأن لا سلطان إلا للعقل وكان بعد ذلك النهوض في الصناعة والمواصلات وأدوات الطباعة ووسائل النشر ثم يقول أحد الباحثين إن الحداثة الغربية خرجت من زنزانات محاكم التفتيش بمعنى أن المحاكم منعت قراءة الشعر الكلاسيكي اليوناني. وكان يسجن كل من يقرأ شعراً كلاسيكياً وعندما حطمت جدران السجون خرج الشعراء الممتلئون حماساً للقول وقد نسوا الأساليب الكلاسيكية فأبدعوا، ما صار يدعى حداثة من هنا أقول مؤكداً لقد وصل إلينا ظل الحداثة ولم نعرف الحداثة بعد أو لنقل بشكل ما، أخذنا قشور الحداثة وعرفناها شكلياً فقط.
فالحداثة في الشعر تحتاج إلى حداثة في المجتمع أي يجب أن يكون المجتمع حديثاً في كل شيء لا أن أركب المرسيدس وأغني للجِمال أو أتلقى الصواريخ وأقذفها ثم أغني للسيف والقلم.. وهذا ليس من الحداثة في شيء..
إن قصيدة النثر والقصة القصيرة قديمتان جداً وقد وجدت في الحكايات وفي الأساطير ولكن كجزء من كل فجمالية الكلمة موجودة.
نستطيع أن نقول كل كلام جميل هو شعر على إيقاعات معينة أو من غير إيقاعات.
فلا ضوابط للشعر الحديث إذا أردنا أن نتوسع في ذلك، في الكنيسة الأرثوذكسية ترجموا ألف لحن من ألحان بيزنطية إلى لغتنا العربية.
وهي تغنى على الألحان البيزنطية فاللغة العربية تحتمل كل شيء وتتسع لكل أوزان الشعر العالمي فأي نثر ممكن أن يلحن ويغنى وكل كلام ممكن أن يصبح له إيقاعات فالشعر ليس شكلاً وليس إيقاعاً فحسب هو روح مبدعة تنصهر وتسيل في كلمات على الورق، يميز بما فيه من روح المبدع ،الوزن لا يعني الجمال.
فهناك قصائد موزونة مقفاة ولا خلل عروضياً فيها ولكنها لا تمت للشعر بصلة وتفتقر إلى كل حس جمالي وإذاً الشعر ليس شكلاً إطلاقاً ،وكل تحديد لشكل الشعر هو قتل لروح الشعر وجوهره وافقار لكلام الجوهر..
ـ ما رأيك في هذا الكم الهائل من الشعراء؟
إن غير الموهوبين لن يكتبوا شعراً هذا لا يعني ألا تتقن كل فنون القول والموجة التي تدور الآن وجدت في الأزمنة كلها إن عصر المتنبي قد ضم عشرات ، مئات بل ألوف الشعراء إلى جانب المتنبي ولكن الذي عبر عن روح ذلك العصر كوكبة قليلة من الشعراء لن نمنع أحداً عن الكتابة وإذا لم يكن وليكونوا قراء جيدين فشجرة الشعراء الكبيرة العملاقة تتغذى بالأعشاب التي تنمو حولها .
ـ هناك مقولات يرددها الجيل الجديد إن جيلكم يحاربه فما ردك؟
ـ لا أفهم كيف يقولون إننا نحاربهم؟ نحارب ضعفهم ممكن وأنا أتمنى أن يحارب أحداً ضعفي ليخلصني منه بعد أن يدلني عليه وبهذا الكلام الذي يزعمونه يقرون بضعفهم أنا لم أسمع سنديانة في حياتي شكت من عصف العواصف حولها.. كانت تواجهها مبتسمة وتبقى شامخة الرأس وتعد العاصفة من بين العواصف التي مرت بها إذا كان الشبان الذين يكتبون شعراء حقيقيون فلا يخافوا نقد الناقدين وإذا تدربوا على القتال في ميادين حقيقية فيها فرسان حقيقيون يصبحون فرسان حقيقيين فلماذا الشكوى.
ـ يقودنا هذا إلى موضوع آخر ما رأيك كميخائيل عيد بميخائيل عيد الشاعر؟
ـ أنا نادم على أكثر من 70 بالمائة مما كتبت وأن ما كتبته لا يرضيني، مع أنه هو ما جعلني أصبح أنا وليس كل ما أكتبه الآن جيداً أنا أمر بحالات أكتب عنها ولا أرضى تماماً عن كل ما أكتب.
أحياناً عندما أكتب أكون متحمساً لحالة الغليان التي بي ثم أرى أنه فاتر وليس بالحرارة التي يجب أن يخرج بها.
ـ هل تعتقد أنك حققت من الشهرة ما تستحق؟
أنا لم تكن الشهرة تعنيني مطلقاً وكان الأفضل أن تسأليني هل ضميرك مرتاح؟أنا كتبت ما اقتنعت به وخيل لي وأنا أكتب أنه مفيد وأنه صوتي الخاص منذ صغري وفي كل ما كتبت كنت أرفض أن أكون ظلاً لأحد وكنت دائماً أقول وما زلت أقول الطبيعة تتسع لكل الكائنات والمسخ هو مسخ حتى لو كان مسخ الله من الآلهة القديمة.
الكائن الحي حتى الغراب هو جميل بذاته والطبيعة تحتاجه أفضل أن أكون غراباً ولا أكون مسخ نسر..
حاولت جهدي أن يكون لي هذا الصوت الخاص وأخذت من كل ما وصل إلي من ثقافات العالم ولم أقلد أحداً.. وسعيت إلى أن ابقى أنا لا أفتعل.. إذا أعجب الآخرون حسناً وإذا لم يعجبهم فليس لدي غيره لأقدمه..
قد أتأثر وهذا طبيعي ولكني لا أقلد.
ـ ماذا قدم اتحاد الكتاب العرب للثقافة العربية؟
ـ اتحاد الكتاب العرب منظمة نقابية مهنية تؤدي دورها الثقافي في حدود إمكانياتها وفي الحدود التي تتيحها هذه الإمكانات لأفراده لم يرغمنا أحد على الانتساب إلى الاتحاد ولا نرغم أحداً على الانتساب كانت ميزانيتنا محدودة فكانت مساهماتنا أيضاً محدودة.
ولسنا نادمين على ذلك فنحن بذلنا كل ما في وسعنا لنقدم أقصى حد ممكن من الخدمات الثقافية إلى المبدعين وإلى الثقافة وأعضاء الاتحاد..
كثيرون من الذين يتكلمون عن الاتحاد يطلون علينا من شرفاتهم الفردية ويتفرجون على ما نعانيه ونحن نخوض في وحل الواقع الثقافي العربي.
يقولون أخطأتم هنا.. لم تحسنوا المسير هناك وليس في وسعنا أن نقول لهم تفضلوا أنزلوا من شرفاتكم وخوضوا معنا التجربة.
كان اتحاد الكتاب العرب يصدر مجلة واحدة هو الآن يصدر خمس مجلات وبدأنا نصدر السادسة وهي بالإنجليزية والفرنسية لنقل تجارب كتابنا إلى الآخرين.
كانت ميزانيتنا السنوية لا تتجاوز ثلاثة ملايين ليرة سورية أو تجاوزتها بقليل حتى أواخر الثمانينات الآن نحن ننفق على ما ننشره من كتب ومجلات ومعونات وفاة ورواتب تقاعدية للكتاب ما يعادل خمسين مليون ليرة سورية .
ـ ولماذا إذاً يهاجم الاتحاد؟
إنهم يهاجموننا لأنه لنا موقف أساسي واضح معادٍ للتطبيع.
ولقد هوجم الأستاذ علي عقلة عرسان رئيس اتحاد الكتاب العرب على مقال لم يكتبه ويتحدى أن يكون قد سطر كلمة واحدة منه. وهي إحدى الافتراءات الصغيرة التي تم توجيهها لرئيس الاتحاد وللاتحاد باسم رئيسه.
هناك حلقة قبيحة بكل أسف أحد الكتاب الذين دعوا إلى التطبيع فصلناه من الاتحاد فقامت الدنيا ولم تقعد كتب أحد الصحفيين (النشامى)/ أنا لم أستغرب طرد اتحاد الكتاب لمثل هذا العملاق من صفوفه الذي أستغربه كيف انتسب هذا العملاق إلى الاتحاد/ عندما قرأت هذا الكلام ضحكت كثيراً ووددت أن تصل همستي إلى هذا الشاب المتحمس لأقول له أن عملاقك هذا انتسب إلى اتحاد الكتاب العرب وانتسب إلى الجمعية السكنية التي خصصناها لفقراء الأعضاء بل باع نصيبه بالسوق السوداء.. وربح ربحاً مرموقاً وحرم آخر من فقراء الاتحاد فلا يزايدوا علينا وسنرد بالمزيد من العمل المتواصل والدؤوب.
إننا نصدر سنوياً في الاتحاد عدا المجلات مئة وخمسين كتاباً سنوياً موزعة على الأجناس؟
نصدر كل سنة بين السبعة والعشرين كتاباً تكريماً لأعضاء تم تكريمهم من قبل الاتحاد..
ـ لنتكلم قليلاً عن ميخائيل عيد المترجم؟
ـ أنا بدأت الترجمة بعد أن عدت من صوفيا وأقمت في دمشق عام 1970 وبدأت بترجمة القصص قرأت لكبار الكلاسيكيين البلغار واخترت من أعمالهم القصصية ما أعجبني ثم وقعت على كتاب نقدي هو بين أهم ما قرأت في حياتي اسمه (أبطال وطباعة) فترجمته وتعرفت على كاتبه الكبير فترجمت للكاتب إيفريم كارانفيليوف كتابين ثم ترجمت كتاباً في الفن التشكيلي عنوانه الفانوس السحري وهو من الكتب الهامة جداً وبين هذه الكتب ترجمت عشرات الكتب للأطفال وللشعراء ومسرحيين وترجمت عبر البلغارية للكثير من الكتاب العالميين حوالي 48 كتاباً وكتيباً.
أنوي أن أترجم الآن للكاتب الساخر الكبير (تشودمير) كما أترجم فعلاً قاموس المصطلحات الأدبية العالمية وأنشره تباعاً.
وأنا مسرور جداً لما ترجمت من كتب الأطفال فقد انتقينا الأجمل وقد نفدت كلها..
ما أستغربه حتى الآن أنني لم أجد ناقداً جاداً يضربني على يدي ويقول لي أخطأت هنا أو هنا لقد سمعت الكثير من المديح لما ترجمت وأنا أعود الآن إلى ما ترجمت فأجد أخطاء لم يكن من الواجب أن أقع بها وكنت أتمنى من هم أكبر مني وافهم من نقدوني وأرشدوني إلى أخطائي الشائعة في اللغة التي الآن أخجل منها مع أنها ليست كبيرة والحمد لله.
الأستاذ الكبير عبد المعين الملوحي هو الوحيد الذي نبهني إلى بعض الأخطاء الشائعة في أروع كتاب ترجمته.. وأتمنى أن أصل إلى حلمي بعيد المنال.. ألا أجد أخطاء في اللغة العربية…
ـ ما رأيك بما يجري على الساحة العراقية حالياً؟..
أنا لست مفكراً ولا يوجد في الأمة العربية مفكر، إني قارىء وأسعى أن تكون لي وجهة نظر فيما يجري وقد يكون رأيي مبنياً على شعوري الوطني أولاً فأنا أرفض أن يوجد في العالم قيّم على أحوال العالم خصوصاً إذا كان هذا (القيّم) يبني نظراته على مصالح احتكاراته المعادية لمصالح شعوب العالم بما فيها مصالح الشعب الأمريكي نفسه.. أنا أسأل نفسي كثيراً عن من دعم وساند طغاة العالم كلهم هل جرى في العالم انقلاب ضد الديمقراطية الحقيقية في العالم الأمر كانت اليد الأمريكية وراءه هل وجد على الأرض نظام طغيان لم تمد له الولايات المتحدة يد العون فجأة يقال لنا الولايات المتحدة دولة مسيحية إذا كانت الولايات المتحدة (مسيحية) فالمسيح ليس مسيحياً ما يجري في العراق هو جزء من اللعبة العالمية ،العدو الرئيس لنا الآن في العالم ولكل العالم هو الولايات المتحدة ونحن نرى كيف أنها لا ترى ما يفعله شارون بأهلنا في فلسطين ولا نرى أي شر يخدم مصالحها في العالم.
أنا شخصياً وهذا مع الكثير من المرارة أقول أصبحت أفرح حتى عندما عاصفة تعصف واحدة من عواصف الولايات المتحدة مع أنني أكره أن أقتل نملة لقد زرعت في قلوبنا وفي قلوب الشرفاء في العالم كله ما يمس إنسانيتنا ويؤذيها..
يقولون الإرهاب وهم الإرهاب نفسه في الولايات المتحدة أسلحة

الأديب الشاعر المترجم الراحل ميخائيل عيد في الوداع الأبدي والدمعة الخفية

بقلم: مصطفى محمد غريب

o-883

(العيشة صعبة صعبة.. وها الدنيا الكلبة.. صعبة.. ما بتسمع آهات الفقرا)
رحل الأديب الشاعر المترجم ميخائيل عيد عن عمره يناهز الثامنة والستين عاماً مخلفاً وراءه أعمالا جليلة وأكثر من سبعين كتاباً تناول فيها مختلف القضايا الثقافية والسياسية، فمن يتابع ميخائيل عيد الأديب السوري المعروف سيجد في شعره الكثير من الصور الجمالية وبخاصة تلك التي تتناول حياة الدراويش من الناس كما أنه سيجد في مئات القصص التي ترجمها عن البلغارية (لكيرك اوستوف وانجل كارالتيشوف وران بوسيلك وغيرهم) ثم العديد من الكتب ليوفكوف وخايتوف وغازروف وكارانفيلوف مثالاً ساطعاً على معنوياته الرائعة ومثابرته لرفد الثقافة العربية والسورية بالذات بالقيم والإبداع الجمالي في الأدب العالمي ولم يكن هذا العطاء الكبير الا الهاماً جريئاً لمكونات هذا الانسان الزاهد الذي عرف بالسليقة غول الفقر والجهل والظلم والاضطهاد الذي لازم المجتمعات العربية، غول القهر والتسلط في عالم يكاد ينقسم الى ثلاثة اقسام الاول محطة للاغنياء في بروجهم وسلطانهم وتمتعهم بملذات الدنيا وحماية السلطات وأجهزتها الأمنية والثانية للفقراء الكادحين الذين يتغذون من عرق جباههم وتعبهم وشقائهم الطويل في هذه الدنيا الصعبة وهم تحت طائلة الجبرية وإلغاء الأخر والثالثة للموتى الجياع وان كانوا احياء ظاهرياً يتحركون كرابوتات مبرمجة تكاد تسقط بمجرد أي خلل غذائي، فانتمى مخائيل الى القسمين الأخيرين دون مُساءلة ولا خوف ولم يكن ابدأً مهادناً فيما ذهب إليه أو ما سيكون عليه وضعه، ودون أي عقبة فكرية ازدهى فكره نحو التقدم والحرية وحقوق البشر.. أي بشر، بيض او سود بديانات ومذاهب وايديولوجيات مختلفة، فراح يََضْحك من اولئك الذين كانوا يحسبون خطواتهم بتؤدة غريبة ويرتقون عروشاً ( إن كانت عروشاً ) في الثقافة والادب فما غيرته تلك الحالات الوقتية التي بنيت على الدسيسة الايديولوجية المتطرفة لحد اللعنة في ترتيب الامور وتسمية الاسماء في جدل عقيم قوانينه الشك والريبة ووضع فوهة البندقية والسوط وباب الزنزانة على الافواه التي تهمس فكيف تلك التي تصرخ عالياً، فهل منح وساماً او ميدالية او درعاً للجهود الثقافية الكبيرة التي بذلها وللعطاء المتوهج الثر الذي منحه على صعيد التأليف والترجمة؟..
مات الرجل المعطاء بعد مرض ألم به شهوراً وكأن الموت قدراً يذكرنا باولئك الذين يقدمون كل شيء ولا يحصلون على اي شيء في حياتهم وعندما يُلتفت إليهم بعد رحيلهم بعد ذلك يكون الوقت قد مضى دون رجعة، هكذا هو عالمنا الثقافي العربي، أي احساس بالذنب يجب ان يشعر بها الضمير الثقافي والمثقفون في حالة كحالة ميخائيل عيد وغيره من المثقفين المبدعين الذين يجب ان يكرموا لدورهم الريادي والجهادي في سبيل ثقافة وطنية تقدمية ترى أن الإنسان يجب أن يمنح حقه الكامل في الاختيار والتطلع والعيش بأمان دون قيود ولا إرهاب مسلح أو إرهاب مالي أو إرهاب ثقافي، وكيف يمكن الا يعاقب الضمير الثقافي نفسه والمثقفون أنفسهم لفساد فهمهم في التصنيف الذي يضعونه على قيمة ووجود وانتماء أمثال ميخائيل عيد، التصنيف الذي يعلله المصطفون لنيل رضى الأسياد والأقوياء المتنفذين على المؤسسات السياسية والثقافية وهم يُرمّزون الرموز حسب اجتهاداتهم واقترابهم من ظلال الكراسي العالية.
أقول لك يا ابن (مشتى الحلو) أيها السوري الأصيل والجميل الزاهي الذي تشرق وتغرب من أجل الوطن بسبب ملاحقة السلطات الحاكمة حينذاك، حتى في رحيلك الأبدي فأنت تعيش في قلوب من عرفك وقرأ لك، يا ذا الضحكة المعبرة الحلوة، والأريحية المتفتحة، والروح المتفانية المملوءة بنكران الذات وهي تقدم للآخرين كل ما يمكن من أجل المساعدة.. ايها الرجل القيم ستبقى اثراً خالداً في الثقافة السورية والعربية التقدمية الحرة، وسوف يأتي اليوم الذي ستكون في المكان الملائم الطبيعي على الرغم من فوات الأوان.. حيث يكرمك الشعب والوطن على روحك الوطنية وأعمالك المبدعة.
اقول لك لن انسى تلك اللقاءات التي كانت مملوءة بالنقاش المثمر والطويل، بالحديث عن الهموم السياسية والثقافية، بامور عديدة كان البعض منها معقداً يبدو دون حلول قريبة ولا بعيدة ومنها سقوط النظام الصدامي الشمولي لكننا كنا دائماً نتفق ان الشعوب سوف تنتصر وتطرد طغاتها وحكامها القتلة الذين يجثمون على صدورها.. لكن وللأسف الشديد ليس عن طريق العامل الخارجي والاحتلال الاجنبي فقد كان ذلك بعيداً كل البعد عن ذهننا وتفاؤلنا الكبير بشعوبنا وفي مقدمتهم شعبنا العراقي، كنا في كل لقاء نتحاور ونجادل حول مواقف فكرية كثيرة والموقف من الحرب العراقية ـ الايرانية ومن مواقف النظام الشمولي تجاه القضايا الملحة، وفي ذلك الوقت وفي كل وقت كنت مقداما وخير صديق للكورد العراقيين في محنهم وبخاصة مأساة حلبجة وغيرها من المواقف النبيلة..
كم كنا نعتب على الدنيا التي ما انصفت الملايين من الفقراء والكاحين وبقيت الى ذلك الوقت خادمة ذليلة لأصحاب الجاه والقوة الغاشمة.. (دقي صدرك يا أم حسين/ لكن خبي الدمعة الحمرا/ وخبي خبي/ يا أم حسين/ العيشة صعبة صعبة / وها الدنيا الكلبة/ صعبة/ مابتسمع آهات الفقرا)
لم يكتب ميخائيل عيد إلا وهاجس الناس يختلط بكتاباته حتى تلك القصائد الغزلية المرهفة كانت تحمل هموماً من نوعٍ آخر، وبقى إلى آخر رمقة يعيد صورة الحق الضائع في أمنيات الناس وبخاصة الكادحين منهم.. (وقفة الناس أمام الفرن/ دور الناس في السجن/ مواعيد الولادات/ الجنازات، الأغاني، والأماني/ كل شيء صار موزوناً مقفى/ فلماذا تكتب الشعر الحديث.. يا خبيث؟
لقد عاشت مراتع صباه معه ثانية ثانية ودقيقة دقيقة ولكثر ما حدثني وحدث الآخرين عنها.. (ودروب ضيعتنا أغاني حب
شوبيحب
ترديدا
وروحي صبية ضايعة ع دروب
ومنديلها بإيدا)
لقد كانت ايها الرجل الظريف ( مشتى الحلو ) عبارة عن سنفونية لطالما ذكرتها في اشعارك الفصحى والعامية.. (أغصانها من بعيد تهتف مرحبا/ لضيوفها وبتميل مع ريح الصبا/ ومن كثر مامر الليالي عذبا/ اضلاع انحنيت على عشاقها/ يادلبة المشتى العظيمة عرّمي/ شاب الزمان حرام انت تهرمي/ أرواحنا مثل الفراش محوّمي/ حني عليها وخففي أشواقها)
هل هناك أجمل من تكريم مبدع في حضوره أو أثناء حياته لكي يحس بأن الوطن الذي حمله في القلب وقدم له ولشعبه كل ما يستطيع من حب وتضحيات قد كرمه ومنحه المكانة التي يستحق، وإلا ما فائدة التكريم بعد الرحيل، وهو ان دل على شيء فإنما يدل على الشعور بالذنب والخطيئة تجاه هؤلاء المبدعين، شعور بالندم والحسرة والتقصير لكن كما قلنا بعد فوات الأوان.

ميخائيل عيد الأديب والإنسان… في الذكرى العاشرة لرحيله

بقلم: الأديب سلوم درغام سلوم

o-883

رحل الصديق ميخائيل عيد الأديب والشاعر والمربي والإنسان بكل ما تصدح به الإنسانية في 16/12/2004م بعد أشهر من المعاناة مع المرض، وهو من مواليد /5/ تموز عام 1936 مشتى الحلو، محافظة طرطوس، وقد تخرّج الفقيد في أكاديمية العلوم السياسية والفلسفية في صوفيا ببلغاريا، وقد تنقّل في عدة أعمال منها البناء، والتدريس لمادة اللغة العربية، وعمل رئيساً لتحرير مجلة (الطريق إلى الاشتراكية) في القسم العربي لوكالة نوفستي، ثمَّ عضواً في المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب حتى وفاته، وعبر حياته أنجز خمسة وستين كتاباً أكثرها مترجم، يكتب الشعر باللهجة المحكية، والفصيح وله أكثر من /15/ مجموعة منها: سفر، غزالة النهار، خطرات ورؤى، (النمل الغني)-مسرحيتان للأطفال، وله أكثر من ثلاث مجموعات في الزجل منها (حكايات وغناني) دمشق 1970م، و(ورقات من دفتر عمر) دمشق 1980، ومجموعة (ورد وسنديان) الزجلية المطبوعة في دمشق عام 2000م، وهي من المجموعات الزجلية التي حملت الكلمة المدهشة، والصورة الرائعة، وقد قيلت بلغة شعبية سهلة محببّة، فيها صدى العفوية والطبيعة… وقصائد الشاعر ميخائيل عيد الزجلية لا تقل أهمية عن قصائده الفصيحة، وقد حملت في ثناياها كل البلاغة، والبيان، والبديع، بما فيها من إدهاش شعري، ولغة سهلة مأنوسة، تدخل القلب، وقد اعتمد الشاعر العفوية، وأسقط الإنسانية على عناصر الطبيعة.
-آخر كتاب مطبوع له من إصدار اتحاد الكتاب العرب في دمشق عام2004م، وهو بعنوان (المدينة تخرج من أسوارها) موجه للفتيان وللأطفال، في كتابه الجديد رصد الأديب الرؤية الوطنية والاجتماعية وأراد أن يزرع تلك الرؤية في مدارك الفتيان والأطفال معتمداً الرمزية في رسم المكان وصورة الأعلام بأسلوب مبسط ورائع ومحبب للأطفال وبلغة رشيقة واضحة.
وكان للراحل آراء في الحداثة حيث قال لي في حوار معه: (لقد ترجموا لنا الحداثة على أنّها تغيّر في شكل العمل الفني، والحداثة هي فهم أعمق لكل مافي الكون، فالعالم ليس شكلاً والشعر الذي هو صورة العالم ليس شكلاً فقط،والطاقة الروحية توضع حتّى في الأسلوب القديم تكون فرعاً من فروع الحداثة). ويتجسّد رأيه في الحكاية بقوله: (أنا مقتنع بأنّ الحكاية هي أم الفنون كلها، بل هي أم النتاجات الإبداعية والأجناس الأدبية والفكرية، وأزعم أن الإنسان حكى الحكايات قبل أن يتعلم الكلام عبر الإشارة والجسد وجماله، الحكاية هي الجذع الذي تفرّعت عنه الفلسفات والعلوم والفنون، وحتى أكثر الغلاة في التوجه نحو الحداثة لم يستطيعوا التخلي عن الحكاية، اللوحات الفنية والقصائد وما أبدعه الفكر البشري فيه عنصر من حليب الأم أي الحكاية*. وله رأي في قضية الترجمة حتى لا يفقد النص قيمته حيث قال: شعاري في إحدى الندوات الدولية للمترجمين هو: (أيّها المترجم لا تجعلنا نرمي كتاباً جيداً)، لذلك عندما يفقد المترجم سيطرته على طرفي المعادلة الحساسة أي –معادلة التمسك بحرفية النص مع الحفاظ على روحه-عندما يفقد ذلك يضيع الكثير من قيمة النص).
ومن هنا فالشاعر الراحل ميخائيل عيد كان يمتلك الطاقة الإبداعية في أكثر من مجال، في فن الزجل، وفي مجال الترجمة والنقد الأدبي، وأدب الأطفال والشعر الفصيح، إضافة للفعاليات الثقافية في سورية عبر المهرجانات والأمسيات وغيرها.
رحمه الله..
وفي ذكرى رحيله أقول:
حمام الأيك ما هذا الهديل؟
فهل مثلي يرافقك الرحيل؟
تنوح تبوح أسرار المعنّى
ويحزن –عندما تبكي-النخيل
حمام الأيك خلّك مثل خلّي
لدرب الخير يا نعم الخليل
بمجلسه يموج العطر روضاً
كما يتضوّع الزهر الجميل
حمام الأيك هل تدري بحالي؟
يودّع دربنا الوجه الأصيل
أقول وحيرتي حزن توالى
يطول الوقت هل يأتي البديل؟
ربيع الجود فيه مثل نبع
كما في خلقه الطبع النبيل
هو الإنسان في قيم تجلّت
كأنَّ يديه للظمأى سبيل
بدرب الشعر زجّال رقيق
له الإحساس والصوت الهديلُ
مضى، ويعزُّ أن نلقى بديلاً
ففي الإبداع حرّاً لا بديلُ

ـــــــــــــــــ

الكون في نظر شاعر

بقلم: الأستاذ والأديب الراحل ميخائيل عيد

images (3)

ثمة أسئلة تشغل ذهني منذ زمن….اسمع العلماء يؤكدون , استناداً إلى فرضيات يفترضونها, حقائق تتماشى مع أسس معينة قدموها على الفرضيات ثم أقاموا نظريات عامة وشاملة عليها… لقد خدمت تلك الفرضيات والنظريات وما زال بعضها يخدم التقدم العلمي كما سهلت حياة البشر وما زال بعضها يسهل حياة البشر… وتكاثرت العلوم وتفرعت فاسمينا بعضها علوماً دقيقة واسمينا بعضها علوماً اجتماعية حتى صرنا نسمع من يقول علم الأدب الخ.
كانت حصيلة ذلك فوائد على أكثر من صعيد… فابتكار الصفر صار نقطة تحوّل في علم الحساب, وعلم الحساب في أساس الكثير من العلوم الدقيقة وغير الدقيقة. وهو أيضاً في أساس الكثير من المعاملات التي تساعد على تقدم المجتمعات البشرية و تيسر الكثير من أمورها وعلاقاتها سواء أكانت علاقات دولية أو بين الفئات الاجتماعية أو بين الأفراد. وعلى الرغم من فائدة ذلك لم أجد من يقول لي ما هو الصفر…
أمس كان حفيدي يعد من الواحد إلى المئة, وقد أفرحني ذلك فصفقت له وامتدحت ذكاءه.. وحين خرج من غرفتي وبقيت وحدي سألت نفسي: ما هو الواحد هل الفيل الواحد مثل الفيروس الواحد؟ وهل دلبة المشتى العظيمة شجرة واحدة مثل شجرة الدفلى التي تحت نافذتي؟ ثم من قاس لنا المسافة بين الصفر والواحد؟ يخيل لي أن المسافة بينهما غير متناهية… وتتداعى أفكاري.. أسأل نفسي: ماذا يعني غير متناهي؟ وأفطن إلى أمر آخر: ثمة غير متناهِ في الكبر وثمة غير متناهِ في الصغر.. وما أكبر ورطة الفكر الذي ينشغل بأحدهما.. فكيف إذا انشغل بهما معاً..
أنا زجال أولاً وشاعر ثانياً ومترجم ثالثاً وهاوي حكايات وأساطير وعلم فلك رابعاً وخامساً وهذا يعني أنني غير متخصص بشيء , ولم أتقن شيئاً اتقاناً أرضى عنه في حياتي. وقد صدق أسلافنا حين قالوا (كثير الكارات قليل البارات)ٍٍِِ ِأما كتابتي في مثل هذه الأمور فلها حكاية .. بدأت الحكاية “بدردشة” عادية ثم انتهت بورطة.. وهل ثمة ورطة أكبر من أن تطرح أسئلتك الساذجة على علماء العالم المعاصر الذين طلعوا علينا بنظرية تمدد الكون ونظرية احديداب الكون.. وقد حكوا لنا حكاية ” كون انشتاين الأحدب” وغيرها وغيرها.. وقد أسند انشتاين نظريته إلى العديد من قوانين الفيزياء الحديثة وإلى معادلات رياضية كثيرة.. وقد اقتنعت بما ساقه هذا العالم الفذ خطوة خطوة لكنني حين نظرت إلى الأمر بمنظار آخر غير منظار الجداول الرياضية والحسابية وخارج معادلات العلوم الجزئية الدقيقة فاجأني السؤال التالي: كيف يكون الكون أحدب أو مستطيلاً أو بيضوياً إذا كان غير متناه.. الاحديداب , والشكل عموماً, يعني المحدودية والتناهي فكيف فات ذلك انشتاين ومن درسوا نظريته وطوروها أو شرحوها؟
أنا لا أ<د بديلاً للعلم في دراسة الكون الأكبر والكون الأصغر , لكنني أخشى أن تتحول نظراتنا إلى الكون ووجهات نظرنا إلى نظريات تدعي الكمال والدقة والشمول.
جاء في كتاب ” مقام العقل عند العرب” لقدري حافظ طوقان قول الغزالي على الصفحة (61) ما يلي: ” فإن النصوص المتناهية لا تستوعب الوقائع غير المتناهية” وجاء على الصفحة ( 93) قول الناظم وهو أحد أئمة المعتزل بأن ” الجزء يمكن تجزئته إلى ما لا نهاية, ولا بعض إلا وله بعض. ولا نصف إلا وله نصف, ولا جزء إلا وله جزء الخ” ويقول النظام أيضاً على الصفحة (230) من الكتاب نفسه ” ولم يكن يقين قط حتى صار فيه شك , ولم ينتقل أحد من اعتقاد إلى اعتقاد غيره حتى يكون بينهما شك” ويقول أبو هاشم البصري على الصفحة نفسها: ” الشك ضروري لكل معرفة” وكان الكندي يعتقد: ” أن الحق الكامل لم يصل إليه أحد, وأنه يتكامل بالتدريج بفضل تضامن الأجيال من المفكرين” ص (112)
لقد وضع العقل قواعد افترض فيها الدقة وأقام عليها أكثر من فرضية. أجل… صارت لكل علوم فرضياته وقوانينه وقواعده… كما هي الحال في كل لعبة نلعبها والشاطر هو من يتقن قواعد اللعب أما العالم فهو الذي يتقن قواعد العلم الذي يعمل في حقله فيوسعها ويسعى إلى جعلها أدق وامتن وهذا يعني أن يغيرها…
وتأتي المنجزات الكبرى نتيجة تراكمات كبرى في الحقل المعني.. ثم تأتي القفزة النوعية نسبياً.. ويولد الاكتشاف المدهش لتبدأ مرحلة أعلى وأشمل يعاد فيها النظر بالأسس إلى هذا الحد أو ذاك. وتطرح فرضيات جديدة أدق وأشمل لكنها غير كاملة, فالكمال لا ينال أبداً… وكيف تكون الرياضيات دقيقة على أرض الواقع, أي خارج الذهن الذي وضع أساس لعبتها ونحن نجهل حقيقة جوهر الصفر والواحد والنقطة الهندسية والخط المستقيم وهي أساس الكثير من العلوم والمعاملات… وإذا كان الأساس ناقصاً فهل يكون البناء كاملاً كمالاً مطلقاً..
بدأت أتأمل العالم منذ صباي الباكر.. كانت ساقية صغيرة صافية المياه تمر في دارنا متجهة نحو الحواكير الصغيرة لتسقي الأشجار والخضار و البقول كنت أرى النجوم تركض في مياهها إلى البساتين فولدت من هذا الركض صورة شعرية أسميت ديواني الشعري الأول باسمها, أي أسميتها سفر وهاكم هي:
” تسافر النجوم في السواقي
إلى بساتين القرى الحزينة
وتشرب الجذور أنجماً فيكبر الشجر
وتنفخ الريح على براعم الغصون
يضحك الزهر
وتومئ الزهور للقمر
صديقنا !
تحية إليك
من محطة السفر”
ودارت الأيام وكبرت وما زلت في حيرة من أمري: هل أزهار الأشجار نجوم سبحت في الماء وشربتها الجذور وصعدت إلى الأغصان لتجعل منها محطة على طريق عودتها إلى الفضاء نجوماً , أم المسألة هي إحدى ألاعيب الخيال الشعري؟
وأفطن إلى وجه المسألة الآخر وهو : أليس الخيال العلمي والشعري من ألاعيب العقل البشري أو من أهم نتاجه؟ وإذا كنا نثق , علمياً بالخيال الشعري أفلا يعني ذلك أننا نحط من مكانة العقل الذي نتخذه نبراساً وإماماً؟ لقد أكد جدنا الشاعر الفيلسوف العظيم أبو العلاء المعري: “لا إمام سوى العقل..” وقد تآخى الشعر والفكر في عقله واتحد…

ورأيت العقلاء يحارب بعضهم بعضاً باسم العقل وتحت لوائه فاضربت روحي, رأيت مبتكرات العقل تصير أدوات قتل ودمار… وتعرفون أن الأنبياء جاؤوا ليوحدونا ويخرجونا نحن العقلاء , مما نحن فيه فما نفعونا وغصنا أكثر فأكثر في المفاسد. وعلى الرغم من ذلك ما زلت مؤمناً بعدالة الحياة…. وما زلت أتأمل الكون وأسأل…
قيل لي: الذئاب الضارية تأكل الخراف الوديعة فأشفقت على الخراف.. ثم رأيت الخراف تأكل العشب الذي نما عليه بقايا جثث الذئاب فشمت بالذئاب.. أمعنت النظر فوجدت ما في الكون مكوناً مما في الكون كله… ولكل كائن تفرده فزادت دهشتي. أمعن النظر أرى حركة تسكن وأرى سكوناً يتحرك لا أرى الحد الفاصل بين الحركة والسكون ولا أرى تسلل السكون إلى الحركة ولا تسلل الحركة إلى سكون … أرى التراب يطلع زهراً وعيوناً جميلة وقلوباً بشرية ثم أراها تصير تراباً كلها.
يقول العلماء : هذا من باب العلم… ويقول الشعراء هذا من باب الشعر ويقول الفلاسفة هذا من باب الفلسفة.. ويتكاثف الضباب تأتي لحظة التبدل الرهيبة…. أرى كل شيء يسافر في كل شيء أكلّم الأشياء والكائنات بلغتي فلا تفهمني. وتكلمني الكائنات والأشياء بلغتها فلا أفهمها.. أزعم أنني وحدي من يتكلم ووحدي من يفهم … وأسمع حفيف أوراق الشجر والانسام تداعبها فيخيل لي أنها تسخر من جنوني وغروري.. فأهرب .. أسافر في الأشياء ومعها .. ولا أصل:
أبداً في الطريق
جسدي زورقي
والثواني المواني
…..
أبداً في الطريق
والرؤى والأماني
زمن راكض في المكان
واسمعهم يتكلمون على الحقيقة, وعلى ما نراه وما نسمعه فأسأل نفسي: هل الحقيقة هي ما كنت أراه وأسمعه حين كان نظري وسمعي قويين أم هي ما أراه وأسمعه اليوم وقد ضعف بصري وسمعي؟ أم هي في ما هو فوق سمعي وبصري وما هو تحتهما؟ وتكبر الأسئلة ويتكاثف الضباب.
اشارك الإلكترون والبروتون دورانهما فأدوخ ولا يدوخان اسمع الأرقام الفلكية حول رحابة الآماد الكونية, اسمع دفيق أجنحة المجرات وهي تجوب المساحات الهائلة, أسمع دوي تصادمها وتفجرها ثم أنظر إلى رأس الإبرة الذي يقول العلماء إن في وسع أكثر من مليون فيروس أن تعيش على رأسه … أنظر إلى الأعلى الذي قد يكون تحت الآن لأن الأرض تدور, ثم أنظر إلى تحت الذي قد يكون الأعلى.. أغمض عينيّ أسد أذني.. أرى ما لا يرى واسمع ما لا يسمع… أصيح أين أنا؟ وما هي هذه الأرض التي زعم أجدادنا أنها مركز الكون؟ اسمع جرثومة استوطنت إحدى خلايا دمي تهتف محتجة:لا..لا.. بل أرضي هي مركز الكون” ونحن هنا سادة هذا الكوكب الطافح بالخيرات والأسرار.
اسألها دهشاً : وهل في عالمكم الذي هو إحدى خلايا دمي, فيه شموس وأقمار ومجرات وسدم وثقوب سوداء؟ فيخيل لي أنني اسمع نحيب أبنائها وأحفادها لأنها قضت نحبها قبل أن يصل إليها سؤالي…
قد يسألني أحدكم غاضباً أو جاداً وحازماً: لماذا تمزح في هذه المسائل الجادة؟ وأقول له: في كثير من المزاح كثير من الجد وفي كثير من الجد كثير من المزاح.. ألم تسمعوا العلماء والفلاسفة يكثرون الكلام على المنطق وعلى ضرورة انتهاجه سبيلاً للمعرفة , لقد سمعتهم حتى كدت أختنق فسألت نفسي: وهل المنطق وقف على هؤلاء وحدهم؟ وهل للمنطق الكوني منهج واحد؟ أليس لكل شيء منطقه ومنهجه؟ وكثيراً ما خيل لي أن منطق الفن الحق أرقى وأغنى من منطق العلوم الدقيقة والطبيعية… لكنه ليس منافياً لمنطق العلم والفلسفة, فكلاهما من صنع صانع واحد هو العقل البشري الذي يبحث عن الحقيقة..
وأرى نفسي ” أهوي إلى حضيض الانطفاء
تواكبني سدم ومذنبات
تضيء ابتسامتي فوهات الثقوب السوداء
اسمعها تشكو سوء الهضم..
يمتليء الصمت, يخفت الهدير
من هنا الدرب إلى الفناء المطلق
من هنا
عبر الوجود المطلق( راجع يمامة الكلام ص 81)*
وأعرف أنى ” الزمن مسدود بفتحتي الأزل والأبد” وأعرف أننا:
” نمضي في نهر الزمن حاملين في ذاكرتنا
سيان طعم الأماكن والأشياء وألوانها
ثم يأتي ظلام النسيان
ويمحي ما كان ” ( يمامة الكلام 120_121 )
وأعرف . كما تعرفون أن الأنسان يتقدم صاعدا بواسطة العقل درجات سلم المعرفة لكنني على ما يشبه اليقين من أن سلم المعارف الكونية لا نهاية له وسيفتح لنا كل جواب عن مسألة علمية_ معرفية أكثر من باب على أسئلة أعمق وأعقد, وأنا على ما يشبه اليقين من أن الأجيال القادمة ستسخر من سذاجة معارفنا حول أسرار الكون وقوانينه كما نسخر نحن من سذاجة معارف الذين سبقونا. أما كان القدماء أو بعضهم, يعتقدون أن الكون كله محمول على ظهر سلحفاة عملاقة تقف هي الأخرى على ظهر واحدة أكبر وصولاً إلى الأسفل؟ وإذا سألنا : أي أسفل هو ذاك الذي تقف عليه السلحفاة السفلى فلن نسمع الجواب… ولقد سمع جيلنا أقوال من كانوا يرون الأرض مرتكزة على قرن ثور.. وأن الزلازل تحدث حين ينقلها من قرن إلى آخر من قرنيه .. ولم أسمع أن أحداً سأل : وماذا كان يأكل أو يشرب ذلك الثور أو تلك السلاحف.. فهل يعرف أحد منكم ذلك ؟
ثمة مسألة ما هو فوق حدود مقاييسنا ومعاييرنا وما هو دون هذه المقاييس والمعايير… ألا تنقلب المفاهيم إذا انقلبت المقاييس والمعايير؟ ألن تكون حينئذ أمام حقائق غير التي يؤكد لنا صحتها العلماء والمناطقة؟ فكيف أزعم أنني أدرك حقائق الكون وأنا مقيد بما فوق حواسي وبما دونها؟
لقد أثار فضولي تعبير ” حافة الكون” التي اكتشف العلماء قربها كوازارات فائقة السطوع … إذاً … للكون حافة ومن ثم هو محدود وليس غير متناه.. والسؤال : ألا يوجد مكان قط بعد حافة الكون هذه؟ وهل في وسعنا أن نجزم بأننا وصلنا إلى هذه الحافة . انتهى الكون.. نقطة ثم فلنبدأ من أول كون جديد.. هل حقاً اكتملت الرواية؟ ثم اسأل نفسي هل عند حافة الكون جدار سميك أم هاوية كونية؟؟ لا .. لا.. أنا لا أمزح الآن.. يخيل لي أن العلماء الصارمين جداً هم الذين يمزحون.. والحق معهم.. لقد تعبوا بعد أن ساروا مع الضوء مئات الملايين من السنوات الضوئية.. وقد تكون الحافة المزعومة هي آخر ما استطاعت وسائلهم الوصول إليه.. أما إذا كان الكون أحدب, كما يؤكد انشتاين , فقد يجد العلماء الأفاضل أن حافة الكون هي حيث يقفون..
يؤكد لنا العلماء التجريبيون أن البرهان يتحقق بإعادة التجربة كي نحصل على النتائج ذاتها.. وتخيفني. علمياً كلمة ” ذاتها” فأزعم أن في وسعنا القول ” النتائج ذاتها تقريباً أو في خطوطها العريضة, إذ ما من شيء في الكون في وسع الكون أن يعيده ذاته .. والسبب بسيط وواضح جداً وهو أن عناصر التجريب وأدواته وشروطه كلها تتفاعل وتتبدل تبدلاً قد لا نلحظه, وما من شيء في الكون لا يتفاعل ويتبدل, أي ما من شيء يبقى على حاله تماماً .. كل شيء يتحول نتيجة تأثيرات داخلية وخارجية.. أما قواعد اللعبة العقلية المجردة فتبقى ثابة لا تتحول لأنها في الذهن , ولأنها مجردة ذهنياً, أي أنها خارج التفاعل الكوني.. أي لأن قواعد لعبة العقل افترضت خروجها من إطار فعالية الكون وتفاعلاته
هل أزعم أن الكون كائن حيّ , وأن لكل ما فيه حياته الخاصة المكملة لحياتنا والمختلفة عنها؟ أقول قد يكون الكون كائناً حياً وقد لا يكون لكنني اسأل نفسي: هل نريد أن يحيا ما في الكون كما نحيا وننسى أننا لا نحيا كما نريد بل نخضع لقوانين حركة الكون وتفاعلاته أننسى أن نمط حياتنا هو أحد أنماط حياة العناصر الكونية؟ أيحق لنا أن نريد ولا إرادة لنا في شؤون كثيرة؟ أليس لكل جسد طاقته وطريقته في التفاعل مع الأشياء والكائنات الأمر الذي يحدد فرادته؟ قد يكون الأمر كذلك وقد لا يكون.. وبين قد يكون ولا يكون سأحكي لكم هذه الحكاية التي سمعتها قبل أكثر من خمسين سنة وما زلت اذكرها لأنها أثارت ذهني حين سمعتها وما زالت تثيره.
تقول الحكاية : كان قرابة مائة فارس يقتفون أثر جماعة من الفرسان طلباً لثأر قديم.. التقوا رجلاً قادماً من الجهة التي يقصدونها فأوقفه كبيرهم وسأله : كم عدد الرجال الذين مروا بك؟
قال الرجل: هم أربعة عشر رجلاً وبريك.
قال كبير الفرسان : هذا يعني أنهم خمسة عشر رجلاً.
قال الرجل: قلت لك أربعة عشر رجلاً وبريك..
غمز الفارس صبحه غمزة ذات مغزى وأدار يده حول رأسه علامة شكه في سلامة عقل الرجل ثم أعطى علامة إشارة الانطلاق.
نظر الرجل إليهم وهم يندفعون على ظهور الخيل وابتسم ابتسامة ذات مغزى وعاد إلى السير.
لحق الفرسان المئة بالرجال الذين كانوا يقتفون أثرهم ونشبت المعركة بين الطرفين فجرح بريك وقتل وحده ستين فارساً وعرف الذين هربوا من هو بريك.. وقديماً قال أجدادنا ثمة رجل برجل وثمة رجل بألف رجل .. وتبقى المسائل نسبية
أعرف أن العقل نعمة كبيرة نالها الإنسان لكنني سألت: أين هو عقل العالم في أيامنا ؟ قيل لي أنه في حذاء مصالح الأقوياء أو تحت أحذيتهم.
صرخت مستغرباً: ما هذا العقل المجنون ؟
وكنت قد سمعت ما قيل قديماً عن أن من النادر أن يلتقي العقل والعدل والقوة في مكان واحد.. فهل سيعود عقل العالم إلى رأسه أم سيبقى في حذاء مصالح المتوحشين الجدد؟
قد يعود وقد لا يعود .. أما أنا فسوف أعود إلى الموضوع
سألني أحد الأصدقاء أن أعقب على كتاب في علم الفلك ففعلت وكانت هذه الخواطر بعض ما كتبت على هامش التعقيب ولم ينشر معه.
قد يفهم العالم الأعمال الفنية ويتذوقها ويحبها, وقد يكون فهمه لها أغنى وأشمل من فهم بعض هواة الفن لها.لكنه قد لا يطمح إلى أن يصير فناناً أو شاعراً أو ناقداً , وقد يفيده ذلك في فهم العلم الذي كرس حياته له, وقد يفهم الشاعر أو الفنان الحقائق العلمية ويرى فيها ركناً من أركان ثقافته, وأنني أزعم أن الشاعر الحق , الشاعر العظيم , لا يكون كذلك ما لم يطلع على خلا صات العلوم في زمنه. مع أن الشعراء لا يطمحون إلى أن يصيروا علماء أو منشغلين في العلوم. لقد مضت الأزمنة التي كان فيها الشاعر والعالم والفيلسوف والطبيب يلتقون في شخص واحد.
وكلما سئلت أن أكتب في شأن علمي أتذكر مسرحية موليير التي أرغمني مدير الثانوية التي كنت أتعلم فيها على تمثيل دور البطولة فيها وهي ” الطبيب على الرغم منه”
كانت تلك المسرحية هزلية و وكنت فتى .. أما اليوم فأنا شيخ أن المسألة في غاية الجد.
وإذا كان الحطاب الذي صار طبيباً على الرغم منه. قد شفى ابنة الغني لأنها لم تكن مريضة بل عاشقة, فهل سأقدم شيئاً نافعاً في كلامي على بعض النظرات العلمية لأنني غير متخصص ولأنها غير مريضة فعلاً, أم سأزيد شماتة الشامتين بي, وأنا في كلتا الحالتين مخطئ. فما أنا بالطبيب المعالج ولا أنا بالباحث المدقق, وما هي إلا خطرات كتبت على الهامش.
تقول إحدى الحكايات أن إناساً نظروا إلى فيل ضخم في صندوق ضيق عبر ثقوب ضيقة جداً ودون كل منهم خلاصة ما رأى فكانت خلاصة ما دونوه صفات غريبة لا تخطر في بال أحد , ولا تمت إلى الفيل بصلة,
وقد قالت المتصوفة: لا تطبق المعايير على ما لا حدود له, وسمع الناس والعلماء الحكاية وكلام المتصوفة ولم يكف أحداً من الناس أو العلماء عن النظر في الثقوب الضيقة ولا عن تطبيق المعايير المحدودة على غير المحدود.. فمن طبيعة العقل البشري الحركة بحثاً عن الجديد بالوسائل المتاحة, وعدم الاكتفاء بما ينجز , فكل إنجاز يصير قاعدة جديدة لطرح أسئلة جديدة, وللانطلاق بعزم بحثاً عن الأجوبة.
يعرف بعض الجنود الشجعان, أحياناً, أن معركتهم خاسرة لكنهم يخوضونها بشجاعة حتى الموت إيماناً منهم بعدالة قضيتهم, وشعوراً منهم بأن عار الاستسلام أقسى من الموت.. وإننا لنجد بين العلماء من هم في مثل نبل هؤلاء الجنود وشجاعتهم, وإنهم يعرفون أن الحقيقة المطلقة لا تطال, وإن الأبواب الموصدة كثيراً ما تنفتح على أبواب موصدة, ومع ذلك يكرسون أعمارهم لخوض البحث عن الحقيقة وسط متاهات الكون.
ويكون التقدم عسيراً وبطيئاً ويكون أحياناً كالتخبط في مستنقع وسط ظلام دامس, ويحدث أحياناً أن يندفع جيل أو أجيال نحو منارات مضللة تدعو السفن إلى ظلمات تمتد وراءها ظلمات ويصير التقدم من المحال, ويصير الرجوع عسيراً.
وينتصب الإنسان طموحاً متطلعاً إلى غزو الكون. ويصير عقله الذي هو أعظم النعم, يصير أكبر النقم.. لقد جعله إماماَ ورائداً.. والرائد لا يكذب أهله.. والإمام ..لا.. ليس يسيراً أن يصير المرء إماماً.
إن العلم الذي هو منارة العمل يبدأ بالأسئلة… وقد قيل : نصف العلم أسئلة ونصفه أجوبة. وربما كانت أصعب الكلمات التي ابتكرها الإنسان في تاريخه وأمجادها هي : ما هذا؟ ولماذا؟ وكيف؟
وكان أكثر ما أدهش الإنسان أن وجد نفسه في كون لا حد له.. وقد خيل له أن لهذا الكون حدين: غير متناه في الكبر وغير متناه في الصغر, ففهم شيئاً وغابت عنه أشياء.. لأن غير المتناهي يطرح أسئلة غير متناهية . وعمر الأنسان قصير , وهو يحتاج إلى أمور أخرى عبر الأسئلة والركض وراء الأجوبة .. والأشياء الأخرى التي يحتاج إليها لا تقف صامتة بل تطرح, هي الأخرى, أسئلة تكاد لا تنتهي. وقد يكون اسم ” السائل” هو أفضل اسم للإنسان.
وبعض الأسئلة مضحك . وبعضها مربك.. وحين سأل الإنسان: من أنا وما الكون؟ أتاه جواب: أنت مخلوق وتافه.. قال: أفعل, إذن, ما أشاء! قيل له: بل أنت مسؤول.. قال : المسؤولية تنفي التفاهة… فكيف خلقت ولماذا؟ هل كان هذا الكون ضرورياً كي أكون؟ وهل أنا ضروري كي يكون الكون؟ وما معنى الكينونة؟ وما معنى المكان والزمان؟ وهل من زمان خارج المكان, وهل من مكان خارج الأزمنة؟ وهل من خارج أو داخل في مفهومي المكان والزمان, هل من حضيض وذروة في المطلق؟ وماذا يعني المركز والأطراف في غير المتناهي؟ وماذا يعني الاقتراب من الحقيقة المطلقة التي من المحال الوصول إليها؟ وكيف نحسب موجداً ما ليس في الإمكان الوصول إليه أو في المكان معرفته؟ أم أن الحقيقة المطلقة حقائق متعددة تفتح كل واحدة منها الباب إلى حرم غيرها؟
وكلما أتعبت الأسئلة جيلاً أتت بعده أجيال.. وترث الأجيال الجديدة الأسئلة القديمة, وينظر كل جيل إلى الكون الأصغر والكون الأكبر عبر الثقوب التي فتحتها الأجيال السابقة له وعبر ما يتاح له أن يفتح من ثقوب.
الكتاب الذي أكتب أسئلتي على هامشه هو ” طبيعة الكون” وهو كتاب في منتهى الجد.. وحين يكون الأمر كذلك يكون لزاماً ترطيبه بشيء من المزاح.. وقد يكون في المزاح كثير من الجد أو قد يكون منتهى المزاح في منتهى الجد.. ولا غرابة.. فالأمور نسبية, ومعاييرها قاصرة ونحن ننظر إلى الكون غير المحدود من ثقب المجوعة الشمسية الصغير جداً, وبوسائلنا التي أوجدناها لمساعدة حواسنا القاصرة.
كتبت قبل سنوات خاطرة شعرية سألت فيها : إذا كان الكون غير متناه في الكبر فلماذا لا تكون شمسنا العظيمة مفرقعة أطلقها طفل كوني في يوم عيد؟
حين قرأت هذه الخاطرة على بعض أصدقائي ابتسموا واعتبروها طرفة. وكنت حيينها وما زلت أرى الأمر في منتهى الجد بل لقد قادني التداعي إلى طرح أسئلة أخرى , فنا آكل الخيار والبندورة في موسمها كما تفعلون..وقد يكون قرص البندورة الذي أكله من غير ملح كوناً غير متناه في الكبر في القرص.. فهل يرى علماؤنا أن فمي ثقب أسود يلتهم عالمهم؟ وأفكر في جسدي .. أي كون عجيب هو .. وأفكر في هذه الزهرة التي أمامي وفي هذه الذبابة التي حطت على حذائي, ثم أعود إلى الجسد الأعجوبة, فحين يأمر العقل الجسد وهو منه, بأن يطرح الفضلات التي كانت مفيدة ثم صارت ضارة يكون أمره هذا استجابة لضرورة عضوية, وتكون استجابة الجسد تلبية للضرورة ذاتها, أما الكائنات المجهرية التي طردت خارج الجسد فالأمر في نظرها حدث كوني هائل مدمر يستحيل على علمائها _المعذرة من علمائنا- شرحه أو تفسيره… ألسنا قياساً إلى الكون غير المتناهي, أصغر من تلك الكائنات إذا قيست إلى أجسادنا؟
وكم سألت نفسي : هل للجراثيم والفيروسات التي تستوطن ممالك خلايا جسدي ملوكها وفلاسفتها وقادة جيوشها؟ وهل شعراء الغزل أم شعراء السياسة هم الأكثر شعبية بين شعراءها.
وهل يغازل الذكر أنثاه كما يغازل الرجل المرأة؟ وهل دمي سيالة كونية يسيل منها زمانهم ومكانهم؟ هل لهؤلاء دياناتهم وطوائفهم وأحزابهم؟ وهل بينهم محتكرون يكنزون الذهب والفضة على حساب جوع أهلهم؟ أم أنهم لا يتعاملون بالذهب والفضة ولا حتى بالسيد الدولار؟ وإذا كانوا لا يعرفون الدولار فكيف يسمح لهم السيد بوش بالاستيطان في خلايا جسده . ولا تقصفهم طائراته وبوارجه الحربية كما تقصف شعوب العالم الجديد الذي هو سيده!
ويتكلمون على الانفجار الأول الذي تكون بعده الكون ثم بدأ يتمدد فارتبك. وأسأل : هل كان الكون فارغاً قبل الانفجار؟ وما الذي انفجر؟ أهي المادة المكثفة؟ وهل تكثف معها المكان الكوني كله ثم بسطته حين تمددت كالبساط كي تدرج عليه؟ وكيف نوحد مفهومي المكان والفراغ في كون لم يتكون بعد؟ وهل كانت طاقة الكون الوليد الهائلة خارج الكون حين أوجدته؟ وهل ثمة شيء يدعى خارج الكون؟ هل ثمة فرق نوعي بين قلب يشحن بالعواطف ثم يحترق وبين سدم كونية تشحن بطاقات ذرية أو أعظم ثم تتصادم وتنفجر أم أن الفرق بالدرجة؟ وهل النار التي يحترق بها عود ثقاب هي من نوع النار التي تحترق فيها الشمس؟ أم أن شدة الاحتراق تجعل الفرق نوعياً؟ وهل يحترق ما يحترق لأنه ضاق ذرعاً بحاله أم يحرقه الاشتياق إلى حال أخرى؟ أم أن الكون انفجر غيظاً من زوجته ثم راح يتمدد هارباً من مطاردتها له؟
وأسأل لماذا أغضب؟ لماذا أضحك؟ ومن أين جاءني ذلك الحزن العميق حين ماتت أمي؟ ومن يشرح لي الدفء في نظرات عاشق, وطبيعة الصقيع في نظرات الحاسد, وطبيعة النار في نظرات حاقد؟
وأتخيل أن أم عادت إلى الحياة وسمعت بعضاً من هذه الأسئلة التي تعذبني فيخيل لي أنني أسمعها تقول وعيناها تفيضان بالدموع شفقة: ما كان أبوك أحمق فمن أورثك هذه الحماقة كلها؟ لماذا لا تشغل ذهنك بما تعيل به أسرتك حتى أخر الشهر؟
وأنكمش على نفسي , أشعر أنني أصغر وأصغر بوتائر تتناسب طرداً مع وتائر تمدد الكون.. ثم أنفجر قهراً.. ثم أختفي خجلاً من أمي التي كانت تكسر الصخر وتقلع الشوك في أرض كسارتنا الصخرية الشائكة كي تزرع حفنة إضافية من القمح والشعير.
وإذا سألني سائل من أين هذه الشطحات ؟ قلت من قرص البندورة الذي أكلته قبل قليل. ومن الذبابة التي حطت على حذائي, ومن الزهرة التي أمامي.. فأنا أراها تأكلني وأكلها.. تصير في جسدي ويصير جسدي فيها. وولادة أي كائن أو موته هو عندي حدث كوني عظيم لا يقل إدهاشاً عن تصادم المجرات أو تباعد السدم.
وقد يكون سلوك الإنسان أكثر إدهاشاً من سواه .. فهو يبحث عما في الكون من أسرار وينفق في سبيل ذلك المال والجهد ثم لا يكلف نفسه عناء سؤال جاره المحتاج إليه عن حاجته. وهو يقضي حياته باحثاً عن حقائق الكون المطلقة والنسبية وهو يجهل حقيقة أنه لم يفهم جيداً مشاعر زوجته, وأولاده أو أخيه. ويسأل عن أسباب تصادم المجرات ونتائج ذلك التصادم ثم لا يسأل عن سبب دمعة في عين طفل بائس يمر به يومياً.
إن الانتقال من مكان إلى مكان لا يتم إلا عبر مكان, والمكان شيء , وكل شيء في الكون جزء من الكون. فلا فراغ ولا حواجز بين أمكنة الكون وأشيائه إلا تلك الحدود والفراغان التي يقيمها الإنسان بينه وبين إخوانه البشر.
وسواء ظهرت هذه الحدود والفراغان على صورة إشعاعات من الكراهية والبغضاء أو في هيئة حقول طاقية فإنها كانت وتبقى ذات طبيعة مادية حصراً, أما ما نسميه فراغاً في الكون ففيه تتم أعظم التفاعلات والتوازنات الكونية.
ولا تنسوا أنني أنظر إلى الكون عبر الثقب المتاح لي النظر عبره.
ولقد سمعت من يقول : الوجود نعمة
وسمعت من يؤكد : الوجود قيد
ورأيت أن أوفق بين ما قيل وما قيل فقلت:الوجود نعمة مقيدة.. ورأيت نفسي في زمن اللازمان.. كسرت بيضة التكوين فخرج منها الصوص الكون ثم كبر وصار ديكاً.. أيقظني صياحه وأعادني إلى زمني.. حكيت لكم ما رأيت فأشفقتم علي.. فمتى ترون شمسي ( يمامة الكلام ص 198)

الموسيقار والملحن حليم الرومي – حياته الشخصية والفنية – جوائزه وأعماله

بقلم: اعداد اللجنة الثقافية

46559_1

 

حليم الرومي هو والد المطربة ماجدة الرومي وهوموسيقار وملحن فلسطيني
ولد حليم الرومي برادعي في شهر تموز من عام 1919 في مدينة الناصرة في فلسطين .
بدأ دراسته الموسيقية في المعهد الموسيقي الوحيد في حيفا، وقد قُبل فيه وهو في سن الرابعة عشرة، تقديراً لموهبته،
بالرغم من أن القبول في هذا المعهد كان يقتصر على الطلاب الذين أكملوا الثامنة عشرة من عمرهم. ويقال أن والده عَوَض،
كان صوته جميلاً لكنه لم يغن.
بدأ حليم الرومي حياته الفنية كهاوٍ سنة 1935، فشارك في بعض الحفلات الخاصة، وحفلات المسارح والمهرجانات في حيفا.
وفي صيف عام 1936 غنّى للمرة الأولى في لبنان، في أحد فنادق مصيف برمانا، إلى جانب بعض المطربين اللبنانيين
المشهورين في ذلك الوقت مثل: غرام شيبا، ولور دكاش، ووديع الصافي،…وقد أُعجب بصوته وأدائه،
السيّد منير دلّة الذي ساعده لدخول معهد فؤاد الأول للموسيقى العربية في القاهرة سنة 1937، حيث أتم تحصيل
علومه الموسيقية خلال سنتين بدلاً من ست سنوات، وحاز على الدبلوم سنة 1939، الأمر الذي اعتُبر في حينه سابقةً
لم تحدث في تاريخ المعهد.

حياته الفنية في مصر
بدأ حياته الفنية في مصر قبل حصوله على شهادة الدبلوم، فقدم أولى حفلاته في الإذاعة المصرية سنة 1938.
في الفترة الأولى كان يطلق على نفسه لقب الفنان المجهول، لأنه كان يشعر بمسؤولية دوره كفنان ويخشى الفشل،
ولكنه سرعان ما عرف النجاح فنيًّا وشعبيًّا، فكشف عن اسمه الحقيقي، وبدأ نشاطه على نطاق واسع في الإذاعة
والمسارح والاستعراضات كمطرب وملحن، وكوّن لنفسه شخصية فنية خاصة، يشهد له بها الفنانون المصريون في تلك الفترة.
وقد لُقّب بـ”خليفة أم كلثوم” نظرًا لأدائه المميّز.
سنة 1941 عاد حليم الرومي إلى فلسطين بسبب ظروف عائلية خاصة، اضطرته للبقاء مع عائلته. وهناك بدأ العمل
في إذاعة الشرق الأدنى، كمطرب وملحن وعازف عود، وقد اعتمدته الإدارة، الفنان الأول في جميع المناسبات والاحتفالات.

فاز سنة 1942 بجائزة تلحين نشيد الجيش العربي الأردني وقد أقيمت تلك المسابقة في مقرّ إذاعة الشرق الأدنى.
وسافر سنة 1945 مجدّدًا إلى القاهرة حيث تعرف بالسيد إبراهيم وردة، المنتج السينمائي المعروف في الأوساط الفنية،
وكان أحد أصحاب والده، فعرض عليه التعاون مع شركته لتمثيل فيلمين سينمائيين. لكن حظّه في السينما كان سيئًا.
بعد عودته إلى حيفا عيّن مساعداً في القسم الموسيقي في إذاعة الشرق الأدنى. وبعد فترة تسلّم رئاسة القسم
الموسيقي فيها، فساهم بفعالية مشهودة في تنظيمها، وبناء شخصيتها، حتى أصبحت من أهم الإذاعات في الشرق الأوسط.

بسبب بعض الضغوط النفسية من جراء العمل، ترك حليم الرومي وظيفته في إذاعة الشرق الأدنى التي كانت انتقلت إلى قبرص،
وعاد إلى مصر ليلحّن ويغنّي. فقد شارك سنة 1948 في تلحين بعض أغاني فيلمين سينمائيين هما: “قمر 14″ و”صلاح الدين الأيوبي”.
كما كان أول من لحَّن لأبي القاسم الشابيّ قصيدة وهي إرادة الحياة

في تموز 1949 تزوج في مصر من ماري لطفي فلسطينية الأصل، وكان قد تعرّف عليها مصادفةً في حيفا، ورزق منها بأربعة أولاد
هم: مهى، ومنى، وماجدة (التي احترفت الغناء)، وعوض.

الموسيقار حليم الرومي صاحب الألفي لحن!! … اكتشف المطربة فيروز وأول من لحن لها

بقلم: زيــــاد عــســاف

 

maxresdefault

 

زيــــاد عــســاف *
حليم الرومي، موسيقار وملحن، له أكثر من ألفي لحن، وقدم أسماءً كبيرةً في مجال الغناء والفن العربي، كل هذا ذهب أدراج الرياح وطواه النسيان، ولا يُذكر إلاّ من خلال ابنته الفنانة ماجدة الرومي، ويتذكره الناس حين يُلحق باسمها أحياناً “ابنة الموسيقار حليم الرومي…..!!”

رحلة ابن الرومي
بين فلسطين ومصر ولبنان
حليم الرومي من مواليد 1919، وكما تشير المراجع فإنه من مواليد الناصرة في فلسطين 1933، التحق بالمعهد الموسيقي في حيفا وهو لا يزال في سن صغيرة، وشارك في الحفلات والمهرجانات التي كانت تقام هناك، في أوائل الأربعينيات عمل في إذاعة الشرق الأدنى في حيفا، كمطرب وملحن وعازف، واعتمدته الإذاعة الفنان الأول في جميع الاحتفالات والمناسبات.
وفي الفترة نفسها فاز بجائزة تلحين نشيد الجيش العربي الأردني، بعد ذلك تسلّم رئاسة القسم الموسيقي في إذاعة الشرق الأدنى، ساهم في تأسيسها وإعادة تنظيمها حتى أصبحت من أهم الإذاعات في الشرق الأوسط.
في أواخر الأربعينيات تزوج من ماري لطفي فلسطينية الأصل وأنجب منها عوض ومها ومنى و”ماجدة”.
في مصر كان لحليم الرومي محطات فنية هناك، وفي أواسط الثلاثينيات كان يتنقل بين فلسطين ومصر، أكمل تعليمه الموسيقي في معهد فؤاد الأول للموسيقى العربية في القاهرة، وأنهى دراسته في مدة سنتين بدلاً من 6 سنوات؛ وذلك نظراً لنبوغه في المجال الموسيقي، وقدم أولى حفلاته في الإذاعة المصرية وشارك كمطرب وملحن من خلال المسارح والاستعراضات، ولُقب في مصر وقتها بـ”خليفة أم كلثوم” وذلك لإبداعه وتميزه في مجال الغناء.
في أواسط الأربعينيات وفي القاهرة تعرف إلى المنتج السينمائي إبراهيم وردة وشارك في تمثيل فيلمين سينمائيين “أول الشهر” وفيلم “قمر 14” الذي غنّى فيه “يا مساء الورد على عيونك”.
عاد إلى لبنان عام 1950 وعين رئيساً للقسم الموسيقي في إذاعة لبنان، وكان له دور في رفع مستوى الأغنية اللبنانية وتقديم عدد كبير من المطربين والفنانين.

اكتشف المطربة فيروز
التقى الموسيقار حليم الرومي بالمطربة فيروز في أواخر الأربعينيات حين تقدمت لامتحان القبول في إذاعة لبنان، أعجب بصوتها وقدم لها أول لحن “تركت قلبي وطاوعت حبك” عام 1950، والأغنية الثانية “في جو سحر وجمال” واشتركت معه في دويتو غنائي من ألحانه “عاشق الورد” تقول كلماتها “ان مالكش نصيب.. يسعد هواك حبيب.. اشكي هواك للورد.. الورد أحلى طبيب”، ولحن لها أغنية جميلة أيضاً “أحبك مهما اشوف منك”، وبعد هذه المشاريع المشتركة قدمها الرومي للأخوين رحباني، في البدء لم يتشجع عاصي لها، لعدم تأكده من إمكانياتها في تقديم اللون المعاصر الذي يطمح إليه، هنا كان دور الرومي بإقناعه، لأنه كان أكثر من يعرف قدرات ومواهب فيروز، وهو من اقترح عليها اسم “فيروز” بدلاً من “نهاد حداد” اسمها الحقيقي.
وكان له الفضل أيضاً في اكتشاف وتقديم الكثير من الأصوات وتدريبها وتعليمها مثل: سعاد محمد، وفايزة أحمد، ونصري شمس الدين، ونونا الهنا.

ألحان لابنته ماجدة
في البدء أشفق الرومي على ابنته من العمل في مجال الغناء، ولم يكن متشجعاً لذلك، لكن فيما بعد، لحن لها مجموعة من الأغنيات منها “لبنان قلبي” و”العيد عيد العالم يا أمهات”.
أعادت ماجدة ووفاءً لذكرى والدها، بعض الأغنيات التي غناها ولحنها طيلة فترة حياته، منها “يرنو بطرف” و”يا مكحل رمشك ليه يعني” و”اسمع قلبي شوف دقاته” وفي الفترة الأخيرة أعادت وبصوتها بعضاً من أغنياته وبأداء وإخراج تلفزيوني مبهر جداً ومنها “يا معذب قلبي”، و”اليوم عاد حبيبي” و”يا مساء الورد على عيونك”، وإهداء خاص إلى روح والدها، أعادت من غنائه ولحنه أيضاً أغنية “سلونا” من كلمات الأخوين رحباني.

قصائد وأغنيات
غنى حليم الرومي الكثير من ألحانه ومن النادر جداً أن تُذاع، منها “في هدأة الليل” و”الأوضة العتيقة” و”هكذا تنتهي دوماً أمانينا” وهي قصيدة مترجمة عن الشاعر الفرنسي “لافارتين”.
لحن العديد من القصائد، هو أول من لحن قصيدة أبو القاسم الشابي “إرادة شعب”، ومن القصائد التي لحنها أيضاً “ومضة على ضفاف النيل” “عطر” و”البصيرة” و”لا تغضبي” و”هنا تقابلنا سوى”، كانت له تجارب في تلحين الأوبريتات الغنائية، منها أوبريت “القطرات الثلاث” و”مجنون ليلى” و”أبو الزلف”.

موشحات الرومي
خاض حليم الرومي غمار تلحين وغناء الموشحات، وهذا النوع من الغناء لا يقدر عليه إلا من يمتاز بقدرات فنية متميزة، كان يعي أهمية هذه الموشحات كونها من منبع عربي أصيل، وليس فيه دخيل من الغرب، وفي الوقت نفسه تضم كنوز التراث الموسيقي العربي والمقامات والأوزان، وهي مرجع كبير للموسيقيين ولا يمكن تغيير معالمها، فتحافظ على التماسك مع مرور السنين وتُحفظ من التعديل أو التغيير، وأهم ما في غناء الموشحات أنها قابلة للغناء الجماعي فيمكن تداولها وتوارثها بين الناس بعكس الغناء الفردي الذي يُنسى معظمه برحيل صاحبه.
لم يكن مفاجئاً أن يحصل حليم الرومي على الجائزة الأولى في مسابقة تلحين الموشحات الأندلسية والتي نظمها مجمع الموسيقى العربية في تونس عام 1972، ومن الموشحات التي لحنها “يا أهيل الحي” و”وجب الشكر علينا” و”يرنو بطرف” التي سبق ذكرها.
وكان حليم الرومي في هذا المجال، استمراراً لمسيرة عربية قديمة في تلحين وغناء الموشحات ففي أواسط القرن التاسع عشر، لحن محمد عثمان موشح “ملا الكاسات” في وقت أصبحت فيه الموشحات تقليداً أساسياً في الحفلات الغنائية، وتبعه بعد ذلك سلامه حجازي وداود حسني وكامل الخلعي، وتعمق سيد درويش في مجال تقديم الموشحات المتميزة بعد ذلك، ومنها “يا شادي الألحان” و”يا حمام الأيك” و”يا غصين البان” و”لما بدا يتثنى”.
في أواخر الستينيات من القرن الماضي ظهرت فرق كثيرة لإحياء التراث وغناء الموشحات، فكانت فرقة الموسيقى العربية بقيادة عبد الحليم نويرة، وكورال سيد درويش بقيادة محمد عفيفي، مما أدى إلى تشكيل جمهور خاص من محبي الموشحات والتراث القديم.
بعد ذلك تغنى المطربون بالموشحات بشكل فردي، من سورية غنى صباح فخري “حيّر الأفكار” و”ياما أسعد الصحبة” و”صيد العصاري” ومن حلب في سورية أيضاً صبري مدلل في “يا غصين البان” و”ما احتيالي”.
ومن لبنان قدمت فيروز والرحابنة العديد من الموشحات بشكل جماعي وفردي، غنت فيروز مع محمد غازي “حجبوها عن الرياح” وشاركها وديع الصافي في “إذا كان ذنبي أن حبك سيدي” وغنت بشكل فردي “جادك الغيث” و”بلغة يا قمر” و”جاءت معذبتي” و”يا من حوى ورد الرياض بخده”.
من مصر غنى محمد عبد الوهاب “يا حبيبي أنت كل المراد” وعبد الحليم حافظ “كامل الأوصاف” و”يا مالكا قلبي” من ألحان محمد الموجي، وفايزة أحمد “العيون الكواحل” من ألحان الموسيقار محمد سلطان.
وعمر فتحي “عجباً لغزال” و”أحن شوقاً” لنجاة علي.

حليم الرومي اللحن الخالد
في أواخر 1983 كانت نهاية الرحلة والتي سبقتها فترة مرض ومعاناة بعد مشوار طويل من العطاء في مجال الغناء والتلحين، ومما يثير الاستغراب والحزن معاً أن صاحب الألفي لحن وكعادة معظم الفنانين المبدعين، مغيّب عن وسائل الإعلام، علماً أن أعماله جديرة بأن تسمعها الأجيال الحالية، خاصة أنه قدم العديد من ألوان الغناء في مجال القصيدة والموشح والأغاني باللهجات المحكية، قد تُهمل كل ألحانه أو معظمها، لكنه أبدع لحناً شجياً عصياً على النسيان يذكرنا به دائماً، اسمه “ماجدة الرومي” الفنانة صاحبة “الصوت المثقف” التي تنتقي كلمات الأغنية بعناية وتقدم لنا فناً جميلاً، ويكفي أنها أوجدت جمهوراً متذوقاً وهادئاً، يتعايش مع الفن الراقي ويقدر قيمة اللحن والكلمة، وبعكس الكثير مما نشاهده الآن، … المطرب يرقص على المسرح… والجمهور يرقص في الصالة … حتى كدنا نتوه بين من يغني ومن يرقص.

* باحث متخصص في الموسيقى والغناء وأدب الطفل

 
تاريخ نشر المقال 13 تشرين الثاني 2012

الموسيقار والملحن الفلسطيني “حليم الرومي

بقلم: اعداد اللجنة الثقافية

1509132_709175072434558_749697235_n

 

1555560_709174912434574_962356780_n

الموسيقار والملحن الفلسطيني “حليم الرومي”
والد الفنانة ماجدة الرومي

حليم الرومي (1915-1983) موسيقار وملحن فلسطيني. اسمه الأصلي حنا عوض برادعي، لقب بعائلة الرومي لأن الأسرة تنتمي إلى طائفة الروم الكاثوليك. وهو والد المطربة ماجدة الرومي حليم الرومي من مواليد 1919، وكما تشير المراجع فإنه من مواليد الناصرة في فلسطين ، التحق بالمعهد الموسيقي في حيفا وهو لا يزال في سن صغيرة، وشارك في الحفلات والمهرجانات التي كانت تقام هناك، في أوائل الأربعينيات عمل في إذاعة الشرق الأدنى في حيفا، كمطرب وملحن وعازف، واعتمدته الإذاعة الفنان الأول في جميع الاحتفالات والمناسبات. وفي الفترة نفسها فاز بجائزة تلحين نشيد الجيش العربي الأردني، بعد ذلك تسلّم رئاسة القسم الموسيقي في إذاعة الشرق الأدنى، ساهم في تأسيسها وإعادة تنظيمها حتى أصبحت من أهم الإذاعات في الشرق الأوسط. في أواخر الأربعينيات تزوج من ماري لطفي فلسطينية الأصل وأنجب منها عوض ومها ومنى و”ماجدة”.

بدأ دراسته الموسيقية في المعهد الموسيقي الوحيد في حيفا، وقد قُبل فيه وهو في سن السادسة عشرة، تقديراً لموهبته، بالرغم من أن القبول في هذا المعهد كان يقتصر على الطلاب الذين أكملوا الثامنة عشرة من عمرهم. ويقال أن والده عَوَض، كان صوته جميلاً لكنه لم يغن.

بدأ حليم الرومي حياته الفنية كهاوٍ سنة 1935، فشارك في بعض الحفلات الخاصة، وحفلات المسارح والمهرجانات في حيفا. وفي صيف عام 1936 غنّى للمرة الأولى في لبنان، في أحد فنادق مصيف برمانا، إلى جانب بعض المطربين اللبنانيين المشهورين في ذلك الوقت مثل: غرام شيبا، ولور دكاش، ووديع الصافي،…وقد أُعجب بصوته وأدائه، السيّد منير دلّة الذي ساعده لدخول معهد فؤاد الأول للموسيقى العربية في القاهرة سنة 1937، حيث أتم تحصيل علومه الموسيقية خلال سنتين بدلاً من ست سنوات، وحاز على الدبلوم سنة 1939، الأمر الذي اعتُبر في حينه سابقةً لم تحدث في تاريخ المعهد.

 

 

«الأسود لا يليق بكِ»

بقلم: محمد المرزوقي

0d32414264f505

«الروايات الفاشلة ليست سوى جرائم فاشلة لابد أن تسحب من أصحابها رخصة حمل القلم، بحجة أنهم لا يحسنون استعمال الكلمات، وقد يقتلون خطأ بها أي أحد، بمن في ذلك أنفسهم، بعدما يكونون قد قتلوا القراء ضجراً». أحلام مستغانمي

في البداية.. لا يستطيع أحد إطلاقاً أن يشكّك في حضور أحلام مستغانمي الأدبي على مدى أكثر من 30 عاماً. انطلاقاً من هذه النقطة، أحببت في هذا المقال – والمقال السابق – أن أقول رأيي كقارئ لا غير في ما تكتبه، أديبتنا الجميلة، أحلام مستغانمي أخيراً.

منذ «نسيان. كوم» – في اعتقادي – بدأت أحلام مرحلة ردّة أدبية، قوامها الانفعال، والتعميم، وما إلى ذلك!

فهذا الكتاب يمعن في ترويع المرأة من الرجل، بدلاً من توعيتها بجذور الاضطراب كله في حياته وحياتها، ويدّعي تحرير حوّاء  فيوهمها بأنّ آدم هو أصل بلائها. أول ما يلفت النّظر في الكتاب هو تلك العبارة المستفزة  المكتوبة بخط أحمر سافر  على الغلاف: «يُحظر بيعه على الرجال». عبارة كافية لإثارة فضول القارئ الرجل،  وسخطه، وله مطلق الحقّ في ذلك، فالكتاب – ومؤلفته – ليس له من مهمة إلا أن يجعل من الخيانة صفة ذكوريّة بامتياز والوفاء صفة أنثوية دون منازع!

هذا التعميم المجحف، والتحامل غير المبرر ضد الرجل انتقل مع أحلام إلى كتابها الأخير، مع إضافة واحدة، فبدلاً من أن تكتفي أحلام بذم الرجل.. ذمت معه المرأة من حيث لا تدري!

لو تجاوزنا السطح، القشور، وقصة الحب المبتذلة في «الأسود يليق بكِ»، لوجدنا أن  أحلام كرست  – بقصدٍ أو دون قصد – في روايتها نظرة عنصرية/دونية للمرأة، فنجد – مثلاً – أن ذوق المرأة وقيمها الأخلاقية ليس لهما وجود مستقل، إنما ذوقها هو الذي يعجب الرجل، ولذلك نرى بطلة الرواية التي ترتدي الفستان الأسود طول حياتها حداداً على والدها وشقيقها، تكتشف فجأة أن للون الأسود قيمة أخرى غير الحزن،  لمجرد أن حبيبها قال لها، مجاملةً، أن الأسود يليق بها، فليس لدى المرأة ذوق مستقل، ولكنها تعتمد في ذوقها على ذوق الرجل. وهي كذلك لا تمتلك مفاهيم أخلاقية مستقلة، بل تستعيرها من الرجل، فالصواب والخطأ هما ما يراه الرجل صواباً وخطأً. وهذه هي بالضبط نظرة العقاد وتوفيق الحكيم ألدّ خصوم المرأة.

فالعقاد، كما ينقل عنه أنيس منصور، كان يردد دائماً أن المرأة عندما تقول للرجل: إنني لم أخنك، فليس لأنها تكره الخيانة، ولكن لأن الخيانة تغضب رجلاً، ولأن الأمانة – في المقابل – ترضيه.

بل إن المرأة، حسب أحلام، عدوة للجمال، فهي لا تتزيّن لأنها تحب ذلك، ولكن تفعل ذلك من أجل الرجل، فتظهر البطلة في أكثر من مشهد وقد ظلت أياماً دون أن تفكر أن تسوّي شعرها وتصبغ وجهها لأن حبيبها كان غائباً، فلما فاجأها بحضوره استأذنت منه لتستعد بكل ما أوتيت من ماكياج لهذا اللقاء.

المرأة باختصار، كما تصورها أحلام في روايتها، كائن يعيش لإرضاء الرجل أو لإغوائه.. وهو بالتأكيد لا يستحق.
وعلى الرغم من كل مساوئ الرجل التي حاولت أحلام تضخيمها أو تلفيقها، إلا أنها تناست أن الرجال قاموا – ويقومون – بأعمال عظيمة.. أهمها الصبر على أحلام مستغانمي!