الاثنين 1يناير 2024: هيئة التحرير وادارة موقع المجلة تبارك للجميع بحلول عام جديد متمنين لكم عاما مليئا بالخير والمحبة راجين من الله أن يعم السلام كل سورية ودمتم بخير ..  * 

حوار مع الأديب والقصصي نور الدين الهاشمي (1من2)

 

أبطال قصصي من نسيج هذا المجتمع العالقين بعنكبوت الفقر والبؤس

في حوار سابق كنت قد أجريته مع الأديب المبدع والقاص نور الدين الهاشمي , ونشرته في الصفحةا لثقافية في جريدة العروبة حول الأدب الطفلي, ومدى حساسية الكتابة لهذا العالم البريء المعمد بالطهر والنقاء, أشرت في نهايته أن هناك حوارات أخرى ستتبع الحوار الأول يكون موضوعها المسرح والدراما والقصة.‏

وبما أن أعلام القصة القصيرة هو المجال الأرحب الذي أبدع فيه نور الدين الهاشمي فقد آثرت أن أخصص حلقة هذا الحوار للقصة القصيرة لتكون المادة الأساس لأسئلتي التي بدأتها بالسؤال التالي:‏

* متى بدأ نور الدين الهاشمي الكتابة, وبأي جنس أدبي دخل باب الابداع ?‏

** بدأت الكتابة بالشعر حيث كتبت عدداً من القصائد الرومانسية في فترات الشباب وسرعان ماانتقلت منها باتجاه القصة لأني رأيت أن شكل القصة باتساعه ومرونته قادر أكثر على استيعاب ماأريد قوله من أفكار ومشاعر فالقصيدة تحد الكاتب أو الأديب بالوزن والقافية .‏

بدأت أكتب القصة الفنية في بداية الثمانينات وأذكر أنني نشرت أول قصة لي في ملحق العروبة بعنوان »الازميل والأيدي المتعبة« وفيها تحدثت عن خيبة أمل معلم عمل في غرس القيم في نفوس طلابه حيث يفاجأ بأحدهم وقد صار لصاً خطيراً دون أن يستطيع فعل شي تجاهه, وكأن الظروف التي حوله أقوى من الدروس والكلمات التي حاول غرسها في عقول ونفوس تلامذته.. وتتابعت كتاباتي للقصة القصيرة أنشرها في الدوريات السورية وألقيها في رابطة الخريجين الجامعيين وغيرها وصدرت لي في بداية التسعينات أول مجموعة عن دار علا بعنوان (نداء في ليل المدينة) ثم صدرت مجموعة أخرى بعنوان »قصة انتحار معلن« ثم »الدوران في قاع الزمن « وأخيراً »يوم بكى الشيطان« ولدي الآن مخطوط مجموعة خامسة بعنوان »ولكنه ضحك كالبكاء« .‏

* مالهموم التي عالجتها في قصصك وأخذت حيزاً كبيراً من اهتمامك وماهو الجانب الذي شغل المساحة الأكبر ?‏

** كان لاهم الاجتماعي والسياسي في بعديه الانساني هو الموضوع الأساس الذي شغل قصصي .. وقد عالجت من خلاله نضال الكادحين البسطاء لتحقيق حياة أفضل , كما صورت الأحلام وهي تنهار شيئاً فشيئاً دون أن نستطيع الامساك بواحد منها ..وألقيت الضوء على عظمة بعض الناس البسطاء وتمسكهم بقيمهم وأخلاقهم وتفانيهم في سبيل تحقيق أحلامهم كما في قصص »أبو سمرة« و»حالة نادرة« و»الراوي والحكاية« وتحدثت عن اغتراب لانسان المحاصر داخل وطنه وخارجه كما في قصة »انتحار معلن« و»الموت في زمن الحصار« و»الشهيق خارج الوطن« .. وفي قصصي أدنت وكشفت تلك الفئة الطفيلية التي تعيش على دماء الوطن والناس وتمتص جهدهم وعرقهم بكل وقاحة ودون رادع كما في قصص »تقرير الى الخال« و»الكرسي البرام «و»رجّال ولاحرمة« و»الحارس والمحروس« وكان للجانب السياسي نصيب كبير في قصصي فقد تحدثت عن العلاقة المشوهة بين الحاكم والمحكوم والتي يجب أن تصحح كما في قصص »حوارية السيد والعبد« و»دجاج الوزير« و»سلاسل« و»قصر المرايا«…الخ‏

* أبطال قصصك من أي نمط اجتماعي هم وبماذا يتميزون?‏

** أبطال قصصي من نسيج هذا المجتمع العالقين بعنكبوت الفقر والظلم والبؤس والطامحين للعدل والحرية … فهناك المعلم الطامح بتربية جيل قادر على بناء المستقبل ولكن تكبل المناهج والادارات البيروقراطية يديه وهناك العامل في المقهى الذي تكبله العادات والتقاليد وتفرض عليه أن يفي بنذر لايستطيع سداده بعد أن ولدت ابنته صبياً فيقطع أكبر الأشجار عنده ليبيعها… وهناك العاملة البسيطة التي فقدت زوجها في لبنان إثر الحرب المجنونة وهي تعمل لتسد رمق أطفالها .. وهناك المرأة التي تريد أن تؤمن لطفلها وجبة من حساء الدجاج ولكن ثرياً يشتري كل شيء من البائع لكلابه المدللة ويحرمها من إطعام ابنها .. كما أنني أدين وأسخر من أولئك الذين توهموا أنهم أذكى الناس في احتيالهم وسرقتهم لقوت الشعب, وتربعوا في مناصب لايستحقونها .. إن شخصياتي جميعاً تتميز بالحيوية والحياة ويمكنك أن تصادفيها في كل مكان .‏

* ماالهدف الذي تتبغيه من وراء قصصك? .. وهل تعمل على الارتقاء بوعي الناس بحثاً عن مستقبل أفضل?‏

** الكاتب الحقيقي لايعمل على التخفيف من احتقان الناس, بل يحاول أن يرتفع بوعيهم ليدركوا السبب الحقيقي لما هم فيه من معاناة.. فالوعي كما أعتقد هو أول مراحل التغيير.. وإذا لم يع المضطهدون والمسحوقون أسباب تعاستهم فسوف تتحول نقمتهم الى عنف أعمى يدمر كل شيء حتى الشيء الجميل والانساني في الحياة وقد قال الشاعر:‏

مابلغ الأعداء من جاهل‏

مايبلغ الجاهل من نفسه‏

وهذا هو الدور الرئيسي للكاتب.. أعني توعية المجتمع ليعالج همومه ومشاكله بشكل صحيح.. والكاتب جزء من مشروع كامل في عملية التغيير والاصلاح على كافة المستويات .‏

* هل يميل نور الدين الهاشمي الى كتابة القصة القصيرة جداً? وهل يجد فيها فضاء رحباً لما يريد أن يطرحه من هموم?‏

** أميل بشكل عام الى كتابة القصة المتوسطة التي هي بحدود أربع أو خمس صفحات ولكن أحياناً أجد أن بعض الأفكار يصلح لها ثوب القصة القصيرة جداً فلكل موضوع ثوبه الخاص به الذي يختاره الأديب ليحقق فيه الشروط الفنية .. ومايميز القصة القصيرة جداً هو أن يكون لها حدث وتتميز لغتها بالتكثيف والاختيار الدقيق للكلمات والترابط, ولابد لها من نهاية مفاجئة هي فكرة الكاتب الحقيقية وخلو القصة القصيرة من الحكاية واعتمادها على اللغة الشعرية يجعلها في خانة الشعر أكثر منها في خانة القصة .‏

* ماهي أهم عناصر القصة القصيرة التي يحاول نور الدين الهاشمي ابرازها في قصصه?

** جميع عناصر القصة القصيرة هامة من حبكة وحوار ولغة وشخصيات ولكني أهتم بالبدايات كثيراً لأنها هي التي تشد القارىء إليها .. وخاصة القارىء المتعب المجهد والمحاط بالمغريات الكثيرة .. ولذلك يجب أن تكون البداية مشوقة..مبهرة ..غريبة ومن طبيعة القصة , والأهم من هذا كله النهاية التي يجب أن تكون مفاجئة ومدهشة والتي تكشف عن فكرة الكاتب تماماً ومايريد قوله في القصة .‏

* نور الدين الهاشمي يكتب السيناريو وأدب الأطفال والمسرح فهل أثر ذلك على قصصه?

** من الطبيعي أن تؤثر هذه الأشياء على طبيعة القصة التي أكتبها فقد مالت قصصي إلى الرؤية الحسية من بصر وسمع وشم وذوق , وخفَّت اللغة الشعرية المكثفة.. كما أصبحت أعتني بالحكاية أكثر داخل القصة لأنها هي الأهم في القصة التي تبنى على الحكاية في الأساس وكتاباتي في مسلسل »مرايا« جعلت قصصي تميل الى السخرية السوداء واستفدت من المسرح في اتقان الحوار بين الشخصيات .‏

* لماذا لجأت الى السخرية في بعض قصصك ومن يعجبك من كتاب القصة الساخرين?

** السخرية على مر تاريخ الأدب والفن هي سلاح هام بيد الفنانين والأدباء لكشف القبح والتشوه , وتعميق الوعي وهي تنتقم من كل أعداء الحياة والجمال , وتحاول أن ترفع غطاء الزيف والمظاهر الفارغة عن كثير من الأفراد الذين يخدعون الناس كما أنها تسلط سلاح السخرية على كثير من العادات والأفكار البالية التي تنخر في عظام المجتمع وتعرقل مسيره .. وتحتاج السخرية الى روح تميز الكاتب بها والى قدرة لالتقاط المفارقات في المجتمع والتي غدت غير معقولة على مختلف المستويات..‏

ويعجبني من الكتاب الساخرين حسن يوسف وخطيب بدلة ونجم الدين السمان, ووليد معماري وحسيب كيالي وعزيز نيسين ودينوبوتزاني الايطالي وسرفانتس في دونكيشوت ومظفر أوغلو التركي..الخ‏

* أين تتحرك شخصيات قصصك.. أعني في أي زمان ومكان?‏

** تتحرك شخصياتي وتعيش في الزمن الحاضر بشكل عام في أحياء مدينة حمص الشعبية في شوارعها وأزقتها وقد أسميت المجموعة الأولى »نداء في ليل المدينة « كتعبير عن تحرك الشخصيات داخل مدينتي وفي ليل معنوي تعيش فيه .. وتظهر في قصصي صور الصف والمدرسة كوني كنت مدرساً لثلاثين عاماً وكذلك المقابر والدوائر الرسمية ومافيها من المشاكل والبيروقراطية والاهمال.. وألجأ أحياناً الى الرمز التاريخي فأختار زماناً محايداً وشخصيات رمزية كالملوك والأمراء والسلاطين كما في قصتي »الفرمانات الأخيرة لملك من العالم السفلي« وقصة »تكنولوجيا« .‏

 

* ماذا عن مشاريعك القادمة?‏

** لدي مجموعة قصصية قيد الطبع بعنوان »ولكنه ضحك كالبكاء« يغلب عليها طابع الأدب الساخر العميق.‏

* ‏ – جريدة العروبة الحمصية – الثلاثاء 20/2/2007

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *