الاثنين 1يناير 2024: هيئة التحرير وادارة موقع المجلة تبارك للجميع بحلول عام جديد متمنين لكم عاما مليئا بالخير والمحبة راجين من الله أن يعم السلام كل سورية ودمتم بخير ..  * 

طب, هندسة, محاماة…!

 

 

يجمع بني البشر على أن تطور و تقدم أي فرع من فروع العلوم ( فيزياء و كيماء, طب و هندسة, قانون و اقتصاد, ….الخ) يؤثر على تطور و نمو الفروع الأخرى كما أن تخلفه يؤدي الى اعاقة تقدم أو الى تخلف العلوم الأخرى, فالعلم سلسلة متكاملة لكل حلقة في هذه السلسلة أهميتها و دورها التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نبخسها حقها أو نعطي أهمية لحلقة على حساب أخرى.

هذا المفهوم لا يختلف عليه اثنان حتى في مجتمعنا -المنتمي الى الدول النامية- فالكل يعترف بأهمية العلوم و دورها و تكاملها و يضرب الأمثال في اعترافه بها و عدم اعطاء أفضلية لعلم (أو شهاده) على حساب أخرى كما نجد أن الكل يتكلم عن الطموح و أنه لن يقف في وجه طموحه أحد و اذا كان أبا أو أما فانه يريد دائما لأبنائه أن يكونوا من المتعلمين المثقفين من حملة الشهادات المرموقة, و هنا أثني على هذا التوجه المهم الذي بفضله ازدادت نسب التعلم و الشهادات في بلدتنا حتى وصلت الى نسب نفخر بها جميعا.

لا خلاف على الظاهر هنا و لكن دعونا نخاطب العقل الباطن” لمجتمعنا” و الذي ينعكس واقعا محسوسا و ملموسا و لنطرح عليه السؤال التالي : ما هي أفضل العلوم-الشهادات- ؟ الجواب نعرفه جميعا و الترتيب لا يخرج عن نطاف الاجابة التالية: طب – هندسة – حقوق….الخ…..!؟!؟ و ان هذا واقع لا يمكن انكاره ينعكس في كل يوم سلوكا تجاه أنفسنا و تجاه الغير و يفرض نفسه في كافه مناحي الحياة ليصل الى أبعاد قد يدركها البعض و قد لا يدركها البعض الاخر و لو أن هذا الواقع بدأ يتغير في عقول البعض خاصة بعد الانفتاح الذي عشناه و نعيشه.

سؤال اخر نستنبطه من هذا السؤال : هل نحن اذ أمام حالة انفصام! فالظاهر و القول شيء و الباطن شيء أخر؟ الاجابة برأيي : “لا” و لكن نحن أمام حالة من الانجرار و الغوص في ثقافة القطيع التي هي كما عرفها أحد الكتاب:” أن يكون الإنسان مجرد رقم يكمل العدد ويكثر السواد ويتلقف كل شيء بلا تدقيق ولا تمحيص ولا عرض على العقل الذي وهبه الله إياه ليميزه عن ذلك القطيع المحروم من هذه النعمة” فهناك فكرة قديمة قدم التخلف في مجتمعنا وهي أن التراتيبة المذكورة هي الأصح و جاء نظامنا التعليمي ليزيد الطين بلة و يسخر هذا المفهوم و يكرسه فاذا بنا بأناس لا يدرون ما يفعلون مبدئيا على الأقل لنكتشف فيما بعد أن مراكز الحضارة لها رأي اخر و معيار اخر ألا و هو دراسة الميول و تهيئة العقول للنجاح و الابداع الذي لن يستطيع محام أو فيزيائي أو طبيب و ما الى ذلك في مجتمعاتنا من تحقيقه لسبب بسيط ألا و هو أنه اعتنق ما اعتنق من العلوم اما نتيجة “مجموعه في البكلوريا” أو نتيجة ضغط الأهل و المجتمع أو نتيجة الثقافة المجتمعية التي توحي له في البداية أنه خلق ليتعلم ما تعلم -من دون أسباب منطقية-.

قد يقول قائل هنا أن هذا الكلام لا يتسم بالعمومية المطلقة فالكثير من المتعلمين في مجتمعنا حققوا انجازات و نجاحات يشهد لها و لا يستطيع أحد انكارها! و هنا أوافقه الرأي و لكن بتحفظ شديد ينبع من حقيقتين الأولى أنه عند تصادم منطقين اثنين تكون الغلبة و الصحة للمنطق الأقوى…! و الثانية أن الإنسان الناجح و الطموح يمكن له أن يبرز في أي مجال “يتبناه” و يجتهد في سبيله فحبذا لو كان هذا المجال هو الذي يناسبه وفق أسس علمية و نفسية مدروسة….!.

أعود هنا لأؤكد أنني لاحظت وألاحظ وجود أشخاص تحرروا و لو جزئيا من هذه الفكرة البالية و ان كانوا معدودين و لكن أقول أن هذا أول الغيث و واجبنا هنا أن ندعم هذا التوجه لا أن نكون حماة لأفكار عفا عنها الزمن, أفكار تسمح لنفسها أن تجزىء الذي لا يتجزأ و أن تصنف الذي لا يتصنف و أن تنتقد أشياء لا تعرف أبسط أبجدياتها, كما أن هذا الواجب يملي علينا أيضا أن نشجع “النجاح” و نعتبره المعيار الوحيد الذي يميز إنسانا عن أخر فالطبيب الناجح أفضل و أحسن من الوزير الفاشل و الميكانيكي الناجح أفضل و أحسن من المحامي الفاشل و هكذا دواليك… و إذ أقول النجاح فإنني أعني بكل تأكيد “النجاح المقترن بالأخلاق” التي من دونها لا يمكن أن يكتمل النجاح, و أن تحقق ظاهريا فهو زائل و ووقتي و لا نفع منه دون الأخلاق.

أخيرا أود أن أعترف أنني في يوم من الأيام حاولت أن أستعين “بالانترنت” بدافع الفضول و رغبتي الدائمة في انتقاد نفسي و مراجعة أفكاري التي من الممكن أن تكون مخطئة و خاصة منها التي لا تحظى بتأييد كبير في بيئتي التي نشأت فيها, و قمت بإجراء بحث صغير على برنامج “غوغل” حاولت أن أجد فيه إجابة عن أفضل فرع من فروع العلوم المختلفة التي عرفها البشر و لكنني لم أجد جوابا مقنعا أو حتى قريب من الإقناع فهل من أحد يفيدني بالجواب الشافي على السؤال التالي : “من هو الذي أعطى أفضلية لعلم على علم آخر…؟” و إن كان ثمة هناك من إجابة فليذكر لي الترتيب المتعلق بهذا الموضوع مقترنا بالحجج المنطقية و “بشهادة حسن سلوك و طوابع”…

ملاحظة : “لم أسمح لنفسي أن أكتب هذه المقالة إلا لأنني حائز على شهادة (مرموقة) حسب معايير المجتمع”.

التعليقات: 4

  • يقول نائب رئيس التحرير:

    شكرا” لهذه المقالة الرائعة , فهي ليست رائعة فحسب بل نفذت إلى أعماق نفسي إن صح التعبير …
    أنت لم تكتب هذا الكلام إلى الأرضيين بل على ما أعتقد إلى السماويين , إذ كيف لي أن أتحدى عادات وتقاليد مجتمعي إن لم يكن لدي ّ مرجعية أقوى منها , وهنا بيت القصيد …
    بل كيف سأكتشف موهبة طفلي إذا لم أبتعد عن الأرضيات من كلام الناس إلى المال إلى الجاه إلى السلطة …الخ

    أقول بصراحة :
    الموهبة هي عطية من عطايا الله .. فأنا مهما تدربت على الرسم مثلا” أبقى ضعيفا” أمام طفل لديه موهبة الرسم …

    ومهما كتب أبقى هشا” أمام الكتّاب ومنهم أنت يا أستاذ متابع …
    فأنا شخصيا” أجد نفسي في الأرض وما يتشعب منها في تربية النحل والطيور وغير ذلك …

    وحاليا” وإضافة” لعملي أزرع الأرض وأعمل في تربية النحل … صدقوني لو خسرت في زراعة الأرض أو في النحل فإنني أعاود الكرة مرات ومرات لأن حب العمل جزء لا يتجزأ من كياني وشخصيتي …
    ولفت إنتباهي في نص المقالة – النجاح المقترن بالأخلاق – وأقول بصراحة ليس هناك من نجاح في كافة مجالات الحياة بدون أخلاق …وأؤكد على فكرة هامة وهي مهمة بالفعل أن العامل الناجح هو طبيب ومهندس ….. في مهنته …

    شكرا” للجميع

  • يقول sami:

    المشكلة في السياسة التعليمية ليس في سورية فقط بل في كل انحاء الدول النامية
    هي السبب في تفضيل علم على اخر
    المسالة ليست ميول فحسب وانما واقع بلد لاتوجد فيه الامكانيات للبحث العلمي ……..
    وانا احب ان اقول لكل شخص لم يستطع متابعة علمه لسبب من الاسباب او لم يحصل درجات عالية في الثانوية ….اقول لهذا الشخص بامكانك ان تحقق ذاتك ولا تلفت الى كلام الاخرين …تستطيع ان تكون طبيب ومهندس ومزارع و…………….الخ بالارادة والعزيمة
    لاتجعل عقد النقص تؤثر على حياتك سلبا
    هناك الكثير من الاطباء والمهندسين الذين لم يجدو انفسهم في هذه المهنة
    والعكس صحيح ميكانيكي (معلم) كم يقال بالعمية يعتبر نفسه اهم من اولئك
    المهم ان نتمتع بحسن الاخلاق واحترام بعضنا البعض وعدم الحكم على اشخاص لاتعرف
    ماهي الظروف التى مروا بها

  • يقول dr.mario:

    لب المشكلة امران اثنان الاول هو طريقة القبول الجامعي عندنا في بلدنا تعتمد فقط وفقط على مجموع الدرجات بالشهادة الثانوية والامر الثاني هو الاهل النسبة الاكبر من الاهل ينظرون ان مستقبل ابناءهم او بناتهم هو في نيل الشهادة العليا وخاصة من صنف الطب او الهندسة … لو تكلمنا عن الامر الاول اقول بكل صراحة انه لا بد ان يرتقي موضوع الانتساب الجامعي ففي الغرب يحولون درجات الطالب الى نسبة مئوية ثم يخضع لامتحان قبول مبدئي لكلية ما ضمن مناهج خاصة واذا نجح يخضع لامتحان نهائي يحوي اساسيات الفرع الذي انتسب اليه كالطب مثلا فان كان جديرا به عليه ان يدرس و يتخطى الامتحانين الولي والنهائي وهكذا تزداد نسبة الطلاب الذين يحققون الفرع المرغوب به . اما لو عدنا لموضوع الاهل الذين الى الان وللاسف يمارسون كل الضغوط النفسية على اولادهم بحجة تامين مستقبل مشرق ولائق ظنا منهم فقط ان الطبيب او المهندس او المحامي او المدرس هو صاحب المستقبل الباهر للاسف هذا هو تفكير اغلب مجتمعنا واقول بهذا الشان هناك كثير من المهن التي تبنى عليها ايضا المجتمعات والحضارات مثلا مهنة الرسام والخطاط مهنة الفلاح والعامل مهنة الفنان والممثل مهنة الحداد النجار الميكانيكي السائق والحارس والجندي والشرطي والبناء والدهان وغيرهم …. انا لا اقول بهذا الكلام ان يرسل الاباء والامهات ابنائهم الى تلك المهن دون ان يتابعوا دراستهم لا بل انوه فقط ان هذه من اساسيات البنية الاجتماعية مثلها مثل مهن الطب والهندسة والمحاماة والصيدلة ..لقد سيطر على معظمنا فكرة ان الرقي والحضارة فقط بتلك الشهادات العليا وانا اقول ليست فقط الشهادات العليا تبني المجتمعات والحضارات كل انسان في موهبته وفنه وعمله ونشاطه وثقافته ووعيه واخلاقه وسلوكه يساهم في بناء المجتمع والحضارة والسؤال المهم هل كل انسان في مجتمعنا هذا يدرك انه عنصر فعال جدا فيه مجتمعه مهما كانت طبيعة مهنته او عمله ؟؟

  • يقول متابع:

    تحياتي لكم أصدقائي, لقد أسعدني جدا ما قرأته من تعليقات تدل من وجهة نظري على وعي و رقي في التفكير أرجو أن يتمتع به السواد الأعظم من مجتمعنا قولا و فعلا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *