الاثنين 1يناير 2024: هيئة التحرير وادارة موقع المجلة تبارك للجميع بحلول عام جديد متمنين لكم عاما مليئا بالخير والمحبة راجين من الله أن يعم السلام كل سورية ودمتم بخير ..  * 

أنزلْني طارت طاقيتي

– أبو زيدون صاحب الصوت القوي , ودروه في المناسبات الوطنية مهم ,حيث كان الهتّاف الأول في مدينته الواقعة على ضفاف العاصي , وكان قصَرُه وخفة وزنه لهما الدور في حمله على الأكتاف في كل العراضات والمناسبات الاجتماعية والوطنية والدينية ,وأكمل الأمر أنّه يرتجل الأهازيج. في تلك المناسبات التي يسير الناس بها سيراً على الأقدام , وينبغي أن يكون صوت الشاب الهتّاف قويّا ً ,لكي يسمع الحاضرون ما يقوله ،وخاصة أنّه يهتف دون استخدام مكبرات الصوت , وكان أبو زيدون ذلك الشاب ذو الصوت الجهوري يهتف ، والشباب الذين حوله يرددون قوله في الطريق في كل المناسبات.
وفي اليوم الذي سبق المسيرة اشترى أبو زيدون طاقية جديدة وكان يتباهى بوضعها على رأسه, وكانت غالية الثمن قياساً بدخله المحدود, فهو موظف فقير ,لكنّه وطني وشريف ونظيف اليد والجيب, ولم يستغل المسيرات للنهب والسرقة والكلمات المزيفة كما كان يفعل من مارس الفساد في هذا الوطن .
في صباح يوم المسيرة قال له أحد الانتهازيين المتورطين بالسرقة: اليوم يومك يا أبا زيدون نريد أن تبيّض وجهنا أمام المسؤول القادم من العاصمة , وعندما انطلقت المسيرة راح أبو زيدون يقدم بكل حماسة أجمل ما عنده بصوت قوي قد ألهب المشاعر الوطنية ، وتهب عاصفة طبيعية وتحمل معها طاقية أبي زيدون في سماء البلدة , فراح أبو زيدون يصيح وهو يخاطب الذي يحمله: (أنزلني طارت طاقيتي). لكن الجمهور الذي أحاط به الحماس ظنّ أن ما قاله أبو زيدون هو جزء من الأهازيج , فراح يردد : أنزلني طارت طاقيتي.
وعاد أبو زيدون إلى بيته دون طاقية ,وبح صوته,ومعدته خاوية ,يعضه الجوع والعطش, وسمع بعض التهكم من زوجته التي قالت له: أنت تهتف, وتجوع ,وصوتك يغيب, وحضورك مغيّب عن وليمة المسؤول التي هي على حساب المناسبة الوطنية ومال الدولة.
وهنا تدخّل عديله الذي كان في زيارته وهو من محافظة في منطقة الفرات وقال:
– يا صاحبي ..الطيبون في كل مكان هم روح الشعب وبناء الوطن يكون بفضلهم , فالبارحة شاركت في مسيرة مدينتي وكان هناك شخص اسمه أبو حسون وهو يشبهك في إيقاع الاسم, وطيبة المعاشرة, وحب الوطن ,ويملك القيم الأخلاقية العربية الأصيلة, وهو مهتاف رائع, ويرتجل مثلك أيضاً أهازيجه , لقد رجع من المسيرة بخف واحد من الحذاء لقد حصل معه ما حصل معك ,فعندما وقع الخف ( فردة الحذاء )من رجله أخذ يصيح:
(حدّرني وقعت كندرتي)ومعنى كلمة حدّرني بلهجة منطقتنا أي : أنزلني , والكندرة :الحذاء , والجماهير التي كانت تردد معه ظنّت ما قاله هو جزء من الأهازيج ورددوا: (حدّرني وقعت كندرتي) وضاع الحذاء في زحمة الجماهير .
لذلك يا صاحبي يا أبا زيدون يا عديلي الغالي ما قلت لك ما حصل مع أبي حسون حتّى أخفف عنك انطلاقاً من القول الشعبي المأثور من رأى مصيبة غيره تهن عليه مصيبته … بسيطة كل شيء في سبيل الوطن يهون . ولا حياة للوطن إذا لم يكن هناك شعب بطيبتك وحبك لعيون الوطن .
ردّ أبو زيدون بعد أن ضحك كثيراُ على ما حصل مع زميله أبي حسون, ونسي أمر طاقيته ,وتذكّر أبياتاً لشاعر راحل ومدرّس جامعي من مدينته اسمه مصطفى الحدري رحمه الله عندما خاطب رئيس الجامعة الذي اعتذر عن تأمين واسطة نقل له بهذه الأبيات :

أيها الرائس الذي ما أساءا رحم الله من أجاد رياء
لا تلمني إنّ اعتذارك شيء لا يهمّ المدرس المعطاء
ويختم القصيدة بقوله:
لك سيارتان أعجبتان واشتهيت السيارة العذراء
فأنت تحظى بكل شيء وأضعنا على الطريق الحذاء

التعليقات: 1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *