حوار مع الشاعرة السورية ابتسام الصمادي

by tone | 3 ديسمبر, 2012 12:40 م

[1]

 

تري الشاعرة السورية ابتسام الصمادي في الشعر إطلالة علي العالم من شرفة أعلي، وانبساطاً لمساحة أوسع مما يُتاح لنا أن نراه ضمن مشاغلنا اليومية وماكينة الهم الحياتي، ثم فرحاً بالخَلق وسماحاً في النفس يتكون بفضل الامتنان للنعمة الرائعة التي اُلقيت جمرتُها بين أيدي المبدعين: نعمة أن نجترح الأشياء الجميلة التي منها الشعر .

ومن خلال دراستها للأدب الإنكليزي وتدريسها له فيما بعد في جامعة دمشق اطلعت علي آفاق مختلفة وعلي ذائقة جديدة، و آلت علي نفسها أن تفتح نافذة الوعي علي الآخرين من أجل الإحاطة بالنبض الشعري في كل أصقاع العالم كما تقول، وهذا شيء مهم من أجل أن يعطي الشاعر أرضية صلبة يقف عليها ليعرف أين هو موجود بالنسبة للآخرين.

وللشاعرة الصمادي عدد من المجموعات الشعرية المطبوعة ومنها سفيرة فوق العادة، هي وأنا وأشياء أخر، وحبيبات الألماس شاركت في العديد من المهرجانات الشعرية المحلية ومثلت سوريا ثلاث مرات في مهرجان الشعر العربي في المملكة الأردنية الهاشمية، كما مُنحت لقب شاعرة جامعة دمشق لسنوات طويلة، وهي تتولي الآن عضوية مجلس الشعب السوري.. الراية التقتها وكان الحوار التالي:

* لماذا اخترت الشعر وسيلة للتعبير عن ذاتك؟.. بمعني آخر لماذا اخترت فتح هذه النافذة للتواصل مع الآخرين ولم تختاري أية وسيلة تعبيرية أخري؟

– أنا لم أختر عالم الشعر، فموضوع الاختيار غير وارد هنا والشعر يفرض نفسه عليك قبل أن تفكر بتحديد اختياراتك.. يختارك أن تمشي خلفه إلي كل العوالم فهو أرق يومي والقصيدة حالة من النزف الدماغي التي إذا لم تجد منفذاً تقتل صاحبها، والشعر أولاً وآخراً هو العالم الذي تدخل إليه ولا تخرج.. إذا كنت أصيلاً.. إلا بعذابات كبيرة هي التي يغربلها الزمن ويحفظها أو لا يحفظها.

رادار المرأة..

* الشعر موقف.. كيف تحددين رؤيتك لهذه المقولة؟

– أنا أري أن الشاعر هو عبارة عن خزينة لكل ما يحيط به في كل أحواله ومراحل حياته وتجاربه، وإذا كنتَ تعني بالموقف ما يخص الصعيد الحياتي المعاش للشاعر فهو حصيلة ما خزَّن من أفكار ومواقف في كل صعد الحياة الاجتماعية والتربوية، وأركز هنا علي الشأن التربوي لأنني أعزو

معظم مشاكلنا للمسألة التربوية، فعندما نربي الإنسان العربي منذ الطفولة ضمن الإطار الديمقراطي السليم لابد أن ننشيء إنساناً متكاملاً من كل النواحي، ولا شك أن المسألة التربوية هي شأن أنثوي بالدرجة الأولي وتشد المرأة العربية أكثر من غيرها، فالإحصائيات تشير إلي أن عدد المنخرطات في سلك التربية والتعليم أكثر عدداً من الرجال وهذا دلالة علي أن اهتمام المرأة أكثر من الرجل، فهي تهتم بالجانب التربوي لأنه يحاكي داخلها ويحاكي النظرة التي ترمي إليها، وأنا أعتبر أن الأديبة العربية تحمل ما يشبه الرادار الذي يؤشر إلي الكثير من الأمور المرحلية والمستقبلية كالخيول الأصيلة التي تشعر بحدوث الزلازل قبل وقوعها بلحظات، وأنا مؤمنة بأن الإنسان عبر الثقافة وحدها يستطيع الاختراق إلي صلب المشكلات البنيوية القائمة في حياتنا وفي مجتمعاتنا.. وتستطيع المرأة أن تصل إلي صناعة القرار، وأضع خطين هنا عند كلمة صناعة وليس إلي سدة القرارات، وأتمني علي المرأة عندما تصل إلي صناعة القرار أن تبقي محافظة علي هذا الهاجس الأمومي، والبشرية كلها قامت علي الحالة الأمومية وهناك عصر بأكمله هو عصر الأمومة قبل العصر البطريركي الذي جاء فيما بعد وأدار الرجل فيه دفة الحكم، فهذه اللحظات الأمومية عند المرأة هي التي أسست للحضارة الإنسانية وساهمت باكتشاف حبة القمح البرية، فمن اكتشاف حبة القمح بدأت الحضارة الإنسانية وأدركت المرأة أن الأرض صنو لجسدها، وأن الأرض تحبل بالبذور وتعطي الثمار كالمرأة تماماً، وحتي الإنسان القديم انتبه إلي هذه الناحية المشابهة لكينونة المرأة الفيزيولوجية، من هنا وجدنا احتراماً ورهبة للمرأة في تلك العصور السحيقة.

الفجوة بين الجمهور والشعر

* هل عبَّرت عن هذه الهواجس والأفكار في شعرك؟

– في قصيدة لي بعنوان الحلقة قبل الأخيرة أي لحظة الولادة خاصة عند الأم أقول:

واصطفانا.. هيء الروح لنا

دشداشة مغزولة من خوفنا

والوشي فيها من دموعٍ كالبَرد

إن أردنا نرتديها أو فنعري

لو تراه احتاجها الغالي ليوم أو برد

دورة الأرض وما فيها لنا

ولنا آلية الزرع المندي

ولنا خيط الدميعات حريراً في المغازل

* في زمن يبدو فيه أن الشعر بدأ يفقد موقعه وينحسر دوره هل تعانين من مشكلة التواصل مع الجمهور؟

– لا أعاني أبداً من مثل هذه المشكلة لأنني أعتبر أن الكلمة الأصيلة عندما تخرج من القلب ستذهب إلي القلب حتماً، وإذا استطاع الشاعر أن يعمل علي هذه الموجة فسوف يصل حتماً إلي عمق المتلقي، ولكن موضوع الفجوة بين الشعر والجمهور أعزوه إلي أمور أخري تتعلق بصدمة الحداثة التي حالت دون هذا التلاقي والإغراق من قبل بعض الشعراء في المسألة الرمزية.

شيفرة الوصول

* توشَّين قصائدك بمفردات الحياة الريفية فماهي علاقتك بهذه المفردات، وهل لها جذور في نشأتك البيئية؟

– لا شك أن الشاعر هو حصيلة لما يعيشه، ولكل شاعر مفاتيح يصل من خلالها إلي قلوب الآخرين، وقد قيل ذات مرة إذا سقطت ورقة من نزار قباني في أي شارع من شوارع العالم يستطيع من يجدها أن يضعها في صندوق البريد فتصل إلي نزار قباني، وأنا تلميذة نزار قباني لم أصل إلي هذه المرحلة ولا أدعي أنني نلتُ هذا الشرف إطلاقاً، ولكني أستطيع أن أقول أن لكل شاعر مفاتيح تعطيه شيفرة خاصة للوصول إلي قلب المتلقي وأتمني أن يكون لي مثل هذه الشيفرة.

* كيف تستطيعين المواءمة بين الحياة الأكاديمية والحياة اليومية وعالمك الشعري الأثير؟

– دائماً يوجد لدي وقت ودائماً لا يوجد، ولكن إذا أخذتك اللحظة الشعرية وتلبَّستك كحالة صوفية يجب أن تخرج حتي من ذاتك، أحياناً أكتب الشعر في المطبخ وفي السيارة وأحياناً تهبط علي القصيدة في عز النوم فتوقظني لأبحث عن القلم الذي أضعه أحياناً في مشكَّة الملاعق وفي تابلوه السيارة وعلي المغسلة مع فرشاة أسناني، ولكن مشكلتي مع القلم عويصة وكثيراً ما يخطر ببالي أن أهجو هذا القلم بقصيدة لكثرة ما يخذلني.

ملاحظة (رئيس التحرير يقول :  الحوار منشور يوم لثلاثاء12/9/2006 في جريدة الراية القطرية – تحية حب للصديق الإعلامي الحبيب خالد  الأحمد على هذا الحوار ونتمنى التواصل مع المجلة في كتاباته المدهشة . )

Endnotes:
  1. [Image]: http://kfarbou-magazine.com/wp-content/uploads/099106_2009_08_05_21_53_54.image2_.jpg

Source URL: https://kfarbou-magazine.com/issue/2621