الاثنين 1يناير 2024: هيئة التحرير وادارة موقع المجلة تبارك للجميع بحلول عام جديد متمنين لكم عاما مليئا بالخير والمحبة راجين من الله أن يعم السلام كل سورية ودمتم بخير ..  * 

الزجل… حكاية الجبل الكبرى

 

حكايةُ لبنان – وجبله بنوع خاص – معَ الزجل، حكايةٌ تطول وتُستطاب. كيفَ لا وللزجل علامةٌ فارقة في مُحيَّا ذلِكَ اللبنان وذيّالِك الجبل، وسمةٌ مميَّزةٌ من تُراثِنا، وما له من فولكلور وعادات. هو صدى الأفراح والأحزان ورفيق الاحتفالات والأعياد، حتى ليكَادُ أن يكون خُبزَ الأيام، وسمَر اللبناني، وعِطرَ الفصولِ والمواسم. الشعرُ العاميّ، بما للزجل فيه من مقام وتاريخ، زادٌ فنيٌّ، نجوعُ اليه، كُلّما خَلَتْ مآدبُ الكلام من الأدبِ الرفيع والذوق الرهيفْ. زادٌ يُقدّمُ لنا كلَّ ما يخطرُ في البال، من فنون القولِ والنَغَم. وساعة نَنْعَم بمرافقة جوقة من شعراء الزجل الكبار، في إحدى المهرجانات، لا بدَّ من أن نَدْهَشَ، لما نَسمَعُ من سحرِ الكلام ورونق الإبداع، وتنوُّعِ المواضيع، ونتحمَّسُ لما نرى من صراع، حافل بالمفاجآت وبطولات الارتجال. هذا النوعُ من الفَنِّ، أصيلُ المَحْتِد، لارتباطه بواقع الحياة، إنَّهُ الأدبُ الشعبيّ بكلِّ مُغرياتِهٍ، أدبُ العامة بكلِّ خصائصه، أدبُ الخاصة بما تصبو اليه، أدبُ الذوّاقة الذين يُدركون نكهة الكلمة وسحر النَغَم. إنّهُ الأدبُ البنّاء، أدبُ القيَمِ والأخلاق والمبادئ والمُثُلِ العُليا، يُلَقِّنُنا حبًَّ الوطنِ والأرض والشجاعة والتضحية والفداءِ، كما يُلقِّننا الغزلَ الرقيقَ وتقديرَ الجمال الزجلُ، حكايةُ الجبلِ الكُبرى، وربيبُ القُرى والأرياف، مَهبِطُ الشعراء المبدعين.
لم ننسَ التفاتةَ جبران الى الزجل، يومَ قالَ:
(لكم لبنانُكم ولي لبناني
(ابناءُ لبناني هُمُ الفلاّحون والرعاة والكرّامون… وهُمُ الشعراءُ المجدّدون، شعراءُ العتابا والمعنّى والزجل…).
* * *
وكانت الدامور، هذه الروضةُ الغناء، الجامعة بين الريف والمدينة، الحاضنة الجبل والسهل… الدامور التي على مدى تاريخها الطويل، كانت أُمًّا مِعطاء، خرج من رحمها الفنانون والمبدعون وأهلُ القلم وحاملو الريشة والإزميل. ذاتُ القلبين هي، بوّابةُ الشوفين، لا بل بوابة الفن والإبداع، يسيرُ في رِكابِها قافلةٌ من الصادحين الفنانين والشعراء والأدباء والصحافيين الذين يَصعُبُ إحصاءهم. وهي التي أعطَت شعراء زجل كباراً، من أمثال:
منصور شاهين الغريّب، وسليم امين صالح، وبولس رشيد الغريّب، وابراهيم الغريّب، والمثلث اليوسفيّ: حتّي وبو مرعي وبو سرحال، وأعطت بكل فخر جوزف الهاشم، زغلول الدامور الذي غَنَّى لبنانَهُ تحت كلِّ سماء، وملأ الدنيا بصدى كلماته وأنغامه، وحَمَلَ الدامور معه حيث ما حطَّ به جَناحاه. كما أعطت الشاعر جريس البستاني الذي نحتفلُ اليوم بيوبيله الخمسيني المذَّهب. هذا الحسون المرنان أبصرَ النورَ في رياض الدامور، آخذاً تلوين الكلام من رحابها ورياضها وأرضها وسمائها. لم يغرِّد طويلاً منفرداً في بيئته، بل سرعان ما تنادى وتناغَمَ مع أصواتِ (البلابل والزغاليل والشحارير)، فانضم الى جوقة الشاعر الخالد خليل روكز، وما لَبِثَ أن تحوَّل هو نفسه الى رئيس جوقة، فطارَ وحلَّقَ وملأ الجبلَ صُداحاً. جريس البستاني، سليلُ الدوحة البُستانية، المترامية الأطراف بعباقرتها، رئيسُ جوقة الجبل، أصيلٌ بداموريته، بلبنانيته، بشاعريته. رَفَعَ اسم لبنان واسم الدامور واسم الشعرِ عالياً حيثُ حَلّ وتركَ ظِلال جناحيه واوتارَ نغماته.
إنَّ مجلسَ الدامور الثقافيّ، يفخّرُ بكونه في عداد الذين واكبوا الشاعر البُستانيَّ في التحضير لهذا المهرجان التكريميّ، الى جانب نقابة شعراء الزجل، ورفاق دربه وأصدقائه، فوقوفنا بجانب المبدعين من امثالِكَ يا صديقنا ابا عيد، واجبٌ مُقيم، علّنا نفيكَ نَزْراً مِما لك على هذا الوطن من ديون.
فلنردّد مع الشاعر:
قلتُ: والأرْزُ بدنيانا شُعَلْ
ورحيقٌ، مِنْهُ ما الشعرُ نَهَلْ
ها هُمُ، لبنانُ، أسيادُ الهَوَى
مَن على أوزانِهِم طابَ الغَزَلْ
ها هُمُ فُرسانُ أمجادِ الحِمى
مَن على أوتارِهِمْ غنّى الجَبَلْ
أيُّهَا الحُكَّامُ صونوا عَهْدَهُمْ
واحفظوا ذكرى وفاءٍ للزَّجَلْ
ملاحظة : المادة مقطوفة من جريدة الأنوار اللبنانية عدد 13/10/2005)
المادة هي كلمة الدكتور ايلي ابو فيصل، رئيس مجلس الدامور الثقافي في مهرجان اليوبيل المذهّب للشاعر جريس البستاني، قاعة مسرح قصر الأونيسكو – بيروت 7 تشرين الاول 2005

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *