الاثنين 1يناير 2024: هيئة التحرير وادارة موقع المجلة تبارك للجميع بحلول عام جديد متمنين لكم عاما مليئا بالخير والمحبة راجين من الله أن يعم السلام كل سورية ودمتم بخير ..  * 

الحركة الأدبية في مدينة حماة خلال القرن العشرين

 

– إن العمل الأدبي ابنَ بيئته .. يجسد تلك البيئة , ويتسم بطابعها , ويتغذى بمعطياتها كما يقول النقاد القدامى والمحدثون , لذلك أتت قصائد شعراء حماة وكتاباتهم الأدبية مزيجاً من ( أريج روض ٍ , وتدفق نهر ٍ , وأشجان ناعورة , ومعاتبة دهر , وشكوى متألم , ومحبة وطن , ونصرة إنسان , وموسم عاشق , وبُحّة ناي , وأحلام نجم ,

ووشوشة أنسام ) , وقد أُتيح للأدب الحموي ( شعراً ونثراً ) أن يجسد هذه المفردات مجتمعة من خلال الأعمال الإبداعية للكثير من أعلامه , إنه لا يهمل المعاصرة والحداثة في المضمون .. ولا ينسى الإيقاع الخارجي ولا الداخلي الذي يزخر به ( شعر ذلك الأدب ونثره ) عبر الموسيقى المنسابة والقوافي الطيعة في رحلة ( الشكل الشعري ) من خلال عزف آسر .. أخاذ ومثير , وعبر المفردات المترعة بالألوان .. والعبارات الملآى بما يرتاح له القلب ويستجم عنده الخيال في رحلة ( الشكل القصصي ) الذي بدأت معالمه تزداد وضوحاً خلال الربع الأخير من القرن العشرين على أيدي عدد من كتاب هذا الجنس الأدبي ـ وأعني به القصة ـ على قلتهم .‏

وقد بات معظم الشعراء ـ على سبيل المثال ـ يؤمنون أن الشعر هو الصدى الواعي لتفاعل الشاعر مع الأحداث الخاصة والعامة بشكل هادف ومسؤول .. ضمن إطار فني مميز .. يبدأ بالأصالة والحداثة والمعاصرة كمضمون وموضوعات .. وينتهي بوحدة التفعيلة أو البحر والقافية الموحدة أو المنوعة كشكل .. وإطار وموسيقى .‏

كما باتوا يؤمنون أيضاً أن أهم صفات الشاعر الطليعي ـ سواءٌ أكان كلاسيكياً أم حديثاً ـ هي كما يرى الشاعر الفرنسي (بول إيلوار ) : ( الوقوف على الحاضر لاستشراف الآتي .. ومنح الرؤى ) … أو بمعنى آخر أن يكون الشاعر ( عرافة عصره لا شاهداً على أحداثه فقط )‏

وأضيف أيضاً فأقول :وإنه ( أي الشاعر) كقطعة النقد الذهبية , يحمل وجهين اثنين , ينقش على الوجه الأول منها قضايا أمته ووطنه .. ومجتمعه وعالمه , بينما ينقش على وجهها الثاني قضاياه الشخصية والذاتية والبوحية والعاطفية , لذلك راح عدد لا بأس به من الشعراء المعاصرين الذين ينتمون إلى أجيال مختلفة ومدارس فنية مختلفة يوظفون أشعارهم ـ سواء الخاصة منها أو العامة ـ ضمن هذا المجال , ويكتبون بفنية جيدة , ويستخدمون الرمز الشعري ضمن حدود الحاجة ( وسيلة لا غاية ) من خلال أفكار يستطيع المتلقي أن يصل إليها ليتمثلها .. ويعمل بها , وذلك حتى لا يضيعوا أنفسهم والشعر والجمهور على حد سواء , فالشاعر الجيد كما رأى .. هو الذي يعي مهمته في هذا الزمان , فيضع نصب عينيه ـ وعلى الدوام ـ أن كتابته يجب أن تكون ـ أولاً وآخراً ـ للإنسان العربي المعاصر ( بآلامه وآماله .. بأفراحه وأتراحه .. بنجاحاته وإحباطاته ) وليس لمخلوقات أو كائنات من كوكب آخر .‏

هذه نافذة فنية أحببت أن أطل منها على الحركة الأدبية في حماة خلال القرن العشرين , وذلك قبل أن أدخل الموضوع .. وأسلط بعض الحزم الضوئية الكاشفة والمكثفة على تلك الحركة , وعلى أهم أجناسها وأبرز أعلامها .‏

2-‏

ثمة نافذة رئيسة أخرى لا تقل أهمية عن النافذة السابقة , وهي تتممها وتمثل‏

جانباً هاماً من الموضوع الذي نحن بصدد الحديث عنه , وأعني بها (المنظمات الأدبية ) التي شهدتها مدينة حماة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى واحتلال فرنسا لسورية .. وحتى اليوم , والتي أرى أن من الضرورة إلقاء بعض الأضواء عليها .. لاستكمال تتابع المشهد الثقافي زمنياً .. وهي التالية :‏

النادي الأدبي : وقد تم إنشاؤه في العهد ( الفيصلي ) عام ( 1922 ) واستمر حتى عام ( 1926) حيث تم حله بعد فشل الثورة السورية عام (1925) لمشاركة معظم أعضائه في تلك الثورة .‏

جمعية الإسعاف الخيري : وقد قامت على أنقاض ( النادي الأدبي ) , وكان معظم أعضائها من أعضاء ذلك النادي المنحل , الذين راحوا يمارسون نشاطاتهم الأدبية الداعية إلى مقاومة المستعمر الفرنسي والحصول على الاستقلال من وراء ستار تلك الجمعية وتحت غطائها .‏

الرابطة الثقافية : وقد تم إنشاؤها عام (1944) في أعقاب إعلان موافقة فرنسا على منح سورية الاستقلال .. وانتخاب المرحوم ( شكري القوتلي ) رئيساً للجمهورية , وكان من أبرز أعضائها : الشاعر بدر الدين الحامد والكاتبان قدري العمر ومحمد البارودي .‏

رابطة القلم العربي : وقد أنشئت عام ( 1952 ) ، واستمرت حتى عام (1955) ومن أبرز أعضائها الشعراء والكتاب والأدباء : عبد الرزاق الأصفر ـ نزار مؤيد العظم ـ ناظم طحان ـ محمد منذر لطفي ـ عدنان قيطاز ـ محمد خير الدرع ـ محمود الحاج حسين ـ رضوان الدرع ـ ممدوح المصري ـ عادل المصري .. وغيرهم , وقد بلغ عدد أعضائها خمسة وعشرين عضواً أو يزيد .‏

رابطة الفن والأدب : وتم إنشاؤها عام ( 1952 ) , وكانت التوأم لرابطة ( القلم العربي ) ولكنها لم تكن لترقى إلى مستوى سابقتها , لأنها كانت محدودة العدد والإمكانات الفنية والأدبية , ومن أبرز أعضائها الشاعر عدنان قيطاز والكاتب عارف حوراني .‏

ندوتا ( المأمون ) .. وأبي الفداء : وقد تم إنشاؤهما في بداية الستينيات وأواسطها من القرن الماضي في منطقة ( الحاضر ) وأخذتا تمارسان نشاطاتهما الأدبية والثقافية والفكرية من خلال إقامة الأمسيات الشعرية والقصصية , وكذلك المحاضرات والندوات في مقريهما , ثم انطفأتا في أواسط ونهايات السبعينيات .‏

ناديا ( التمثيلي الفني ) .. وقد تم إنشاؤهما في الفترة التي أُنشئت فيها كل من ( ندوة المأمون ) .. وندوة أبي الفداء ) ولكن في منطقة ( السوق ) , مارسا بعض النشاطات الفنية والثقافية , إلا أنهما خمدا ولم يعمرا طويلاً .. وإن كان لنادي الفارابي بعض الصحوات أحياناً .‏

نادي الرابطة الفنية : وهو ناد أدبي فني , أنشئ في الستينيات في حي (المدينة ) وقام ببعض النشاطات الأدبية والثقافية ولا يزال , كما قدم عدداً من العروض المسرحية والأوبريتات الغنائية .. وبخاصة في المناسبات الوطنية والقومية.‏

المركز الثقافي العربي : وهو يتبع لوزارة الثقافة في القطر العربي السوري , وقد تم إنشاؤه بين عامي ( 1958) و ( 1959) بعد بدء الوحدة مع مصر , وقد كان .. ولا يزال .. هو و( فرع اتحاد الكتاب العرب في حماة ) من أهم وأبرز المنابر الأدبية الثقافية في هذه المدينة , حيث أخذ على عاتقه نشر الثقافة والفكر والأدب من خلال نشاطاته الدورية المميزة , ودعوته للعديد من الشخصيات الأدبية والفكرية المرموقة من المحافظات الأخرى .. أومن بعض الأقطار العربية .. وبخاصة من لبنان .. لتقديم المحاضرات .. أو المشاركة في الندوات والأمسيات والنشاطات المتنوعة الأخرى .‏

-فرع اتحاد الكتاب العرب : وأخيراً وليس آخراً هناك فرع اتحاد الكتاب العرب الذي أنشئ عام ( 1977) , وراح منذ ذلك التاريخ ولا يزال ينشر الثقافة والمعرفة والأدب والفكر من مدينة حماة وأريافها , من خلال نشاطاته الثقافية الدورية المميزة أيضاً , ودعوته للعديد من الشخصيات الفكرية والأدبية والثقافية من خارج مدينة ( حماة ) لرفد نشاطاته وإغنائها بكل ما هو قيم ومفيد .. وفي مجالات الأدب وأجناسه كافة .‏

والواقع يشير إلى أن هذا ( الثنائي الجميل ) وأعني به ( المركز الثقافي العربي) و (اتحاد الكتاب العرب ) يُجسدان قمة النشاط الثقافي في هذه المدينة .. ويُمثلان ـ بتعاونهما التام ـ النجم الأكثر إضاءة الذي يقدم للجميع الفائدة والمتعة على حد سواء

عن جريدة الفداء الحموية  عدد/ الثلاثاء: 23-10-2012/

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *