الاثنين 1يناير 2024: هيئة التحرير وادارة موقع المجلة تبارك للجميع بحلول عام جديد متمنين لكم عاما مليئا بالخير والمحبة راجين من الله أن يعم السلام كل سورية ودمتم بخير ..  * 

“الحب العليل”في الأغنيةالعربية

صضثقص

 

 

 

VI )- “الحب العليل” أو ” الحب الخائف”:

 

هناك حقيقة ساطعة نحاول إخفاءها بالغربال وهي أن حرية التعبير في البلدان العربية رهينة باللغة المعبر بها: فالتعبير بلغة أجنبية هو الأكثر تحررا ويتربع على عرش المستفيدين من الحريات العامة، ودونه التعبير باللغة العربية الفصحى، وفي أسفل هرم الحريات ترزح اللهجات الدارجة المحلية ذات القاعدة العريضة.

فالمغني العربي، مثل الباحث أو الصحفي أو الكاتب العربي، يكون أكثر حرية حين يعبر بلغة أجنبية التي تعني في اللاوعي العربي” لغة الحرية” فتراه يتلخص من تشنجه ويرقص على إيقاع أغنيته التي قد يكون موضوعها” طابو” إذا ما أراد أداء ه بلغته العربية !… ونفس المغني تراه ينكمش وراء الميكروفون عند أداءه أغنية بلغته العربية الفصيحة مركزا على كل همة على أن يبدو جميلا ومبتسما ولو ضد مجرى النص الذي هو بصدد غنائه، ذاك النص الذي امتدت إليه الرقابات المتعددة الأشكال والمضامين لتختزله في نوع بئيس من الأغاني:”الحب العذري التجاري”. ومع ذلك، فالغناء بالفصحى أكثر حرية من الغناء بالعامية. فمجرد الإحساس بأن اللغة الفصحى هي لغة الشعر والغزل الراقي يلغي إشكالية”نوع” الحبيب(ة.(

لنلاحظ التغير الذي يطرأ على عبد الحليم حافظ كلما غير لغة النص الغنائي من الفصحى إلى العامية، ولنرصد العجز الذي يرافقه عند أدائه باللهجة العامية المصرية بحيث لا يستطيع مخاطبة الأنثى إلا كذكر:

 

1-)- عبد الحليم يغني قصيدة فصيحة:

 

الرفاق حائرون

يفكرون، يتساءلون

في جنون

“حبيبتي، أنا، من تكون؟”

 

2)- عبد الحليم يغني زجلا عاميا:

 

حبيبي، الله لسه حبيبي والله

وحبيبي، مهما تقسى حبيبي واله

وحبيبي، عمري ما نسى حبيبي والله

ابقى افتكرني، حاول تفتكرني

ذي ليالي عشناها

أبدا مش حانساها

 

قد يبدو الأمر صدفة من الصدف أو مزاجا غنائيا لدى مطرب واحد هو عبد الحليم، لكن الأمر يتكرر مع قمم غنائية أخرى: كاظم الساهر، عبد الهادي بلخياط،… فكاظم الساهر، من جهته، يبدو شجاعا حين يغني القصيدة العربية وأشعار نزار قباني: مدرسة الحب، اختاري، زيديني عشقا… ولكنه يعود لنسق الجبن العام حين يغني الزجل: باب الجار، مدلل، لك وحشة، ها حبيبي…ذ يتحول من عشق شجاع يتمرد على جماعته بإعلان حبه لامرأة يناديها “حبيبتي” إلى عاشق خائف يحذر نقمة جماعته عليها فيقبل بكل شيء حتى التخلي عن الحبيبة متغزلا بالذكورة… نفس الشيء بالنسبة لعبد الهادي بلخياط الذي بدأ مشواره الغنائي مع الموسيقار المتفرد عبد السلام عامر والقصيدة الشعرية فغنى قطعا شجاعة : ميعاد، حبيبتي… لكنه بعد وفاة عبد السلام عامر ارتد إلى النسق الغنائي العامي السائد وبدأ يغني أغاني عاطفية يتغزل فيها بالرجال وفي نيته التغزل بالنساء: ما تا قش بي (= لم يصدقني)، حبك محال، قطار الحياة، أمحبوبي، يا ذاك الإنسان…وكلها أغاني يتودد فيها المطرب الذكر بذكور في مجتمع ذكوري يلغي الأنوثة…

 

(VII- ” الحب العليل” في الأغنية العربية العامية:

 

بالإضافة إلى الجبن في إعلان المواقف، أو الجبن في إعلان امرأة من خلال اللجوء إلى الحب” الحب المثلي”… هناك تجل آخر من تجليات”الحب العليل” في الأغنية العامية العربية بحيث تصبح الحبيب(ة) أما على صورة:

 

1)- قريــب (ة):

 

أخوي اعملني من احبابك

لا تهجرني

راه قلبي بغاك ويبغيك

يا اخوي…

( غناء لطيفة رأفت)

 

2)- او غريـب (ة):

 

يا بنت الناس أنا فقيــر دراهم يومي معدودة

إنما عندي قلب كبــير بحر شطآنــه ممدودة

 

( غناء عبد الهادي بلخياط)

 

3)- أو خصم (ة) / عدو (ة):

 

كواني العدو، بلاني العدو شواني بهواه

كيف نعمل حتى ننساه

شوفوا حالي واحوالي من دون الناس

ها عار ربي يحد البأس

( أغنية شعبية مغربية )

 

إذا كانت الأغاني العاطفية لشعب من الشعوب تعتبر الحبيب (ة) إما كقريب أو كغريب أو كعدو، فأي حب هذا؟! الذي لا يغير الواقع ولا يتحدى التقاليد واي غد يحلم به هذا المجتمع والحب فيه غير فاعل؟ واي مفهوم للحب هذا لا يطابق فيه الحرية والتمرد والتغيير؟

 

ومما يزيد المشهد حيرة هو الإيقاع الراقص لأغان بئيسة تؤدى بإيماءات منشرحة لمغني يبتسم للجمهور ويطلب منه مصاحبته بالتصفيق على لازمة “العدو ” التي يقصد بها “الحبيبة”:

 

كواني العدو، بلاني العدو، شواني بهواه

كيف نعمل حتى ننساه

 

(VIII- ” الحب العليل من الشخصية العليلة:

 

الغناء تجل من تجليات طرق تقكير الشعوب وسلوكها، مخاوفها وآمالها، ذاكرتها وتطلعاتها… وحين ينجلي الغناء عن امراض في امراض وغموض في فموض فلا يمكن آنذاك فصل هذه الاشمال التعبيرية عن الواقع الذي انتجها:

 

هذا الغصن من تلك الشجرة

 

فمجتمع لا يستطيع الحب أن يذيب فوارق القرابة والقبلية، مجتمع تترادف فيه العداوة والحب، مجتمع يبقى فيه الحبيب دائما غريبا ” برانيا ” (” يا بنت الناس،” يا ذاك الإنسان” وهما أغنيتان لعبد الهادي بلخياط ) هو مجتمع غير ناضج فأغانيه تعكس ذالك من خلال عدة نماذج:

 

1)- التخلي عن تقرير المصير الفردي لفائدة أولياء الأمر:

 

العزوبية طالت علــي روحي اخطبي لـــي

 

واحــــــدة صبـــــــية

( غناء: صباح فخــري )

 

2)- عدم القدرة على مواجهة الحقيقة:

 

قولوا له، قولوا له الحقيقـــة قولوا له بحبه من أول دقيقــــــة

قولوا له بحبه ومتوهني حبه في بحوره القريبة، يا بوعيون بريئة

 

( غناء عبد الحليم حافظ )

 

3)- الاعتراف المطلق بالسلبية:

 

زوجني وشوف لي الزين

أوليدي

باش نحيي العظام كاملين

أوليدي.

( أغنية شعبية مغربية )

 

إن تشخيص أعراض الشعوب يمر عبر بوابة فنونها وثقافتها، وحدها الثقافة والفن تمتلك مفاتيح الحل والعقد في تعبيراتها المرضية الراهنة أو في إيحاءاتها الاستشرافية الغدوية.

 

-(IV تركيـب :

 

الأغنية سلاح ذو حدين قد تفيد في الرقي بالحياة إذا ما حضر الوعي بقيمتها وبأهمية رسالتها، وقد تفيد في فضح الفوضى والتسيب السائد في القطاع الفني وفي جميع مناحي الحياة الاجتماعية التي أنتجته.

الأغنية تجل من تجليات الكلمة . لكن لا ضامن لخلودها ودوامها غير مصداقيتها وقوتها الداخلية وطاقتها على الحرق والاحتراق. إنها الأداة التي بها نجهر مشاعرنا أو مواقفنا الفردية والجماعية. الأغنية رأي، والرأي كلمة، والكلمة نار والنار الضعيفة تطفئها الرياح

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

منقول

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *