الاثنين 1يناير 2024: هيئة التحرير وادارة موقع المجلة تبارك للجميع بحلول عام جديد متمنين لكم عاما مليئا بالخير والمحبة راجين من الله أن يعم السلام كل سورية ودمتم بخير ..  * 

المتقاعدون بين الملل و العمل

12648180_942365402514357_963445367_n

المتقاعدون بين الملل و العمل : بعض من الناس تطلق على فترة التقاعد من حياة الموظف “مت قاعداً ” وكأنها تعني فترة احتضار بانتظار الموت …

وعلى العكس أنها فترة لا تقل قيمة في الحياة عن فترات العمر بما قبلها ..ففي هذه الفترة بالذات يتفرغ فيها المتقاعد لممارسة كل ما يحبه من أعمال ومزاولة ما يفضله من هوايات كانت قد شغلته ومنعته عنها أيام الوظيفة وحتمية الدوام وافتقاد التفرغ لها ..ومن من المتقاعدين من قد يجد نفسه في بعض من الأحيان فجأة وقد وصل لشعور هائل بالملل ,وصار ضحية له , ملل يريد معه أن يدمرَّ كل شيء من حوله . ..حتى نفسه .. ملل أشبه بالكرباج يهوي على ظهره ويلسعه لدرجة أنه لم يعد معه أن يطيق نفسه وبيته وزوجه وأولاده وكلّ الدنيا من حوله . …إنه ملل أشبه بالهستريا الخطرة تكاد تقتله وتقضي عليه , يشعر بها وكأنها تنبع من أعماق شعوره وتطارده بلا رحمه ..حتى تحيل معها الحياة إلى حياة مملّة لا جديد فيها بل ولا معنى لها لدرجة شعور صعوبة استمرارها .. عندها وفى هذا الحد ليس من طريق للخروج من هذه الأزمة سوى أن نغرق أنفسنا بالعمل …أي عمل حتى لو كان تسلية من غير مردود مادي حتى لو كان تعشيب حديقة المنزل أو تقليم أغصان الأشجار أو مزاولة رياضة تتلاءم وصحتنا …أو ممارسة هواية مفضلة كالمطالعة ……سفر..فنون..حضور مسرح .. أنشطة ثقافية …المهم أن نتحرك …ففي العمل استمرار للحياة , و السعادة تكمن من خلال الاستغراق في العمل , هذه الفلسفة العميقة التي يجب على المتقاعد أن يحرص عليها كل الحرص في علاقاته الإنسانية , كما أن عليه في الوقت ذاته أن لا يسمح لنفسه بإقامة علاقات تافهة غير نافعة .. وأن لا تقوم أي لحظة من لحظات حياته على الثرثرة وإضاعة الوقت هباء بلا جدوى ولا ثمن ..فكل لحظة من حياتنا لها قدرها وثمنها .. وليتذكر أنه على الإنسان أن يحيل كل لحظة من حياته إلى إنتاج له قيمة ..فالملل يتسّرب عادة إلى النفوس التي طلَّقت العمل وانفصلت عنه .. وليكن شعاره أن العمل هو وحده من يعطي قيمة ومعنى للحياة …وليتذكر أن العمل وحده يجعلنا ندرك أن الحياة غنية ومتجددّة , وخالية من الفراغ المخيف الذي يدفعنا لليأس والمار ..ولذّة العمل تجعلنا نكتشف ما في الحياة من سحر وأصالة وجمال ’ وتساعدنا على تنشئة أنفسنا , وتجعل الحياة فاضلة وتضفي عليها جمالا وأناقة ..وتساعدنا أيضاً أن نعرف قيمة كل لحظة من حياتنا وهي من تجعلها لحظات عطاء وخير وخصوبة … كان تولستوي رجلا غنيا ناجحاً في كل شيء , في الحب ..وفي الزواج ..وفي الصحة ..وفي كل ما يتمناه كل إنسان في هذا العالم …لكنه مرّ بمحنة مخيفة وهو في سن الستين , ولم يجد خلاصا من هذه المحنة إلا عندما قرّر أن يترك قصوره الكبيرة , وينزل ليعمل مع الفلاحين لقد حمل الفأس بيديه , وهو الكونت الإقطاعي وكان إلى جانب عمله اليدوي سعيداً سعادة لا مثيل لها , لأنه وجد في العمل نوعاً من الخلاص الروحي من أزمته النفسية ..ومات تولستوي وهو يدعو الناس إلى أن يحترموا العمل , والعمل اليدوي على وجه الخصوص … ففي العمل يوجد الإنسان .. وهناك أيضا “غاندي” ذلك القديس الذي حقق استقلال الهند , بل وبعث روح الهند عن طريق دعوات بسيطة كان على رأسها دعوته المشهورة ” اغزلوا وانسجوا” ..ولم يلق غاندي بدعوته إلى جماهير الشعب فقط ..بل مارس هذه الدعوة ممارسة عملية من نفسه , وكان يجد في عمله البسيط نشاطا روحياً عالياً , وسعادة غامرة .. علينا نحن المتقاعدون أن نتغلّب على الملل , باعتباره مرضاً عضالاً من أمراض النفس البشرية , ولا خلاص منه إلا بالعمل الصادق ..علينا أن نقرأ ونحمل الفأس و..و.. لأنه بالعمل وحده نجد أنفسنا وبالعمل وحده نجد الحب, ونشعر معها أن الحياة جميلة سارة كما علينا أن لا ننتظر النجاح دائما في كل عمل ..فالإنسان يقاوم المتاعب والمصاعب فيفشل مرة وينجح أخرى …وعلى رأي “فانيا” بطل قصة تشيخوف ” أن الإنسان مثل سفينة تقاوم العاصفة …خطوتان إلى الأمام …وخطوة إلى الوراء …المهم أنها تعمل وتتحرك ” وفي الحياة لا يمكن أن نتقدم باستمرار … المهم أن نمشي وإلا أصبحت خطواتنا إلى الوراء ووقعنا فريسة الملل , وصرنا نتخبّط في بئر الأحزان ونمعن غرقاً في أوجاع العمر .. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *