من ذاكرة القلب … في سيرة سيادة المطران جورج كساب (1من3)

by tone | 30 مارس, 2013 10:58 م

[1]

 

على ميناء الانطلاق :

فيما كانت أحلام مزركشة بصور زاهية لغد ٍ مُشرق تتلمَّس ملامح دروبها في قلوب أشخاص فتحوا فضاءات وجودهم على المدى ، و نسجوا منها أفقاً جديداً يملك القدرة الدائمة المتجددة على الاتِّساع … و من بين خيوط الواقع بتداخلاتها و تشابكها و ضياع حدودها و بداياتها و نهاياتها .. من بينها تسرَّبت تحديات و مواجهات و معوقات أرادت أن تخنق طموحاتهم ، فانتفضت خيول إرادة دفينة تجسّدت في أعمالهم .. في أقوالهم .. في رغباتهم .. في انكساراتهم و انتصاراتهم .. في كبواتهم و وقفاتهم أمام هجوم الضياع و سيل التيه في زمن يحتاج لفرسان يولـَدون من عمق الطهر الأبيض لصد أشباح الظلام .

أفراد ..؟.. أشخاص .. ؟ كهنة ..؟ رهبان ..؟ راهبات ..؟ علمانيون ..؟ مع اختلاف التسمية و اختلاف النظرة و تعدد المسارات اجتمعوا .. أفكارهم توحَّدت مع إرادة بحّار عنيد يواجه أمواج المسيرة الطويلة بإيمان القلب النقي بالبرِّ الآمن الأمين .. ذاك الذي ينتظر على حافة الرجاء .. و فيما كان أولئك الحالمون يفتحون أشرعتهم البيضاء على ظهر سفينة التعليم المسيحي في المنطقة الوسطى .. فيما كانوا يطلقون صفارات السير نحو فضاء النوارس ، و يغذّون السير إلى ملء قامة الحلم .. إلى ملء قامة الإنسان .. ملء قامة المسيح …

الكاهن المَعلـَم و المعلِّم :

في وسط هذا البحر .. و في جزيرة وادعة تدعى قرية زيدل .. و في كنيسة تفوح بالوعود و الآمال و الأعمال .. و في لقاءات تبوح بالترقب و الرجاء .. التقيته .. التقيته رأساً و رئيساً لهذا الفريق الحالم الذي يُدعى ” لجنة التعليم المسيحي في المنطقة الوسطى ” .. التقيته كاهناً أسمر الطلة .. حازم النظرة .. سخيّ الابتسامة .. واضح النبرة في كلمات ممتلئة وعداً ووعيداً ليضبط الأمور على نغمة النظام و على إبرة بوصلة الهدف في اللقاءات و الدورات .. تخرج من قامته القصيرة قامةٌ طويلة شامخة تطاول في طموحها و أحلامها نجوم السماء .. يشبك كفيه عقدة بحار للإصغاء حين يصمت .. و تغفو يديه على بعضهما غفوة اليتامى حين يصلي .. بينما يطلقهما رماحاً تشق نسيج الفضاء حوله ، و يرسم بواسطتهما شبكة من الإشارات و الحركات حين يتكلّم .. بل يمسك بيده حين يتحدث ذراع الشخص الأقرب له، و يجذب انتباه كلّ السامعين بجذبه يد ذاك الشخص في حضور لافت و مميز .. و عند السؤال عنه .. يأتي الجواب : إنّه ” أبونا جورج ” .. الأب الذي يسعى ، و يعمل أن تستقر ، و تثبت دعائم لجنة التعليم التي تعاون مع مجموعة من الكهنة و الرهبان و الراهبات أصحاب الرؤية و الإرادة من حمص على تأسيسها لتكون في خدمة البشرى السارة لأجل أطفال المنطقة الوسطى التي تتناثر مراكز التعليم فيها على رقعة جغرافية واسعة ، و تتوزّع بين البادية و الجبل و السهل والجرد و وادي العاصي ..قرى اختارتها الجهات الأربع سفراء لها .. أبناؤها ينتظرون مَن يعمل بصبر و رجاء .. مَن يعلم بفرح و عطاء لتصل إليهم كلمة الرب .. الأب جورج تجاوب مع انتظارات هذه المراكز لمعلمي تعليم مسيحي ينالون تأهيلاً مناسباً لهذه الرسالة من خلال دورات و محاضرات و لقاءات ، فكانت الدورات التكوينية لمعلمي هذه المراكز ، دورات لطالما عمل على إنجاحها من خلال استقباله لها في قريته التي جعلها الفضاء الأرحب في زمن الضيق .. في الكنيسة التي يخدمها و يعمل على اتِّساعها لتكون حضناً حنوناً لهذه الدورات .. من خلال إدارة حكيمة للمكان و سعي دائم لتوفير مستلزمات النجاح التي تبرز عاماً بعد عام و دورة إثر دورة ، و تتوضَّح عمراناً و تحسينات و خدمات .. و لأنَّ يد الخير تطول و لأنّه يؤمن بأنَّ الله يسخّر كلَّ شيء لخير الذين يحبّونه .. امتدت خدمته ليُشرك فيها ما استطاع و ما لزم لإنجاح الدورات .. فمع سخاء شخصي مقترن بإرادة قوية لإنجاح العمل ، كان يسعى لتأمين معظم المستلزمات سواء من ماله الشخصي أو من محصول و نتاج أهله و أقربائه و أصدقائه و أهل قريته .. و بقناعة لا حياد عنها بأنَّ الطلب لأجل الكنيسة و مسيرة التعليم يتجاوز الحياء الفردي إلى ما هو أسمى و أعلى .. فطلب الدعم و المساعدة من أي إنسان لأجل الخير العام لا يُنقص من كرامة الكاهن طالما يطلب للبنيان و ليس لمنفعة شخصية أو فردية مهما اشتدّت هي أصغر من مصلحة الكنيسة و خير أبنائها المؤتمَن عليها الكاهن .. و هي قيمة رافقته كاهناً و أسقفاً و امتدت لتصير قيمة عند كل الكهنة المحيطين به و الذين مع الوقت تصيبهم عدوى السعي للغير و الغيرة على بنيان جسد المسيح … و تمرُّ السنون ، و تتعدد الدورات و تتبلور الصورة .. بل تتبلور العلاقة ، و يتسع الجسر بيننا .. أحببته ، و أعجبت به و بمحبته للتعليم و بسعيه الأمين بكل طاقته لإنجاح .. فرحت بتلك الثقة التي كان يمنحني إياها يوماً بعد يوم .. فمرّة يكلفني بتحضير مسرحية دينية أو مشهد إيمائي .. و مرّة بقيادة مجموعة في رسالة مميزة .. و مرة في إدارة حلقة حوار ..و مرة يضمني إلى فريق العمل و التحضير للدورات .. و مرّة .. و مرّة ..مشروع هنا و تجربة هناك .. و لا أنسى ذلك اليوم حين استدعاني ليلة تحضير إحدى الدورات إلى شرفة الخورنية في زيدل بحضور الأب بسام آشجي من حلب الصديق و شريك الرسالة و الغيرة الرسولية .. و بدون مقدمات ناولني كتابين قائلاً : خذ هذين الكتابين عن القديس كيرّلس الأورشليمي .. ادرسهما جيداً و استخرج منها عبرة و معلومات تقدمها لنا عملاً في نهاية الدورة .. أريد منك أن تعرّف الجميع عن هذا القديس بالشكل الذي تراه مناسباً .. مسرحية . رقصة.. إيماء .. خيال ظل .. افعل ما شئت من الحركات التي تتميز بها .. افعل ما تشاء .. حاولت التعبير عن حجم المسؤولية الفكرية و التعليمية التي يضعها على عاتقي .. أظهرت مخاوفي و رهبتي أمام هذه الثقة و ذاك التكليف .. أظهرت بأنَّ رهبتي أمام عظمة المهمة تفوقت على فرحتي الكبيرة بثقته .. فأجابني مبتسماً مشجعاً : أنا أثق بك و بقدراتك .. و غمز بإشارة دافئة و حنونة و شد على كتفي : شو يا أبونا بسام .. اسكندر قدّا أم لا ..؟ و لو أنت أبونا تقريباً .. هل يهرب الأبونا من مسؤوليته .. ( و كأنّه كان يرى بعين بصيرته و بإلهام الرب ما سأكون عليه مستقبلاً و بأنَّ الرب سيدعوني لأكون خادماً في حقل الرب بل و خادماً أكثر في مجال التعليم المسيحي على مثال الأب كسّاب ) و أكد الأب بسام التشجيع و التأكيد على ملامح الدعوة للكهنوت التي يراها تتوضَّح في داخلي ( و كانت إشارة تلاقت مع إشارات من الأب ميدع و من الأب ميشيل نعمان الذي كان يهمس في أذني : شو يا دكتور .. أليس الأحلى: يا أبونا .. اسمع ما أردده أنا و زوجتي ” فينا ” دائماً [ الشعب يريد إذاً الله يريد .. و الله يريدك كاهناً ] كلمات و عبارات مشجعة استخدمها الرب يسوع ليهيئني لسماع النداء ووضع اليد على المحراث دون النظر إلى الوراء ) و أقولها صراحة بأنَّ الأب كسّاب كان أحد القنوات الهامة لتصلني من خلالها الدعوة لأكون خادماً على مذبح الرب.. أحببته ..أحببت ذاك الرجل الذي كان يحب صيد العصافير ليأكلها ، فاختاره الرب يسوع ليصير صياداً للبشر ليؤكل تضحية و خدمة و تفان .. مع يسوع تحوَّل من صياد يأكل إلى صياد بشر يُؤكـَل … أعجبت برسالته ، و لم يخطر في بالي يوماً بأنّه سيرمي بردائه إليَّ ، ليحمّلني شرف هذه الرسالة و أخلفه في لجنة التعليم المسيحي في المنطقة الوسطى حين يتسلم عصا الرعاية الأسقفية لأبرشيتنا التي صرت فيها و لها كاهناً … وللحقيقة فإنَّ أسلوبه في التشجيع و منح الثقة بعد دراسة متأنّية للشخص لطالما كان حديث مربّي التعليم .. فهو يحب توزيع المهام على الأشخاص و العمل بطريقة جماعية و السعي للمؤسساتية في العمل .. هذا الأسلوب الذي أصبح نهجاً في إدارته لشؤون الأبرشية .. و كذلك في إدارته للجنة المركزية للتعليم المسيحي في سورية التي كلفه برئاستها مجلس أساقفة سورية الكاثوليك .. و أيضاً اختارني رسولاً في هذه اللجنة فكلفني بأمانة السر فيها ..و كما في إدارة المنطقة الوسطى كذلك في اللجنة المركزية .. احترام لكل ممثلي المناطق في سورية .. توازن في العلاقات من خلال مسافة واحدة من الجميع .. مسافة من المحبّة و الدفء و وحدة الهدف … يتبع

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

Endnotes:
  1. [Image]: http://kfarbou-magazine.com/wp-content/uploads/george_kassab.jpg

Source URL: https://kfarbou-magazine.com/issue/3712