الاثنين 1يناير 2024: هيئة التحرير وادارة موقع المجلة تبارك للجميع بحلول عام جديد متمنين لكم عاما مليئا بالخير والمحبة راجين من الله أن يعم السلام كل سورية ودمتم بخير ..  * 

قصيدة الشاعر محمد عدنان قيطاز

566478678

 

– الشاعر محمد عدنان قيطاز من جيل الشعراء المعروفين في مدينة حماه أمثال : وجيه البارودي وعلي دمر وسعيد قندقجي وغيرهم من الراحلين , فقد صدر للشاعر قيطاز مجموعة شعرية بعنوان ” اللهب الأخضر “عام 1987 و(في ملكوت الحب) عام -1994 , و(أسفار ابن أيوب الحموي) عام 1998 ,و(وجهك المستبد) عام – 1999 . وله( جمع ودراسة لديوان الشاعر وحيد عبود )- عام 1986 , و(دراسة عن أسامة بن منقذ) عام 1998 . مازال الشاعر يقدم إبداعات أدبية في الشعر والدراسة أمد الله بعمره ذخرا للوطن .

– بين أيدينا قصيدة منشورة في جريدة الأسبوع الأدبي عدد /857/ تاريخ 10/5/2003 . لفتتْ انتباهي وهي بعنوان : ( اعتذار إلى صلاح الدين الأيوبي), وتعتبر هذه القصيدة صرخة عربية صادقة لتنبيه العرب إلى المخاطر التي تحيط بهم . وكأنها دعوة للتمثّل بفعل البطل صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين المعروفة . يقول في مطلع القصيدة :

– صلاح الدين معذرة إذا خلت المضامير

– ولم تنهد مذاكينا ولم ينهض مذاكير

– ونار الحرب لم تلهب ولم يسطع لنا نور

– ولم يخفق لنا علم على حطين منشور

– إن الشاعر يقدم الاعتذار للبطل صلاح الدين إذا فرغت ساحات القتال من المقاتلين وإذا لم تنطلق المذاكي ” الخيول ” وإذا لم ينهض المذاكير ” السيوف” وإذا لم تشتعل نار الحرب ولم تحمل راية النصر والنور كما حصل في الماضي في الحروب المجيدة كحطين , ثم انتقل الشاعر ليبين أسباب الكفاح ، وهناك أسباب وجيهة لذلك بيّنها في الأبيات :

– وبيت المقدس المذعو…….. ر تطويه الدياجير

– وفي الأقصى وصخرته ضلالات وتزوير

– وأسياف العلى صدئت وسيف الذل مشهور

– وفي أعماقنا خور على الأحداق مسطور

– وكم من عزمة شابت وكم شاخت مغاوير

– وفي هنّا وفي هينا لقد نام النواطير

– إذاً بيت المقدس أحاطه الظلام, وفي القدس وما يحيط بالمسجد الأقصى والصخرة امتلأ بالضلالة والتزوير . وسيوف العرب ذليلة ، وصدئت ، وفي أعماق النفوس الحيرة والدهشة لما يجري وقد شابت البطولات والعزائم وهرمت الفرسان, وقد نام حماة البلاد .

– وينتقل الشاعر إلى تقديم النتيجة من تلك المقدمة والعرض طالما أننا ابتعدنا عن الكفاح وسيوفنا شاخت ونام النواطير فالهزيمة حتمية لنا ,ويقول الشاعر :

– صلاح الدين من تهرم مواضيه فمد حور

– وللتحرير أبطال و للأبطال تحرير

– ومن لم يزحم الجلّى ستسفيه الأعاصير

– وفي التاريخ أمثال لمن أعياه التفكير

– ومن عجب أدانوني وذنب سواي مغفور

وفي النتيجة وجد الشاعر أن الذي تشيخ سيوفه فالهزيمة تنتظره وقد استخدم بذلك الشرط الجازم / من هرمت سيوفه فسوف ينهزم / ووضع عتبه على الشعب بما فيه من أبطال / وللتحرير أبطال / ووضع العتب على الحكام الذين لا يطلقون الأبطال / وللأبطال تحرير / ويقول أخيرا : التاريخ يقدم الأمثلة في هذا المجال والذي يريد الحقيقة, يسأل التاريخ ولا يتعب نفسه بالتفكير .

هذا ما أراده الشاعر محمد عدنان القيطاز, وهذه المعاني والأفكار التي قدمها للقارىء, وقد مرّ في الأدب العربي القصائد الكثيرة التي تدعو إلى يقظة العرب وما زلنا نتذكر قصيدة الشاعر ابراهيم اليازجي الذي قال بصوت ثائر ينطلق متحديا الاستبداد العثماني ، ويوقظ الغافلين باللوم والتقريع :

– تنبهوا واستفيقوا أيها العرب فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب

– فيم التعلل بالآمال تخدعكم وأنتم بين راحات القنا سلب

– ألفتم الهون حتى صار عندكم طبعا وبعض طباع المرء مكتسب

– ألستم من سطوا في الأرض واقتحموا شرقا وغربا وغزوا أينما ذهبوا

-إن المكونات النفسية والمشاعر العاطفية عند الشاعر قيطاز في هذه القصيدة قد حملي أفقا قوميا تجلّى في ثناياها الحزن على الوضع العربي صرخة الغضب لكي ينهض العرب أمام هذه التحديات وهي عاطفة صادقة وعميقة قد قدّمها الشاعر عبر التصوير التعبيري وعبر ألفاظ واضحة غير معجمية إلا أن هناك بعض المفردات تحتاج إلى معجم مثل كلمة : المذاكي : أي الخيول والمذاكير : أي السيوف والدياجير: الظلام والمضمار أو المضامير : ساحات السباق الجلّى : المعركة والسباق . وبشكل عام فالألفاظ سهلة وملائمة لغرض القصيدة ( نالا الحرب – لنا علم – سيف – تحرير —- الخ ) مع وجود بعض الألفاظ الجزلة ( خلت – يخفق – صخرته – أعماقنا —- ).

لقد اعتمد الشاعر التراكيب القصيرة وهي الغالبة في القصيدة ، ونوّع بين التراكيب الخبرية والإنشائية التي جاءت في صيغ النداء والنفي والتعجب . ووجدنا المتانة والقوة في تراكيب القصيدة حيث أدت المعنى الذي أراده الشاعر, ولم يستخدم الشاعر الكلمات الغامضة الرمزية, وهناك اهتمام بالزخارف في بعض الأبيات كالجناس الناقص بين المذاكي والمذاكيروبين النار والنور, وهناك طباق بين (أدانوني – مغفور) وقد جاءت التراكيب تقليدية وبعضها مبتكر بقوله(تطويه الدياجير – أعياه التفكير – تهرم مواضيه ).

– كانت الموسيقا في قصيدة الشاعر مستمدة من الإطار الخارجي للبحر حيث كان الشاعر يمتطي مجزوء الوافر (مفاعلتن – مفاعلتن ) ورويه الياء والراء المضمومة وتأتي الموسيقا الداخلية لتخلق انسجاما في الأبيات / ونار الحب لم تلهب / /وللتحرير أبطال – وللأبطال تحرير/ . ووزن المجزوء أعطى للقصيدة موسيقا ندب الميت والحزن, وخفّف من أنها صاخبة . ولاشك أن الشاعر عنده خصوبة في الخيال, فاعتمد الصور الحسية عبر الحركة في الأفعال ( خلت – تنهد – تنهض – تخفق – تطوي – صدئت – شابت – شاخت – نام – تهرم – أعيا – أدانوني ) وهناك الاستعارات المكنية والتصريحية قد خلقت لوحة جميلة ( خلت المضامير – تنهض المذاكير – يخفق علم – نطوي الدياجير – تهرم مواضيه – تسفيه الأعاصير) وكلها صور مبتكرة وبعضها تقليدية وهي منسجمة مع المعاني .

والقصيدة بشكل عام التي لا تتجاوز الستة عشر بيتاً قد كانت علامة بارزة في ابداع الشاعر محمد عدنان قيطاز الذي سمت قصائده العمودية في المجموعات الشعرية التي طبعها ورأيناه حاذقا قابضاً على الإيقاع والنغمة, وحتى قصائد التفعيلة قد استمدّت معينها من الإيقاع الكلاسيكي في إطار جمالي, وما قصيدته”اعتذار” هذه إلا دلالة على أن الشاعر ينهض بالأحلام النبيلة وهو غيور على الوطن, وخاصة ما يجري في فلسطين الحبيبة, وما حلّ بالعراق، وجاءت هذه القصيدة صرخة عربية مدوية لكي يستيقظ العرب, ويعلنوا الجهاد ضد الأعداء الذين يريدون قهر إرادتنا, وطمس تراثنا وإذلالنا .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *