الاثنين 1يناير 2024: هيئة التحرير وادارة موقع المجلة تبارك للجميع بحلول عام جديد متمنين لكم عاما مليئا بالخير والمحبة راجين من الله أن يعم السلام كل سورية ودمتم بخير ..  * 

*مقهى الإنتظار*

 المساءُ باردٌ جداً بغيابك ، يداي تكاد تتجمدُان من افتقادها للمسات يديك الدافئتين رغم أن في داخلي براكينٌ من الشوق تتجمر وقلبي على بعدك يحترق شوقاً لأحضانك . مشيت في شارع الإنتظار وحيدة ، ألملم جراحي وأجمع ما تبقى من ذكرياتي
وكلماتي التي سقطت مني ذات يوم ٍ في ذلك الطريق ، ودون وعي ، حملتني قدماي الى مقهى الغياب الكبير ، ذلك المقهى الذي احتضن لقاءَنا الأول ، هناك جلست انتظرك أول مرة ، وفي تلك الليلة كانت أول صورة أرسمها لوجهك في عيني ، صافية ً كالسماء . جلست في ذات المكان قرب النافذة ، وعلى نفس الكرسي الذي كنت تستريح عليه ، وأمام البنفسجات التي تعشق ، أرقبُ المطرَ وأصغي لصوتِهِ،أتذكر حديثَنا وتفاصيلَ جلستنا ذلك المساء، أحمل في يدي ، كما في كلِّ مرة، ياسمينات حملتها إليك في أولِ لقاء وأول فرح . وأنا غائبة في شرودي،جاء الي نادلُ المقهى وسأل : هل ستشربين القهوة هذه المرة أيضا ً ؟ ، فأجبته: نعم ! ولن أغير ملامحَ سمرائي أبداً .. ظل واقفاً بصمت وعلى شفتيه سوءال يحيره تردد ثغره في قوله ، فقلت له : ما بالك ؟ هل تريد أن تقول شيئاً ؟.. فأجابَ : سوءال يحيرني ، قلت : إسأل.. فسألني : هل تحتسين القهوة في كلِّ مكانٍ تذهبين اليه؟ أجبتُهُ: سأظل أشرب قهوتي في أيِّ مكانٍ ما دامت ترسم بأناقتها صورةَ وجهِهِ على وجهِ فنجاني فتغدو قهوتي عسلاً رغم مرلرتها قمرا رغم سوادها ، وأقبل شفتيه مع كلِّ رشفةٍ أسرق معها شيئاً من أنفاسه،لربما ارتعشت يداه كلّما مسَّت يداي فنجاني،ليرتجف كلُّ شئٍ في جسده،فيغوصَ في جسدي سابحاً بدمي كالعطر يسبح في الندى ويغرق في صدري كما يغرق القمر في صدر السماء ليحييها .
-2-
ثم ذهب النادل وأحضر لي فنجانَ قهوةٍ ساخن،حملته برفق بين يدي لأدفئهما،علّي أنسيهما وجعَ وبرودة غيابك . شربت قهوتي بشغف العاشقة علّكَ تسمع،مع كلّ رشفة،صوت قلبي يناديك : أحبك ! اشتقت إليك ! فإلى متى سيطول غيابك هذا ليقتلني ؟!.. السماء ماطرة..قطرات المطر تطرق على زجاج النافذة بعنف لتوقظني من شرودي بك ، لأجد نفسي وحيدة هنا على مرافئ الإنتظار .. معي ياسميناتي وكلمات كتبتها لك يوماً ما في ليلة حب . أنهيت جلستي في تأملك وتأمل ذكرياتنا الأولى معاً . أرتديت معطفي حملت حقيبتي وتوجهت نحو باب المقهى،فتحت الباب وللحظة خيل لي أنك تختبئ خلف الباب وستظهر لي عندما أفتحه.. ولكن كان مجرد حلم مات بسرعة .. خرجتُ وعلى يديّ شيئاً من عطرك الذي تركته في ذلك المكان ، يومَ كنَّا معاً عاشقين على أنغام المطر، نرقص رقصتنا المجنونة على أجنحة قوسِ قزح . ومشيت مرة أخرى في طريق العودة ذاته .. صورتك في كل شئ في الطريق .. في الأضواء وعلى الجدران .. في كلّ كلّ شيء .. صوت خطواتك ما زال في أذني .. تحمل مظلتك..تمسك بيدي .. فأقترب منك ونمضي معاً. اليوم عدت وحدي ككل يوم منذ أن تركتني .. أنحني لأقبل آثار خطواتك على ذلك الشارع وآخذ مما تناثر من غبار كان على حذاءك . وصلت بيتي وعند عتبة الباب كان الوداع .. تعانقنا وطبعنا قبلة على شفاهنا وفي تلك اللحظة ماتت آخر فرحة لتولد أول دمعة .. وقفت قليلا أراجع لحظات الوداع الأخيرة ، أراجع أخر صورة لوجهك تركتها لي يوم وداعنا . وبصمت يختنق في أعماقي راودتني تساؤلات كثيرة .. – لمن سأقدم الياسمين بعد الآن ؟ – لمن سأهدي قصائدي ؟ – لمن سيغرد صوتي بغيابك ؟ – هل ستكون سعيدا ببعدي؟ – هل ستذكرني ذات يوم ؟ – هل ستذكر لقائنا ووداعنا؟ … اختنقت في صمتي وبكيت … فتحت باب بيتي ، دخلت غرفتي ..أطفأت الأنوار أسدلت الستائر .. لتعمّ العتمة كل الأرجاء .. ولا زال صوت المطر يطرق قلبي ليؤنس وحشة ليلي وظلامه .
-3-
بوجع الموت ، استلقيت على فراشي محاولة أن أغيب عن وعيي على أمل الاّ أستيقظ إلا لأراك جالساً بجانب سريري ، تخبئ بيدك وردة حبنا خلف ظهرك ، ويدك الأخرى تحاول أن تمسك يدي أو تمسح جبهتي تتردد ، خوفاً منك أن توقظ نومي ، وبهدوء..وضعتَ زهرتك جانب خدّي ليوقظني عطرك السائل بين أوراقها ، وترنو اليّ بعينيك اللوزيتين برفق لأحيا بهما عمراً لا ينتهي ولينتهي ليلي الى الأبد .. لأغطّ في نوم عميق بين خلاياك … علا شيحة 24/10/2015
 

التعليقات: 1

  • يقول د. يوسف حنا:

    مرّة تلوَ الأخرى يسيل مدادك بروعة روحك ويخطّ قصةً مثيرةً تمسّ لباب قلوبنا . في مقهى الإنتظار القاسي تتداخل فيه رائحة القهوة والشوق بطعم الحزن ، الإنتظار الموجع بعمر الزمن ، حاملةً ذاكرتك بيدك كي لا تبوح يوماً بما تختزن لياليها والدجى والبدر المفتقَد وجسر الصمت الذي شكا متضجراً..
    بذاكرة الحزن مضيتِ وعلى خطى الغياب أتيتِ تتأملين قهوتك لتكتبي بمدامعِ قلبك .
    قصةٌ بلون الرماد وبطعم قهوتنا المُرّة تقبض على ذاكرتك المبعثرة وبريح الخوف وبوجع صمت الكلمات ، جعلتينا نتوه بعمر المسافات وبصدى الأنفاق.. فنبكي كالغيمة التي تختزن دمعنا كشهاب محترق لوداعنا.
    برزت في قصتك جدلية الحضور والغياب بشكل تكافئي فإذا كان الاول يمثل الدال بحضوره الشكلي فان الثاني يمثل الدلالة ويسبر في اغوار المعنى بمرونة ، حيث يغدو الغياب تحطيما لعادة الحضور ، وتحريكا لنوازع الشوق والحنين والتي سيطرت على حواسنا في رائحة المكان وعطر الذكريات.

    د يوسف حنا-الناصرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *