الاثنين 1يناير 2024: هيئة التحرير وادارة موقع المجلة تبارك للجميع بحلول عام جديد متمنين لكم عاما مليئا بالخير والمحبة راجين من الله أن يعم السلام كل سورية ودمتم بخير ..  * 

أدب الرحلات.. سفر في المكان والإنسان


يكفي أن تجلس مع “خير جليس”، وبلا حاجة إلى أن تقطع المسافات وتمخر عباب المحيطات، حتى تلتقي بعالم جديد ودنيا مختلفة، وتستمتع بالتعرف إلى شعوب وثقافات، وتقاليد وعادات. هذا بعض ما يقدمه لنا أدب الرحلات. هذا الأدب الذي اشتهر في التاريخ العربي على نحو مهم، ثم غاب طويلا قبل أن يعود اليوم في حلة جديدة وينتشر في الآداب العالمية كلها، بما يتيح قدرا من التلاقح الثقافي والمعرفي بين الشعوب والحضارات. إنه أقرب الأشكال الأدبية إلى الرواية التوثيقية، لكن أشد اهتماماً بالزمن وبالمكان وبطبائع البشر وعاداتهم، وأبرز المعالم التي تشد الرحال إليها في البلد الذي يرحل إليه.
وكما تختلف وجهات الراحل، تختلف أهدافه وغاياته، وربما كانت رحلات المبدعين والكتاب وأسفارهم من بين الرحلات الأشد خدمة لغايات العلم والمعرفة للآخر وتعريف الآخر بالذات. وحين يكتب الكاتب رحلته فهو ينقل قراءه إلى فضاءات وعوالم يمكن معها أن يشعر بقدر من المتعة التي شعر بها كاتب الرحلة. لكنه يمكن أن يتعطش للسفر إلى هذا المكان الذي قرأ عنه أو ذاك، فيتخلق لديه فضول المعرفة الأكبر والأوسع حول هذا المكان.
لقد كتب الكثير من الرحالة العرب والمسلمين عن أسفارهم ورحلاتهم وقدموا لنا انطباعاتهم الخاصة، وعلى الرغم من أن معظم الرحالة لم يكونوا من أصحاب الأقلام إلا أن مادة الرحلات اكتسبت لديهم صفة أدبية وجرى تداول كتبهم على نحو واسع. فمن يستطيع أن ينسى رحلات ياقوت الحموي وابن جبير وابن بطوطة والمقدسي والحميري من العرب الأوائل، وصولا إلى ما كتبه رفاعة الطهطاوي في “تخليص الابريز في تلخيص باريز” الذي يعد من الكتب الرائدة في مجال كتابة الرحلات العلمية والثقافية حيث نتعرف فيه إلى باريس في عشرينات القرن ،19 وانتهاء بآخر كتب الرحلات التي تصدرها سلسلة “ارتياد الآفاق” في دار السويدي ولعل من أبرزها رحلة خليل النعيمي إلى الهند.
وفي الأدب العربي عرفنا كتابة الرحلات نثرا، كما عرفناها شعرا، ونحن نجد الحث على السفر في الكثير من الأدبيات، ولعل أشهرها ما قاله الإمام الشافعي:
سافرْ تَجِدْ عِوَضاً عَمَّنْ تُفَارِقُهُ
وَانْصَبْ فإنَّ لَذِيذَ العيشِ في النَّصَبِ
إنِّي رأيتُ وُقُوفَ الماءِ يُفْسِدُهُ
إنْ سَالَ طَابَ وإنْ لم يَجْرِ لم يَطِبِ
والشمسُ لَوْ وَقَفَتْ في الْفُلْكِ دائمةً
لَمَلَّهَا الناسُ مِنْ عَجَمٍ ومِن عُرْبِ
ويقول شاعر آخر:
في الذكريات وفي الترحال أشجان
فيها من العلم والعرفان ألوان
ففي أدب الرحلات إذن أنماط شتى مختلفة وصور من صور الحياة المتباينة. ويرى ويشاهد من خلال ذلك عوالم واسعة يستقرئ واقعها ويتعرف إلى بيئاتها وحياتها. والمفروض أن أدب الرحلات هو بدوره تلك الرحلة المحتشدة بالمشاهدات الحية والملاحظات الطريفة والتجارب الواسعة والمفاجآت والمعرفة عن طريق معاينة الحقائق مع القدرة على التعبير عنها بدقة وتصويرها بجمالية. لذلك فإن معظم مؤلفي أدب الرحلات هم ممن يستطيعون القيام برصد حي لمواقف ووقائع وتثبيت وإقرار حقائق وتسجيلها وتوثيقها بالأدلة والبراهين القاطعة بأمانة وموضوعية من خلال المشاهدة والوصف التصويري بعيدا عن المبالغة وبما يلامس الحقيقة. (عن جريدة الخليج الثقافي)
ـــــــــ

التعليقات: 2

  • يقول شحود اليزجي:

    السيد عمر شبانة المحترم أجدك ممن صادقوا خير جليس ….ما كتبته رائع .. وانا لا أجامل يعرف ذلك عني اصدقائي وكذلك السيد رئيس التحرير ..
    من خلال ماقرات لك في هذه المقالة ادعوك لمتابعت كتابي (( ستالين كلمة وموقف )) الذي يسينشر على صفحات هذه المجلة وعلى حلقات …. والتواصل معي حوله من خلال التعليق في المجلة…. والهاتف {0933725958}

  • يقول عمر شبانة:

    مع الأسف أخي شحود، الآن تعرفت على هذه المجلة، ولا أعرف عنها شيئا، رجاء التواصل بالإيميل إن أمكن،
    محبتي
    عمر شبانة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *