رسائل شتوية

by tone | 1 يناير, 2013 1:33 م

[1]

 

 

عندما تمطر في سورية تسقط على قلبي قطرات عاشقة محروقة بشوق المغتربين الذين تركوا أبوابهم المزينة بالياسمين مشرعة لريح الشمال القاسية ولخيول القدر.
عندما تمطر هناك تخرج نساء الأرض ليغسلن قلوبهن بقوس قزح عربي. فأكتب لهن أجمل أشعار الحب وحكاية عن الزعتر البري الذي ما يزال يحلم بحيفا الهادئة, وما يزال.
وأتذكركم كحركة موسيقى رشيقة فيزداد المطر قوة وغزارة. لأن حبي لكم شتوي طويل مليء بشموس خجولات تحكين قصصاً عن أولا د بيروت الفرحين، وعن صبايا دمشق وعشاقهن وعن أهلي وبلدي.
نعم عندما تمطر على هضابك وروابيك المليئة بمزارات الصالحين والأنبياء، والمزروعة بدوالي كرم ومحبة، عند ذاك تهاجر أسراب السنونو لتأتيني في الأحلام راسمة لوحة لوجه أبي ذي العينين الزرقاويين راوياً بنظراته صحراء عمري، معلناً بذلك ولادة ربيع الحياة في قلبي مرة بعد مرة.
يزهر اللوز في حاكورة الدار وترتفع الأسماء الحبيبة كالأغاني مع صور لأصدقاء العمر ورفاق منهم من ترك ومنهم ما يزال على المتراس، ترتفع كلها مع دفق الدم إلى منطقة الذاكرة النبيلة, عندئذ يطفق الدمع لملء العين خاطّاًً سطراً آخر في الحب.. فالدمع يكتب الأشواق.
ومجرى الدمع يحكي قساوة الأيام وظلمها,والدنيا بأهلها تغيرت, وغاليتي لم تغير عادتها, ففي كل شباط تنتظرني هناك على شارع الحرية في بلدتنا الغارقة بالعادات والتقاليد رغم أنف العولمة وحوار الحضارات، تنتظرني حاملة قلبها وأشعاراً لزياد الرحباني في أغنية لفيروز، مع وردة حمراء. فهي تعلم أني أعشق فيروز وزياداً واللون الأحمر… لكني لا أعود, تنتظر, ولا أعود.
فأنا بعيد جداً، أكثر مما تتصورين يا حلوتي, في أقصى جنوب العالم،أنا,حيث تلتصق الأرض بخالقها, والنجوم أكبر ما نراها في الوطن, الوطن الذي غرَّبنا، وكان قبلاً قد علمنا فن الحلم،وكيف وأين تزهر السعادة, حتى أينعت فينا بذور المغامرة..لذلك تجدنا لا نخاف.
والبعد جفا..هكذا تقول كل أمهات الأرض لأودهن.
فأنا بعيد عنك بعيد عن أهلي، أحلم يومياً أن تنمو أطراف قلبي لأستطيع ضمك أيتها البهية بكل جوارحي.
بعيداً أحلم وأمعن بالحلم أكثر فأكثر إلى أن يأتي أيلول ليسرقني منك ومن نفسي كورقة خريف طيرها الزمن على حدود الكون أمام عينيك،وما عادت لمهدها.
عندما تمطر على ترابك القدسي يجلس عشاق الدنيا أمام نوافذهم يعدون كم أقحوانة ستنبت في الربيع القادم, فوق صدرك الواسع الجميل.
تمطر على قراك ومدنك فينتعش قلبي ويتنهد براحة أبدية ممسكاً بسلم موسيقي أساس نوتته الصَّبا، وشيخ مقاماته الحجاز.
تمطر فوقك، فأتذكر أمي مستمعة لفيروز تغني (شتي يادنيا تيزيد موسمنا ويعلا) قائلة مبارك بطنك يالبنان. ويزداد انهماره, فتعود بي الأمطار لألف بيت شعر لمحمود درويش يبدؤها بريتا، ولاينتهي إلا عندما يدفن بيديه المبدعتين كل المارون بيننا وبين كلماته الطلقة….أتراجع قليلاً عن النظر في عين السماء، لأرى برفة رمشي ساحة الجامع الأموي ملؤها حمام أبيض مسالم, ودير الشيروبيم في صيدنايا، والصخرة الآرامية معلولا, فقاسيون الأبي ومنه البقاع الخيِّر، وزحلة الجمال, فبيروت فراشة البحر الأبيض المتوسط, ويمنعني حارس إسرائيلي من متابعة حلمي، فالقدس اسمها أورشليم، والمسيح لم بأت بعد. وأفتح عيني على حبات المطر… تمطر سلاماً ومحبة في ليلة الميلاد وجانب كل كنيسة رخامية بيوت لأطفال فقراء? لست بحاجة لمن يقول لي إنك رائعة وإنك محبوبتي, وإن قلبك أرجوحة عابقة بذكريات الفرح والحزن، وإنك أم الفقراء الطيبين، والبسطاء الذين قلوبهم خميلة لكل العنادل التي ترتل صباح مساء نشيد المحبة.
وأعلم أن اسمك نشيد الأناشيد. وأن الليل يغني لعيونك الصيفية أغنية مع الحصادين، فهذا طبيعي جداً. فأنت تعطين الحياة لكل شيء يدخلك، كما فعلت مع قلبي الذي قال ذات شتاء: كلما أمطرت السماء بكت قلوب المغتربين، وكلما بكت قلوبهم أكثر هطل مطر إلهي محملاً برداً وسلام فوق أممهم فيزيدها تألقاً ويغسل ما يستطيع من قلوبهم.
تشيلي2006

Endnotes:
  1. [Image]: http://kfarbou-magazine.com/wp-content/uploads/313619_178905922188290_1558285764_n1.jpg

Source URL: https://kfarbou-magazine.com/issue/2871