الاثنين 1يناير 2024: هيئة التحرير وادارة موقع المجلة تبارك للجميع بحلول عام جديد متمنين لكم عاما مليئا بالخير والمحبة راجين من الله أن يعم السلام كل سورية ودمتم بخير ..  * 

حبّ وحرب (الحلقة الثالثة: المهمة)

3- المهمة

استبدلنا ملابسنا بملابس مدنية كي لا يفضحنا ضوء النهار وخرجنانتلمّس عدوّنا، وصلنا إلى أماكن تجمعهم لكننا لم ندخل كي لا يتم تفتيشنا فتظهر أسلحتنا المخفيّة تحت الستر الجلدية التي ارتديناها لوهم حمايتنا من لسعات برد تحملها النسمات الصباحية القارسة..

وقفت مع المجموعة في ظلِّ بناءٍ يسمح لنا بالرؤيا دون أن يروننا … إذ يحول ضوء الشمس المنعكس على ما خلفنا من إمكانية رؤيتنا من ناحيتهم ، خاصةً أن ظلّنا قد التحم بظلِّ البناء فبتنا في أمان نترقّب..
سمح لي هذا الموقع من مراقبتهم من بعيد ، إذ تظهر لي فوهات القناصين من وراء أكماتٍ من الرمل على أسطح الأبنية المقابلة لنا …
فكّرت بطريقة للإيقاع بهم .. فهؤلاء القناصون يفتكون بكلِّ من تسوّل له نفسه بالمرور من هذا الشارع حتى لو كان طفلاً دفعته براءة العبث أو فتىً دفعه فضول المراهقة … فكرت لأكثر من ربع ساعة فوصلت إلى خطّة ما استطعت توقّع نسبة نجاحها … حملق زملائي بي إثر سماعهم لهذه الخطة وصرخوا بصوتٍ واحد: “مستحيل، هذا خطرٌ عليك لن نقبل به” لكنني وجّهتُ لهم أمري بتنفيذ هذه الخطة فصمتوا.. فهم لا يملكون إلا السمع والطاعة أمام أمرٍ من الأوامر العسكرية… أخذوا أماكنهم التي قرّرتها لهم ولكن بامتعاضٍ واضح … لكن لم يكن أمامي أيُّ خيارٍ آخر للإيقاع بهم ..ولم أشأ أن أعود خالي الوفاض… فلا يمكن أن أغامر إلا بحياتي.. أما حياة الآخرين فهي أمانة في عنقي…
لا أدري لماذا مرّت تلك الفتاة بخاطري ساعتها.. أحسست أنني أودّعها، أو أعتذر إليها عن اختفائي في حال كانت الشّهادة على هذه الأرض هي قدري الذي قد أكون خطّطت له بنفسي…
أعطيتهم الأمر بالبدء وانطلقت في منتصف الشارع الذي تأكدتُ أنه خالٍ من حواجزهم … بينما أخذ زملائي بإطلاق النار باتجاهي مستغلّين عدم ظهورهم لأعين قناصي الأسطح … سقطتُ على الأرض على وجهي بينما اندفعت بركة الدماء بالتدريج لتسيل على الأرض من تحتي … لتتوجّه النيران بعدها إلى الأسطح التي يعلوها القناصين…
لقد كان السائل الدمويّ اللون واللزوجة جاهزاً بحوزتي ولا يحتاج مني إلا ثقب الكيس ثقباً يتساوى مع فتحة تحدثها طلقة نارية في جسدٍ حيّ..
برغم خوفي ساعتها إلا أنني تمالكتُ أنفاسي فكتمتها.. تساعدني في ذلك السترة الجلدية التي أرتديها إذ لا تظهر للعيان حركة صدري إلا بتركيزٍ بالغ… تدفقت الأسئلة إلى خاطري… ما الذي فعلتُه؟ يالها من خطّة قد تكون غبيّة ؟ ماذا لو كان هناك آخرون؟ ماذا لو لم ينزل القناصون إليّ كما خطّطتُ لاستدراجهم؟ ماذا لو كانوا يحملون قنابل ورموها باتجاه إطلاق النيران؟ ساعتها سأكون متسبّباً بمقتل زملائي…
ماذا وماذا وماذا..؟؟؟
وإذ بأصواتهم يقتربون مني على عجل بعد أن هدأ صوت الرصاص … وما إن اقتربوا مني حتى جاءهم وابل الرصاص وأصواتٌ تصيح: “من استطاع الهرب فليفعل.. إنه كمين”…
وما إن سمعت أصوات انطلاقهم تسابق أرجلهم الريح حتى وقفتُ كالطّود في مكاني ممتشقاً سلاحي لأكمل ما بدأه زملائي وأطلق على من هرب منهم…
اثنان كانا قد سقطا بقربي برصاص زملائي ..وآخران سقطا على بعدٍ برصاصي بينما استطاع أحدهم الهرب بعد أن أصيب بكتفه إصابةً جعلت سلاحه يسقط من يده، فتركه وهرب…
قمنا بجمع الأسلحة الملقاة على الأرض أو المعلّقة في أكتاف القتلى وعدنا أدراجنا نتلمّس طريقنا إلى السكن الجامعي…
لست أدري أَوَهماً كان ما رأيته إذ نظرت في مدخل أحد الأبنية أم كان حقيقة…
عينان لا يبدو سواهما من وجهٍ ملثّم نظر إليّ نظرة توعُّدٍ واختفى…

إلى الحلقة القادمة (ثأر)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *