الاثنين 1يناير 2024: هيئة التحرير وادارة موقع المجلة تبارك للجميع بحلول عام جديد متمنين لكم عاما مليئا بالخير والمحبة راجين من الله أن يعم السلام كل سورية ودمتم بخير ..  * 

محردة ودعت محفوض أيوب

142521_2012_10_16_11_04_53.image2

 

محردة ودعت ابنها الأديب محفوض أيوب… شغل منذ منتصف السبعينيات إدارة المكتبات المدرسية في مديرية تربية حماة، فعززت هذه المهمة صلاته القديمة بزملائه الكتاب والمثقفين، وفي مقدمتهم صديقاه الخصيصان سهيل عثمان وعبد الرزاق الأصفر، فأصبحت مجالسه معهما، ومع أمثالهما من حملة مشاعل الفكر والثقافة في ربوع العاصي رافداً طيباً من روافد العطاء والجمال، وجدت فيه منهلاً يرفد ظمئي المعرفي في تلك المرحلة من مراحل دراستي الجامعية، فلا ترفع على طالب يرغب في البحث عن أجوبة لأسئلته التي لا تنتهي، ولا تردد في إعارته الكتب التي تنمو أسرة أسمائها لحظة بعد لحظة…. بدأ محفوظ أيوب رحلته مع الكتابة منذ مرحلة الدراسة الثانوية في أواخر الأربعينات ومطلع الخمسينات، يستعيد صوته تلك الأيام لاهجاً بأسماء زملائه الطلبة الذين يشاركونه الاهتمام بالأدب والثقافة ومنهم علي الجندي وسعيد قندقجي وعاصم الجندي ، ومعتزاً بأسماء مدرسيه الذين فتحوا أمام عينيه نوافذ أغرته بالرحيل مع الحروف يوماً بعد يوم ، فراح يسافر في أجواء علوية ساحرة بأضوائها حتى كاد يخسر لغة الأرض التي يقف عليها ، إنه يذكر مدرسيه أيام دراسته الأولى في حماة ، عبد الكريم زهور عدي وقدري العمر وبهيج شمة وغيرهم ، فينطق أسماءهم مسكوناً بدهشة التلميذ القديم الذي كانه ذات يوم .
تخرج في قسم الدراسات الفلسفية والاجتماعية بجامعة دمشق ، وأسهمت محاضرات أساتذته الدكاترة عبد الكريم اليافي و بديع الكسم وعبد الله عبد الدايم وسامي الدروبي وغيرهم في إذكاء جذوة اهتماماته بالفكر القومي والثقافة الإنسانية التي بدأ يتلمس ضوءها على مقاعد الدراسة الثانوية من قبل .. وجاءت الأحداث السياسية الكبيرة التي شهدها الوطن العربي تلك الأيام لتؤثر في طبيعة صلته بالكتابة والأدب، العدوان الثلاثي على مصر، وقضية الجزائر، والوحدة العربية وقيام الجمهورية العربية المتحدة، جاء أدبه فيما بعد ليعكس أصداء ما عاينه في هذه المرحلة ، فصدرت روايته الأولى بعنوان “زهرة في قبر” عام 1969 ، وتلتها في العام التالي روايته الحوارية “بابل الخاطئة “، ثم صدر في مطلع السبعينات كتابه الثالث ” محاورات المساء “، يضم بين دفتيه مجموعة من القصص القصيرة الحوارية ، ثم صدرت روايته ” نبي نينوى” ، وهي الجزء الثاني من “بابل الخاطئة “، وفي منتصف السبعينيات صدر كتابه “حكمة من الشرق “، يضم تأملات فلسفية في الوجود والحياة، تلته في مطلع الثمانينيات روايته “الفاتح الأكبر” .. غلب على مؤلفاته التي صدرت منذ مطالع التسعينيات أسلوب التأملات الاجتماعية والفلسفية، حتى في كتبه السردية مثل روايته ” تدمر وروما ” التي تحاول مناقشة فكرية بين الشرق والغرب على جسور الأيام الأخيرة من حياة الملكة الزباء، بعد أن أسرها الرومان واقتادوها أسيرة إلى روما، وما رافق ذلك من تفاعلات ذات طوابع وطنية وسياسية واجتماعية .. إنها رواية تبحث عن قارئ وتبحث عن ناقد أيضاً… ينظر محفوظ أيوب إلى الشارع الهادئ المطل على داره في مدينته الصغيرة محردة ، وكأنه يبحث عن ذينك القارئ والناقد، ولا تراوده فكرة السفر إلى المدن الكبيرة مثل حلب أو دمشق أو بيروت…. كانت رؤاه الثقافية موضوعا لمناقشات طويلة في زياراتي المتكررة إلى منزله الهادئ في الواجهة الشرقية لمحردة… لم يلتفت محفوظ أيوب في خضم هذه الإصدارات المتلاحقة إلى مواقف الحركة النقدية منها، ولا بد من الاعتراف بأنها قوبلت بفتور واضح في بيئته الاجتماعية التي يعيش فيها، في محردة نفسها (على الرغم من التفاتات خجولة من الملحق الثقافي لنشرة الرعية)، وفي محافظة حماة،على الرغم من التقدير الشخصي الذي أحيط به المؤلف من زملائه الأدباء ولاسيما عبد الرزاق الأصفر ومحمد عدنان قيطاز، وهو لا يكترث عادة لمناقشة كهذه ، فهمه الأساس يرتبط بالدرجة الأولى بالقراءة والكتابة، لا يمل من محادثة زائريه في داره الريفية الجميلة في محردة عن كتاب جديد، أو مقالة صدرت له في مجلة “المعرفة ” أو صحيفة ” الأسبوع الأدبي ” أو غيرها………. طوال ثلاثين سنة خلت كان قاصدو دينة “محردة” للمشاركة في مناشطها الثقافية العامرة ، يسألون عنه غالبا، فتقفز صورة أديبها الوديع محفوظ أيوب إلى المخيلة مؤكدة بملامحها الطيبة البسيطة أن صاحبها سيكون حاضراً في قاعة المحاضرات الفارهة، غير مبال ببرد شتاء أو حر صيف، على الرغم مما يكابده من اعتلال صحي يتغلب عليه بالصبر والرجاء والإرادة، حتى كانت ساعة: وهي الآن حاضرة… أستاذ محفوض وداعا . …. ……………………………………………………………

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *