الاثنين 1يناير 2024: هيئة التحرير وادارة موقع المجلة تبارك للجميع بحلول عام جديد متمنين لكم عاما مليئا بالخير والمحبة راجين من الله أن يعم السلام كل سورية ودمتم بخير ..  * 

تكريم المبدع الدكتور الشاعر وجيه البارودي

545

 

 

أنا حيٌّ بمنجزات نضالي وبشعري الذي يظلُّ طريا

 

وبطبي وخبرتي وبحبي سوف أبقى مخــــــــــلداً أبديـــــــاً

يعتبر الشاعر الدكتور وجيه البارودي من أبرز الشعراء العرب المعاصرين، المعبرين عن قضايا الوجود في معالجته لتأزمات الذات القومية و الوطنية ،حيث تبدو مصداقية الخطاب الشعري وبلاغة الأحاسيس و المشاعر في الدفاع عن الحقوق الإنسانية. ‏

ولد الشاعر وجيه البارودي في مدينة حماة عام (1906)، ودرس جميع المراحل التعليمية في الجامعة الأمريكية في بيروت و تخرج طبيباً في العام 1932.

طبع ديوانه الأول (بيني وبين الغواني) عام 1950، وأعاد طباعته مع بعض الإضافات عام 1971 ، وأصدر في العام نفسه ديوانه الثاني (كذا أنا)و ديوانه الثالث (سيد العشاق) عام 1944.

توفي ثلاثة من أبنائه في حياته، وتبدو المعالم الطبية متمثلة في سيرته الشخصية الجريئة الباعثة للتمرد والتقدم والانفتاح على حياة العصر، وفي إبداعاته الشعرية الناقدة للمفاسد و المساوئ و المعالم من أجل عيش أفضل . رحل البارودي في العام1996. ‏

وفي إطار التقليد الذي اتبعته وزارة الثقافة في تكريم الأدباء والمبدعين السوريين أقامت يومي 25و26 نيسان 2007 الندوة العربية النقدية التكريمية للمبدع الراحل وجيه البارودي بالتعاون مع مؤسسة البابطين للإبداع الشعري . بمشاركة عدد من الأدباء والنقاد العرب والسوريين. ‏

افتتحت الندوة أعمالها بعرض فيلم تسجيلي وثائقي عن حياة وجيه البارودي بعنوان «البارودي.. الإنسان والشاعر والطبيب» يستعرض بعضاً من حياته اليومية كطبيب وشاعر ملأ مدينة حماة حباً وفرحاً. ‏

يعكس وفاء الابن لأمه، واضح، شفاف حتى الإدهاش، صادق مع نفسه أولاً، ومع الناس ثانياً. ‏

ثم ألقى الدكتور ياسين الأيوبي كلمة المشاركين، أعرب فيها عن سعادته بالمشاركة في الندوة التي تعكس وفاء وزارة الثقافة لتكريم المبدعين الأدباء، حاملاً من لبنان، ومن كل سوسنة ونرجسة، ومن كل حصاة تسامر النهر في أعماق الأودية بطاقة حب إلى كل السوريين، متطلعاً إلى أن يتم تكريم الأدباء في حياتهم، وأن يكون عمل وزارة الثقافة في سورية رائداً في جميع الدول العربية لتكريم مبدعي هذه الأمة. ‏

أما كلمة مؤسسة البابطين فقد ألقاها الشاعر خالد عبد اللطيف الشايجي ممثل المؤسسة أشار فيها إلى شعوره بالفخر وهو يقف على تراب هذا البلد الذي أمدَّ نهر الشعر العربي في الغابر والحاضر، بروافد لا تزال مياهها تتدفق ويرتوي منها كل عشاق الشعر العربي. مشيراً إلى الشعراء عمر أبي ريشة، وبدوي الجبل ونزار قباني الذين أطلقوا الشعر في رحاب الواقع وفي وجدان العامة. مذكّراً أن الشاعر البارودي درس الطب في وقت كان فيه الأطباء العرب يُعدون على الأصابع، وكيف كوّن مع الشاعرين حافظ جميل، وإبراهيم طوقان عصبة شعرية فريدة جمعت بين الصداقة والشقاوة، وأطلقت في جو الدراسة الثقيل موجات من المرح والصفاء. ثم أشار الشاعر الشايجي إلى ميزات شعر البارودي، حيث ابتعد بالشعر عن التعقيد والتلاعب اللفظي، فكان الشعر لديه انبثاقاً عفوياً معبراً عن مشاعر من يجد في الحياة منحة لا جنايةً وسقوطاً، تتآزر فيه بساطة الحياة ودفئها وعمقها ، شعر يعكس بحدس البصيرة دخائل النفس ونوازعها وصبوتها، وفي الحب بوصلتها الوحيدة، ولذا استحق ـ كعنوان ديوانه الأخير ـ أن يكون سيد العشاق. ‏

ثم ألقى عبد الرزاق القطيني محافظ حماة كلمة راعي الندوة الدكتور رياض نعسان آغا وزير الثقافة، أكد فيها على أهمية انعقاد هذه الندوة خلال احتفالات مدينة حماة بمهرجان الربيع، هذه المدينة الخالدة التي تقف شامخة ، جميلة، تغنى بجمال بساتينها، وتدفق عاصيها، وأنين نواعيرها الشعراء فولدّت على صفحات أوراقهم قصائد شعرٍ تطير بأجنحة الخلود إلى جهات الدنيا. وكان البارودي واحداً من هؤلاء الشعراء، ظاهرة متميزة في طبه وسلوكه وشعره، وفن الحب لديه الذي وقف له مجمل شعره الغزير ، وكان الطبيب النفساني الذي يقرأ في فناجين العشاق، وربات الجمال مالا يستطيع الطب أن يصل إليه لولا ريشة الشاعر وخياله المجنح. ‏

وفي اليوم التالي بدأت الندوة أعمالها بالجلسة الأولى تحت عنوان: ‏

وجيه البارودي ومواقفه الاجتماعية و الفكرية و الأدبية ‏

تحدث فيها الدكتور محمد حسن عبد المحسن عن الجوانب التي وقف عليها البارودي في شعره فتناول قضية الأسرة وما تعانيه من متاعب ومشكلات كما تناول قضية تحرير المرأة وسفورها و تعليمها بشفافية وجدية، وكان إحساسه بالفقراء عظيماً ، ففضح أساليب الأغنياء و المتسلطين وحمّلهم المسؤولية وتجلت إنسانية البارودي الشاعر والطبيب في أسمى صورها حين وقف على قضية المرض، فقد أثاره رداءة الوضع الصحي في حماة وتفشي ظاهرة التداوي على أيدي المشعوذين، وإسرافه في النيل من مدينته إسراف الغيور المحب المطالب بالإصلاح . ‏

ورأى الباحث أن ثورة الشاعر وجيه البارودي على شكل القصيدة العربية ليست كاملة وإنما هي رغبة جامحة لمجرد تطوير بناء القصيدة لكنه ما استطاع التحرر من بعض عناصرها الموروثة وسماتها الأصلية فكان تجديده في مضمونه الشعري ـ عموماً ـ أكثر من شكله. ‏

وفي جانب آخر تحدث الدكتور راتب سكر عن الحرية في شعر البارودي حيث تشكل مكونا أساسياً في الرؤية الشعرية لقصائده مستعرضاً دواوين الشاعر (بيني وبين الغواني) و (وكذا أنا) مركزاً على الحرية الفردية وحرية المرأة وحرية الاعتقاد بينما يراه يركز في ديوانه الثالث (سيد العشاق) على موضوع الحب، وما يملكه من قدرة دلالية على تحوير الموضوعات المختلفة في لبوسه . ‏

ثم تحدث الأستاذ عبد الرزاق الأصفر عن حياة البارودي ومواقفه الاجتماعية والفكرية والأدبية ورأى أن هناك محورين شعريين استقطبا كل نتاجه الشعري : الأول المنحى الاجتماعي و الإصلاحي، والثاني المنحى الذاتي الذي يتضمن عاطفة الحب و العلاقة بالأنثى تلك العلاقة التي يريدها متطرفة إلى حد ما في الحرية و الحداثة على خلاف ما عهدناه في معظم أشعار الغزل العربي وأشار الأستاذ الأصفر إلى تأثر البارودي بالدعوات الحديثة لتحرير المرأة وبأشعار الحب القديم التي تتصف بالإخلاص و التوحيد في العشق والطهارة والكتمان من جهة، ومن جهة ثانية تنظر إلى الانطلاق و التحرر المتطرف، و بذلك كانت حياة البارودي تشخيصاً و تحقيقا لهذين المنحيين الشعريين ولذا اختلفت آراء المجتمع ومواقفه نحوه. ‏

التجديد الشعري و جماليته ومتناصاته في شعر البارودي ‏

وفي باب التجديد الشعري وجماليته ومتناصاته تحدثت د. رود خباز عن الإيقاع في شعر البارودي بتعاريفه المتنوعة (الموسيقا، الصوتي، اللفظي، النفسي،متطرقة إلى طريقة إلقاء الشعر وتفاعله مع شعره ثم دراسة الإيقاع من حيث بنيته الداخلية و الخارجية وملاحظة إيقاع نهايات القصائد وتموج الإيقاع ضمنها ودراسة بحور الشعر التي نظم عليها الشاعر و الضرورات الشعرية التي لجأ إليها الشاعر لاستقامة الوزن و دراسة الإيقاع الحركي واللوني الذي انطبعت به قصائده . ‏

في حين تحدث الأستاذ عصام شرتح عن مقومات الإثارة الشعرية في شعر البارودي، ورآها تبدت في شعرنة اللغة وشعرنة الحدث الواقعي البسيط أو المألوف وشعرنة التاريخ أو التراث و الإيقاع الداخلي ومزاوجاته اللفظية وشعرنة الصورة البسيطة المفردة و المركبة وأخيرا أشار الأستاذ شرتح إلى شعرنة الأسماء الزمانية والمكانية، واللون وظلاله المرئية واللامرئية. ‏

وتناول محمود حيدر ظاهرة غواية الصورة عند البارودي فمن يقرأ البارودي يمضي معه إلى حقله اللا متناهي، نرى معه ما لم نقدر على رؤيته في عتمتنا الجارية، وتبدو قصيدته كما رآها حيدر استعادة لنا من حروفنا الماضية وأيامنا المنصرمة، معه نسكن في غواية الصورة، ووقتنا وقت قصيدته، فما عدنا قادرين على المفارقة، وما عدنا نميز معه الحقيقة من المجاز ولا المجاز من الحقيقة، صارت اللغة كل الأشياء وما يرسل إلينا منه، حقيقته البالغة. ‏

وعرض الدكتور عبد الكريم الأشتر لمظاهر التجديد ومعانيه في شعر البارودي فهو لم يقع في جانب القياسي العروضي، إذ صاغ أكثرها، على مقتضيات القياس العروض الموروث في الشطرين. ففي دواوينه الثلاثة صيغ القدر الغالب من نصوصها على إيقاعات سريعة تتوافق مع استجابات لموجات الطاقة الموصولة مباشرة بما سماه «الاستعمال» الداخلي، وتخطى به درجة الحب إلى درجة العشق التي تكون مع بلوغ أقصى درجات الشهوة، بحيث لا يطفىء ضرامها إلا التحرش بالجسد. من هنا رأى الدكتور الأشتر أن البارودي كان يحسن الاستجابة لهذه الشهوة في اللحظات التي يجيش فيها بركانه الداخلي. وهذا ما اعتبره الأشتر تعبيراً عن تعبده لفتنة الخلق التي يبدو فيها معنى من معاني «معاني الخالق». ‏

القضايا والموضوعات والمضامين والنقد في شعر البارودي ‏

وعن لغة الخطاب الشعري في شعر البارودي تحدث الدكتور ياسين الأيوبي وهو لم يخرج في رؤيته عما ذكر من قبل حول علاقة البارودي بالمرأة ولغته الشعرية التي اتسمت بنسبة عالية من المباشرة والتقديرية حتى غدا حوارات يومية تتخاطب فيها العامة من الناس في مختلف المناسبات. ‏

وفي منحى آخر تحدث الدكتور عمر الدقاق عن النرجسية والأبيقورية في غزل البارودي معتبراً إياه شاعراً متفرداً فقلما نجد شاعراً تتجلى منازعه وهواجسه في قصائده إلى هذا المدى من العفوية والطرافة والحرارة. ‏

كل ذلك جعله شاعراً نرجسياً أبيقورياً منذ يفاعته في بواكير أشعاره حتى سائر قصائده خلال أطوار حياته المديدة وعطائه المتصاعد المعجب. ‏

واهتم الدكتور عبد الله أبو هيف بالدراسات النقدية حول شعرية البارودي فأشار إلى أن النقد الأدبي تناول شعر البارودي بجوانب ثلاثة الأول: سيرته الشخصية من التنشئة إلى التكونات والمواقف في حياته الاجتماعية والنفسية تعبيراً عن الوعي بالذات العامة والخاصة ومشكلاتها وإشكالياتها المتعددة، والثاني: القضايا الاجتماعية والإنسانية والفكرية والأدبية في تشكلات إبداعه الشعري نداء للكرامة والحرية وسلامة الواقع المعيش، والثالث: التحديث الشعري وتجديده في مجالاته المختلفة. ‏

اختتمت الندوة أعمالها بأمسية شعرية شارك فيها كلٌّ من الشعراء رضا رجب ، ومحمد منذر لطفي، وشوقي بغدادي، وممثل مؤسسة البابطين الشاعر خالد عبد اللطيف الشايجي، ألقوا قصائدهم المستوحاة من روح المناسبة ، فكانت تعبيراً عما يختلج في قلوبهم من مشاعر الحب والوفاء، وكانت قصيدة الشاعر شوقي بغدادي «موت النهر» أصدق تعبير وهو القائل: ‏

هل النواعيرُ مَنْ يبكي أم النهَر وليس في النهْر إلاّ الوحل والقذرُ ‏

كأنه مات لمّا مات شاعره وغاب من بعده السُمّارُ والسَمرُ ‏

فكيف آتيك والدنيا مُودّعة وحفرتي أتقرّاها وأنتظرُ ‏

وكنتُ حين أزور النهر تحملني طوّافةُ منك تعلو بي وتنحدرُ ‏

أرى عليها طبيباً ضاحكاً أبداً وشاعراً كنسيم الروح ينتشرُ ‏

وأُبصرُ الأرضَ من تحتي مُلوّنةً وألمسُ الكونَ أُدنيه وأحتبرُ ‏

وأنت فيها جميعاً ماثِلُ أبداً كأن كلّ حماةٍ فيك تُختَصَرُ ‏

لا لست أرثيكَ بل أرثي المسَّرة لم تجدْ وريثاً وأنعي الحلم ينكسِرُ ‏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *