الفنان التشكيلي السوري محمود شيخوني ضيف مجلة كفربو الثقافية

by tone | 11 أكتوبر, 2017 10:21 م

شيخوني:أكبر غلطة يرتكبها الفنان في حياته هو الرحيل وترك الوطن في أزمته..
……………..

شيخوني:عندما يكون الفنان ابن بيئته فلابد أن يعبر عن حبه وعشقه لهذه البيئة بروائع الأعمال..
……………..
شيخوني:تجربتي الطويلة مع الأطفال وأسلوب التعامل معهم كان لها أكبر الأثر في مسيرة حياتي..
………………
ضيف مجلة كفربو الثقافية هذه المرة مبدع متميز تليق به عبارة الرجل المناسب في المكان المناسب على طول مسيرة حياته، فهو قيادي حكيم له تجربته الغنية، تميز في كل مكان حل فيه ودفع كل من حوله للإبداع والعطاء حبا” بالوطن والإنسان. إنه الفنان التشكيلي السوري محمود شيخوني المتميز في فن الزخرفة العربية النافرة(العجمي). أهلاً بك أستاذ محمود.

 

 

 

1 – فن الزخرفة العربية النافرة (العجمي) حدثنا عن تاريخه ومدارسه ورواده وأعلامه الذين تأثرت بهم وصولاً إلى واقعه الحالي.
………………..­…

 

 

 

 

فن العجمي حرفة فنية يدوية قديمة دمشقية الأصل توارثها الفنانون عبر العصور وأبدعوا فيها وقد ساهم الفنانون بتزيين البيوت والقصور لتعطي الطابع الشرقي الأصيل.
أهم ما يميز هذا الفن هو مادة النباتة التي تعطي الشكل الزخرفي النافر، وقد سمي بالعجمي بسبب تمازج الزخارف التي بداخله والتي امتزجت مع الفن الفارسي والتركي والمغربي والعربي وما جاء في العصور القديمة من يونانية وإغريقية…
ومنذ العصر الأموي اشتهرت الشام بزخرفة المساجد والقصور القديمة، وتزيين النوافذ والجدران
فالمعروف أن الخليفة الأموي (الوليد بن عبد الملك) استقدم المهندسين والعمال الفنيين من بلاد العجم والعراق لزخرفة الجامع الأموي الكبير بدمشق، وقدكانت فرصة لاكتساب الخبرات وتطويرها وهذه الخبرات نقلوها في تزيين المسجد الأقصى.ومع ازدهار الحضارة العربية الاسلامية في العصر العباسي ابتكر الفنانون والمهنيون الرسم الهندسي التناظري الزخرفي ابتعاداً عن التجسيم والتماثيل التي حظرها الاسلام، فابتدعوا تشكيلات هندسية لها طابعها الفريد والمميز عرفت في بلاد الشام (بالخيط العربي) قوامها الرسوم النافرة أو الغائرة الهندسية والنباتية على الخشب (أثاثاً) أو (عمارة) وكان الفنانون الدمشقيون المهرة قد تأثروا بهذه الخبرات وأثروا بها وطوروا هذا الفن فيما بعد فيما عرف بـ (الخيط العربي الهندسي) بأشكاله وأنواعه المتعددة والمختلفة، والمعتمد من حيث المبدأ على حفر الخشب لتبرز على سطحه خطوط هندسية نافرة تتصف بالكثير من الإتقان والدقة وقد مزج الحرفيون بين الخيط العربي الهندسي والزخرفة النافرة وتعرف بحرفة (الدهان العجمي) والتي تعتمد على تغليف أسقف وجدران القاعات الشرقية بحشوات خشبية مرسومة ذات أشكال بديعة ومتناظرة من وحدات الزخرفة النباتية والهندسية والكتابات الخطية من الحكم والأشعار أو الآيات القرآنية بشكل رائع ومتناظر.
وكثيراً ما تمتد الزينة المصنوعة بهذه الطريقة إلى الأثاث نفسه، فتوضع المرايا خلف بعض هذه الحشوات المخرمة حيث يطلى الخشب بمادة (النباته) وهي مادة مركبة من عدة عناصر معروفة ومتوفرة (الجبصين والاسبيداج والزنك والغراء والكثيرة) ومواد تحسين أخرى معروفة تعتبر من أسرار المهنة.
ولقد كانت ورشات هذه الفنون أشبه بمعاهد التربية التي يتخرج منها((الصناع)) ضمن نظام ((الكار)) الذي يعتمد على التدريب والممارسة وقد اقتصرت هذه المهنة على توارثها بين بعض العائلات وأبنائها والقليل من خارجها، ونذكر من العائلات والصناع المهرة عائلة أبو روحي الدهان، وعائلة الخياط، وعائلة أوضه باشي، وبيضون وغيرهم. من المعلمين الكبار نذكر منهم محمد نهاد حزماتي و يحيى القصير و من الجيل الحديث الذين مازالوا يكملون ما بدأه الآباء والأجداد.
وهذا الفن تأثر بمدارس الزخرفة المتعددة ويمكن تحديد اتجاهين الأول شعبي تقليدي يعتمد الأساليب القديمة من حيث الألوان الأساسية كالأحمر والأزرق والأخضر والذهبي وإضافة المنمنمات الزخرفية وتكحيل وقطع الزخارف باللون الأسود بهدف التجسيم والنفور والإبهار، أما الاتجاه الثاني فيعتمد على الزخرفة الناعمة والنافرة بدون تكحيل بالأسود والاستفادة من التقنيات الحديثة ومشتقات الألوان الحديثة التي تناسب أذواق ديكور الكسوة الداخلية للبيوت العصرية وقد تأثرت بهذا الاتجاه بعد الاطلاع والمشاهدة والتجربة، وهذه المهنة أصبحت جزءاً من (الكسوة الداخلية) للبيوت العصرية.
لفن العجمي الشامي شهرة عالمية واسعة، حيث يضم ((متروبوليتان)) أشهر متاحف العالم قاعة تحمل اسم دمشق، وهي مزخرفة بفن العجمي، كما أن قاعة مكتبة جامعة نيويورك مزخرفة بهذا الفن الشامي. كما أنه من أبرز إبداعات فن العجمي التي تدهش الزوار والسائحين تتجلى في قاعة اجتماعات مجلس النواب السوري في دمشق والتي تعتبر تحفة فنية لا نظير لها. أيضاً تشهد على إبداعات هذا الفن قاعات البيوت الشامية في دمشق القديمة، كبيت دار الثقافة وبيت نظام وغيرهما من بيوت دمشق القديمة العريقة، إضافة إلى قاعة الاجتماعات في مبنى محافظة دمشق، وقاعة العرش في قلعة حلب ولقد أعيد ترميم الجامع الأموي وقاعات قلعة حلب وتزيينها بالخيط العربي وزخرفة العجمي. وقبل الأحدث التي تمر بها
سورية كانت المهنة نشطة ومطلوبة وسوقاً رائجة أما اليوم تباطأت نتيجة
فقدان المواد وغلائها

2 – تكاد تكون منفرداً بأعمالك المتميزة في مجال فن (العجمي ) والمتتبع لفنك يدرك من خلال أعمالك عمق حبك واعتزازك بتراثك وتاريخك وحضارتك، ما الرسالة التي تسعى لإيصالها عبر أعمالك الفنية؟
………………..­…
هذا الفن جزء من تراثنا الحضاري العريق وكان محصوراً بأيدي بعض العائلات الشامية وأبنائها ولم يكن منتشراً في حماة رغم وجود بعض التجارب الخجولة لغلاء أسعاره وعند تنفيذ أي عمل يستعينون بالخبرات من خارج المحافظة وفي الثمانينات من القرن الماضي انتشر ديكور الجبصين لكسوة الأسقف ولم يخل منزل جديد من الديكور…وبالتعاون مع بعض مهندسي الديكور أدخلنا حشوات العجمي مكملة لفراغات الأطباق النجمية والزوايا وهكذا انتشر العجمي وقد نفذت ديكور أكثر من خمسين شقة ومن أهمها قصر الدكتور هيثم النجار وشقق بيت كجون والدكتور ربيع وبيت الحبال وبناية عربو،ومن أهم الأعمال الكبيرة التي نفذتها لوحة عجمي تتضمن آية الكرسي لمسجد السلام غربي المشتل بطول 127متروربع عرض 140 سم مثبتةعلى السدة. ولما دخل البعض إلى هذه المهنة مستغلاً معلمات الفنون الذين أهلتهم في الدورات التي أقمتها لمشرفي الفنون تركت العمل في الديكور خاصة بعد سفر أولادي إلى السعودية حيث بقيت وحيداً في الورشة واتجهت إلى العمل الفني مع الفخاريات والفازات لإنتاج تحف مزخرفة بمادة نباتة العجمي متميزة غير مكررة وأصبحت متميزاً في عمل هذه التحف…
ومن ناحية أخرى أقمت العديد من الدورات لتأهيل مشرفي الفنون الجميلة وإدخال هذا الفن إلى المدارس وعملت على تأمين نباتة العجمي وبيعها بالكيلو لهم ودخل هذا الاختصاص إلى مسابقات الرواد في الفنون الجميلة وقد كانت الريادة في هذا الاختصاص محصورة بأطفال ريف دمشق ونافسهم أطفالنا فأصبح لدينا رواد أوائل كل عام لصفوف الرابع والخامس والسادس الابتدائي، ومن أهم الرواد الذين دربتهم طارق الشمالي تخرج دكتور وسعيد كلاس في السنة الأخيرة طب بشري والعديد من الأسماء وهذه كانت رسالتي التربوية في نشر هذا الفن التراثي الأصيل. اليوم عند الدخول الى المدارس نشاهد هذا الفن جزء من أعمال معارضها.
………………..­……….
3 – لك تجربة تدريبية تعليمية تربوية قيادية طويلة مع اﻷطفال، ما اﻷثار التي تركتها هذه التجربة على نفسك وماذا حققت بشكل عام؟
………………..­…..
تجربتي الطويلة مع الأطفال وأسلوب التعامل معهم كان لها أكبر الأثر في مسيرة حياتي خاصة بعد اتباعي دورة اطلاعية على التجربة الألمانية(طلائع ارنست تيلمان للأطفال)، ومشاهدة مدارس الأنشطة الفنية التربوية وجمهورية أطفال ارنست تيلمان والقصور والمخيمات الطلائعية الألمانية كلها أغنت تجربتي في التفاني لتوفير السعادة لأطفالنا وكانت حافزاً ودافعاً لتطوير أساليب عملنا مع الأطفال وتأمين متطلبات النشاط في سورية وقد كان هناك مدرستان للمناشط الطلائعية اللاصفية الأولى في اللاذقية والثانية في حلب وبعد أحداث حماة 1982 وقدكنت وقتها أميناً لفرع الطلائع المسؤول عن نشاطات الأطفال في المحافظة، عملت بالتعاون مع التربية على تأسيس عشرة مدارس تطبيقية للمناشط الطلائعية موزعة على مناطق محافظة حماة وكان شرط استلام إدارة هذه المدارس أن يكون بمرتبة قائد معسكر ولم يكن متوفراً هذا الشرط وأنا برتبة قائد معسكر فاستلمت إدارة هذه المدارس إضافة لمهمتي أميناً للفرع مع مساعدين من المعلمين التربويين لغاية تأهيل العديد من القادة وقد جهزت هذه المدارس بكل أدوات النشاطات العلمية والأدبية والفنية والموسيقية وانطلقت في عملها بدعم كامل من القيادة السياسية والتربية وزيادة في الدعم حولت ميزانية الفرع المالية خدمة للأنشطة وكانت المجال الحيوي لنشاط الأطفال وإبداعاتهم ومن نتائج نشاطاتها أنها كانت ترعى رواد الطلائع وتؤهلهم للريادة والفوز على مستوي القطر وكانت محافظة حماة من الأوائل بعدد الفائزين.
………………..

4 – تختار أفكار ومواضيع لوحاتك كشاعر يكتب قصيدة شعر جميلة يرسمها بألوان مفعمة بالحياة والنور والفرح الهادئ الذي يحمل السكينة للنفس. أستاذ محمود ما سر هيمنة سحر الحياة الهادئ على لوحاتك؟
………………..­…..
ليس سراً إنما هو سحروغنى طبيعة مدينتنا حيث تلعب دوراً هاماً في منحنا القدرة على إنجاز أعمال فنية و كأي فنان يقوم بصياغة أعماله أخذاً مفرداته من محيطه الطبيعي ثم أضفي رؤيتي ومشاعري وأحاسيسي الخاصة على المشهد المرئي، وعلى ما هو مختزن في ذاكرتي البصرية فما تراه العين من أشكال وألوان وأجواء شاعرية مفعمة بالحياة والنور والفرح الهادئ الذي يريح النفس له عدة جوانب ظاهرة وباطنة هونتيجة إعادة اكتشاف الواقع ممزوجاً بالرؤية الخاصة ممزوجاً بالخيال وهي التي تثير التأمل والتساؤل وتثري خيال المتلقي وتسلط الضوء علي الكثير من جوانب الواقع التي قد تبدو خفية، فالاهتمام بالنور الطبيعي وانعكاساته مع الألوان وخاصة اللون الأخضر وتدرجاته التي توحي بالأمن والسلام هذا مايجعل اللوحات الطبيعية مضيئة بالألوان والضوء ونابضة بالحياة.. إن ماننجزه يستمد جماليته من
إلهام الطبيعة و التأمل فيها و بالتالي فالطبيعة هي معلمنا الأول في الفن و الجمال بل هي بحد ذاتها أصل الفن و الجمال.
………………..­………..
5 – بحثت كثيراً عبر لوحاتك فوجدت مدينة حماة تحتل معظم مواضيعها، تراثا” وجمالا” ونقاء، وجدتها صورة دائمة لمعشوقة تزهو بألوانها البهية. أستاذ هل هو الحب الخالص الذي تراه عين الفنان في محبوبته فيغدو سمة تميزه في كل إبداعاته الفنية وعبر رؤيته الخاصة؟
………………..­…….
لاشك أن البيئة الاجتماعية التي أنتمي إليها وعشت فيها طفولتي كان لها أثر كبير عملي الفني.. عندما يكون الفنان ابن بيئته فلابد أن يعبر عن حبه وعشقه لهذه البيئة بروائع الأعمال من خلال معايشة الطبيعة التي حوله والحمد لله نحن نعيش بمدينة جميلة عريقة بطراز أبنيها ووجود نهر العاصي والنواعير والبساتين والأوابد التاريخية وقد جسدت هذا الحب عبر رؤيتي الفنية في لوحات زيتية كثيرة منها على سبيل المثال الكيلانية وجسر الكيلانية وجامع النوري وحي الطوافرة والبارودية وجامع الخ… لهذا ترين حماة الملهمة والحبيبة في كل إبداعاتي الفنية.
……………….
6 – الوطن دائماً يحتل أعمالك حبا” وسﻻما”، كيف بدأ هذا الحب يتجلى جمالاً وسحرا” هادئاً يميز أعمالك؟
………………..­…..
حماة هذه المدينة الساحرة بطبيعتها وجمال بساتينها ونواعيرها على العاصي وأحيائها القديمة ومساجدها وقلعتها كلها كانت تشدني إليها وتبهرني بجمالها وقد ترجمت هذا الحب بمعظم لوحاتي الزيتية بعد امتلاكي لأدواتي ودراستي الفنية..
ولدت في أسرة فقيرة في مدينة طرابلس لبنان وعشت طفولتي في حماة حي المغيلة جانب ثانوية عائشة ولم أعرف معنى الطفولة ومن عمر الست سنوات عملت نجار عربي أكثر من ثماني سنوات حيث أتقنت صناعة صناديق العرائس وصناديق السبت الكبيرة الملونة والمزخرفة بالتوريقات النباتية وكذلك سرائر الخشبية الريفية المزخرفة ومشغولات أخرى ومن هنا بدأ اهتمامي بالرسم والزخرفة، وعندما انتقلنا إلى حي عين اللوزة عملت خبازاً لصناعة الخبز التنوري المرقوق، أعمل في الليل لتأمين مصاريف دراستي في النهار وإعانة عائلتي الكبيرة، واستمريت حتى بعد تخرجي من دار المعلمين.
وفي إعدادية أبي الفداء حالفني الحظ أن مدرس الرسم كان الفنان الكبير الأستاذ نشأت الزعبي الذي أعجب برسومي وشدني للإنتساب إلى مركز الفنون التشكيلية وكان هو مدرس الرسم وقد أولاني كل اهتمام فنياً وثقافياً مع الفنان علي الصابوني وكذلك كانا أساتذتي في دار المعلمين وكذلك الفنان بسام صباغ وجورج نحاس اللذين استفدت من خبراتهم، ومن الذين كان لهم الفضل الأستاذ باسم درويش مدير مركز الفنون الذي أسس جمعية أصدقاء المركز وجمع فيها جميع الفنانين الهواة ونشط الحركة الفنية قبل تأسيس نقابة الفنون التشكيلية التي أصبحت فيها فيما بعد.
………………..

7 – في ظل الأزمة التي يعيشها الوطن والتي استهدفته إنساناً وتاريخا” وثقافة، كيف تقف أمام هذا الكم الهائل من الدمار وأنت الذي عشقت الو طن تراثا” وسلاما”؟ أيضاً ما الدور الذي يجب أن يمارسه كل فنان ضمن هذه اﻷزمة؟
………………..­…
الإنسان بلا وطن كالجسد بلا روح و هو شعور لن يشعر به إلا كل إنسان ضميره حي أما من ماتت مشاعره فلن يشكل بعده عن الوطن أي فرق يذكر لأنه لا انتماء له والعجيب أن الذي اغترب عن وطنه و تركه ورحل بملء إرادته بحثاً عن جنة في حضن قاتله داعم الإرهاب في وطننا، ولعل أكبر غلطة يمكن أن يرتكبها الفنان في حياته هو الرحيل وترك الوطن في أزمته مهما كانت حال وطنه الأصلي و مهما كان وضعه المادي مدمر و متدني يبقى الوطن الأفضل من أي مكان آخر فإن نار الوطن أفضل من جنة أي دولة أخرى لا تربطنا بها جذور و لا نمتلك فيها أي حقوق و لا يخاف علينا فيها أحد و ليس لنا فيها اي عزيز… للفنان دور كبير في الصمود والتوعية وفضح المخططات التي تستهدف وجودنا وتاريخنا الحضاري.

Source URL: https://kfarbou-magazine.com/issue/11143