لقاء مع الشاعر والأديب والفنان مصطفى صمودي

by tone | 26 فبراير, 2014 10:34 م

45645[1]

ثقافة

الأربعاء: 21-9-2011

مصطفى صمودي متعدد المواهب والاهتمامات.فهو شاعرٌ وباحثٌ وموسيقيٌ وكاتبٌ ومخرج مسرحيٌ. بدأ بالنهل الثقافيّ والفنيّ منذ صغره.شغل مواقع ثقافية وإدارية هامة.عمل معاوناً لمدير المركز الثقافي بحماة ثم مديراً له ثم مديراً للثقافة وهو عضو جمعية المسرح في اتحاد الكتاب العرب يكتب في الصحف والدوريات والمجلات السورية والعربية نشر العديد من الكتب في أكثر من جنس أدبي.فعلى صعيد البحوث والدراسات كان عنوان آخر كتاب له (اليهود في التوراة والتلمود) وعلى صعيد الشعر كان آخرها ديوان (من عليها السلام) وعلى صعيد المسرح كان آخرها مسرحية (شيطانسان) طباعة اتحاد الكتاب العرب.شارك في العديد من المهرجانات على الصعيدين الثقافي والفني بسائر تفرّعاتهما ومُحكماً في بعض المهرجانات الفنية والأدبية،فكان لنا معه اللقاء التالي:

دعنا نبدأ معك من المسرح:بأيّ كاتب من الكتاب المسرحيين تأثرت في بدايات كتاباتك المسرحية؟‏

عندما يبدأ المرء بقراءة كتاب ما لا على التعيين،يجد أن هناك كتاباً يجذبه إليه ويمسك بتلابيبه ولا يستطيع تركه حتى ينتهي من قراءته . وهناك كتاب ما أن تبدأ بقراءته حتى ينتابك الملل منذ الصفحات الأولى.وإذا تابعته مضطراً فإن موضوعه يمرّ على ذاكرتك مرور الماء على أرض مطليّة بالزيت.من هذا المنطلق أقول لقد تأثرت بكل نص مسرحي جيد سواء أكان مؤلفه مشهوراً أو مغموراً،محلياً أو عربياً أو عالمياً.وكلنا يعلم أن مراحل الإبداع أربع (التثقيف-الكمون-بدور الفكرة-تحقيقها) لذا فإنّ كلّ ما يقرؤه المرء يسكن في شواطئ لا شعوره ليظهر في كتاباته من غير أن يدرك أنّ هذا من مدرسة الكاتب فلان؟ أو فلان..؟‏

بمن تأثرت من الشعراء؟‏

الجواب السابق على ما أعتقد كافٍ للرد على هذا السؤال أيضاً مضيفاً إليه تأثري بعض الشيء بـنزار قباني الذي أسرنا في يفاعتنا (قرّاءاً وكُتَّاباً) إلا أنني انفلت سريعاً من مساره من خلال قراءاتي الكثيرة المتنوعة التي أمدتني بذخيرة معرفية وثقافية وشعرية معترفاً بما للشعر الصوفي من تأثير في كتاباتي بعامة حيث يمكنك أن تجد كثيراً من المصطلحات الصوفية المتناثرة بين ثنايا شعري بطريقة عفوية، مثل /الكشف/, /عالم الذرّ/ وغير ذلك.ولئن دلّ ذلك على شيء فإنما يدل على انجذابي إلى هذا الشعر المحبب إلى قلبي والقريب من نفسي إلى حدود التماهي.‏

أيهما أسبق بالنسبة إليك الشعر أم المسرح؟‏

الأسبقية في الزمن لا تعني الأسبقية في الإبداع.هذا أولاً.ثانياً الشعر فرديُّ على صعيد /التأليف والأداء/ ويرتدّ على الشاعر-وحده-نتيجة ما كتب أو ما ألقى سلباً أو إيجاباً.أما المسرح فهو عملُ جماعي بكل ما تحويه الكلمة من معنى.فيه المؤلف والمخرج والممثلون واللغات السمعية والبصرية الخ..فإذا تعثر فريق ما فإن تعثره لا بد وأن يؤثر على الفريق الآخر المشارك معه في العمل.ولهذا السبب وغيره فقد كان الشعر أسبق في دخولي إليه من المسرح لأني كنت أسمِع بعض أصدقائي وبعض المهتمين ما أكتب من الشعر .أمّا المسرح فكان دخولي إلى عالمه بطريق المصادفة وكان ذلك بعد أن انتسبت إلى نادي الفارابي بحماة لأتعلم الموسيقى فسألني أحدهم هل تلعب الورق؟ قلت له: لا أعرف.ثم سألني هل تلعب طاولة الزهر؟قلت له:لا أعرف.أجاب: ماذا تعرف إذاً؟قلت له أنا أكتب الشعر.وبعد أن أسمعتهم بعضاً من شعري طلبوا مني بإلحاح أن أشترك معهم في تمثيل مسرحية سيقدمها النادي.قلت لهم:‏

لم أمثل في حياتي أي دور. وكان يسمع حديثنا مخرج العمل الذي سيقّدمه النادي وقد اكتشف إمكانيتي التمثيلية-كما قال لي-من خلال إلقائي لقصيدتي.فأسند إليّ دوراً لا بأس به. وعندما انتهت المسرحية قال لي هذا المخرج بالحرف الواحد: أنت موهوب ومستقبلك المسرحي باهر كممثل إذا تابعت.ثم كتبت الصحف المحلية عن المسرحية بعد عرضها وكانت عبارات الثناء تخصّني أكثر من غيري من بين سائر فريق العمل المسرحي مما أعطاني دافعاً آخر للاستمرار ليس من مبدأ /والغواني يغرّهنّ الثناء/ بل من مبدأ التّيموس الأفلاطوني (أيْ أن تعرف أنت من خلال الغير لا من خلال ذاتك فقط) وعندما احتضنت وزارة الثقافة في القطر العربي السوري في أوائل السبعينيات مهرجان الهواة المسرحي شاركت فيه على مدى ثلاث سنوات وكتبت الصحف والمجلات المحلية عن أدائي المتميّز كما كتبت أيضاً مجلة الصياد اللبنانية واصفة إيّاي بقولها(وجه سينمائي متميز).‏

ما هو أول ديوان شعر طبع لك؟‏

‎طبعت أول ديوان لي وأنا في الصف الثالث الثانوي أي قبل حصولي على البكلوريا وهذا يعني أن الشعر الذي حواه هذا الديوان كان قبل ذلك السن وتظهر رومانسية الديوان من خلال عنوانه((شموع الذكريات)) لكن أساتذتي وبخاصة أستاذ مادة اللغة العربية شك في أن شعر هذا الديوان لي،ولم يصدق إلا بعد أمرين اثنين إذ طلب مني أن أكتب لهم موضوعاً إنشائياًّ حدّده لي عنوانه فجئته في اليوم التالي بموضوع كتبته بأكثر من خمسة عشرة صفحة فأعجب بأسلوبي إعجاباً كبيراً ثم طلب مني أن أكتب له قصيدة في موضوع حدّده لي أيضاً فجئته في اليوم التالي بالمطلوب بعدها أيقن أن الشعر الذي يحتويه الديوان هو من نظمي.حينها شّد على يدي وبدأ يرعاني ويشجعني شريطة أن أكون أكثر إبداعاً في ديواني الثاني.‏

ما هي أول مسرحية كتبتها؟‏

‎أول مسرحية كان عنوانها((أغنية البحر)) وقد حاولت إخراجها لكلية الآداب بدمشق ‎يوم كنت طالباً فيها وكان من بين أصدقائي الذين كانوا سيشاركون معي في العمل حينها الفنان الأستاذ غسان مسعود الذي صار نجماً مرموقاً في الدراما العربية وكان سيمثل في مسرحيتي دور كليب.ومنهم أيضاً الأستاذ جمال الجيش الذي صار مذيعاً متميزاً في التلفزيون العربي السوري بدمشق.ولم يتسنّ لي إخراج هذه المسرحية لكثرة عدد ممثليها فاستبدلتها بأخرى.ثم عدت وأخرجت مسرحية أغنية البحر لنادي الفارابي وقد لاقى عرضها قبولاً حسناً من سائر المتفرجين والمهتمين والمتخصصين.ثم قام بإخراج هذه المسرحية /إذاعياً/ صديقي الفنان /لؤي عيادة/ وقد شارك في أدائها نخبة من الممثلين السوريين المتميّزين.وآخر مسرحية عرضت لي كانت مسرحية الشريط طباعة اتحاد الكتاب قدّمتها فرقة فنية ليبية في مهرجان دمشق المسرحي.‏

‎في مدينتك معالم ثقافية وآثارية وسياحية وتاريخية ملهمة.ما هي تأثيرات هذه المعالم على كتاباتك؟‏

‎قد لا تجد ذلك مذكوراً بصريح العبارة، إلا أن جلّ كتاباتي تجد في طياتها ذكر هذه المعالم عرضاً، كيف لا والإنسان ابن بيئته كما يقولون.وتجد التصريح عن هذه المعالم في كتاباتي إذا كانت هناك ندوة مخصصة لذلك. أما التصريح الحقيقي فتجده بشكل واضح من خلال ذكري لكلِّ من العاصي والنواعير ولا غرو في ذلك فحماة تحمل نعوتاً يمكن أن تكون بديلة عن اسمها الحقيقي منها مدينة أبي الفداء-مدينة العاصي-مدينة النواعير.‏

ـ موضوع الموسيقى لم تحدثنا عنه؟أين درستها وهل مازلت تتابع العزف؟‏

‎الموسيقى لم أدرسها أكاديميّاً بل تعلمتها على يد أستاذ متخصص شأني في ذلك شأن سائر الذين تعلموا الموسيقى.وتعلمت أول ما تعلمت العزف على العود ثم بدأت بجهدٍ شخصي بتعلم العزف على بقية الآلات الموسيقية /كمان-قانون-أكورديون-أورغ-غيتار-الخ…/ومازلت أعزف بين مجموعة من الأصدقاء للترويح عن نفسي وعن أنفسهم وبخاصة بعد أن أقرأ قراءة تستمر لأكثر من خمس ساعات متتالية مثلاً.فأنا أقرأ يومياً بحدود سبع ساعات على الأقل وما يميزني في هذا الجانب ليس العزف قدر ما يميزني التلحين فلقد لحنت أكثر من مئة أغنية وقد سُرقت بعض أغنياتي /تأليفاً ولحناً/ ومنها أغنية لحظه بقربك غناها المطرب علي عياش وسجلها في مطاعم الريان بدمشق مُدَّعياً أنها من تأليفه وتلحينه وحتى الآن لا أعرف كيف وصلت إليه هذه الأغنية.‏

‎ولا أعرف أين يقطن ولم أستطع الادعاء عليه لأعيد الحق إلى نصابه لأني لم أسجلها باسمي لتكون حقوقي محفوظة.‏

ذكرت أن مجلة الصياد اللبنانية كتبت أنك وجه سينمائي, فهل حصلت على جوائز في المجال الذي عملت به؟‏

‎الجائزة ليست مقياساً لجودة العمل لكنها في المقابل مؤشر على أن العمل يتمتع ـ على الأقل ـ بالحد الأدنى من الحد الأعلى من الجمالية وبخاصة وأن الإبداعات الثقافية والفنية تخضع للذائقة مثلما تخضع للمعايير , وأن أحجم عن ذكر الجوائز التي حصلت عليها خجلاً لكن من مبدأ (وإما بنعمة ربك فحدث) أقول : لقد حصلت على صعيد المسرح على أكثر من جائزة تأليفاً وتمثيلاً وإخراجاً محلياً وقطرياً ومنها جائزة مجلة الأسبوع الأدبي كما حصلت على جوائز عديدة في الشعر محلياً وقطرياً وعربياً أيضاً؟‏

‎وحصلت موسيقياً على صعيد (تأليف وتلحين الأغاني) على العديد من الجوائز وقد شكلت فرقة للأغنية السياسية وقدمت باسم هذه الفرقة حفلات كثيرة في سائر أرجاء القطر, وفي بعض المراكز العربية (كلبنان) وبعض المراكز الثقافية الأجنبية (كالمركز الثقافي الألماني , وكل الأغاني التي قدمت كانت تأليفي ولحني).‏

ـ مصطفى صمودي يتمتع بروح الدعابة التي تقارب الشخصية الحمصية ما سر ذلك؟.‏

‎الطفل يصور ولا يحلل ولو أنه حلل لما استطاع أن يعيش طفولته ولا يفاعته بالشكل الذي يجب أن يعيشها.. كانوا يقولون لي ماتقوله لي أنت الآن منذ كنت صغيراً.. فشخصية الإنسان (بيولوجية, وسيكولوجية) فطرة من الخالق جلّ وعلا, وهكذا فطرت بحيث إذا كنت في مكان ما ووجدت ـ بجانبي أو بعيداً عني ـ شخصاً خفيف الدم والظل يستهويني على الفور من مبدأ الحديث الشريف : (الأرواح جنود مجندة).‏

‎أما إذا وجدت بجانبي (شخصاً عبوساً كمقطريراً) أمجه وأحس أن جبلاً يجثم فوق صدري.. ألم يقل الرسول الكريم محمد (ص):‏

‎(روّحوا القلوب ساعة بعد ساعة فإن القلوب إذا كلّت عميت)؟.‏

‎ألم يقل أيضاً : (يدخل عثمان الجنة ضاحكاً لأنه كان يضحكني).‏

‎والنظر إلى الضحك والبكاء والفرح والحزن يخضع لسياسة (الكأس نصف الفارغة) فالمتفائلون الضاحكون ـ وأرجو أن أكون منهم ـ يرون أن النصف مازال مليئاً والأمل لا محالة قادم..‏

أما المتجهمون العابسون فإنهم يرون أن النصف قد انتهى والآن أوان الذبول, فـ (يوحنا وشمعون) اللذين كانا من حواريي السيد المسيح عليه السلام خير مثال على ذلك..فيوحنا كان يميل إلى الضحك والفرح وشمعون كان يميل إلى الحزن والبكاء.‏

‎قال شمعون ليوحنا مستنكراً ضحكاته وابتساماته : (ما أكثر ضحكك؟! كأنك قد فرغت من عملك!) أجابه يوحنا مبتسماً : (وأنت ما أكثر بكاءك!! كأنك قد يئست من ربك!).‏

‎بأي نوع فني أو أدبي تحب أن تختم هذا اللقاء؟‏

‎أرى أن الجواب يحدده سؤالك إذا لايمكن أن أختمه بمسرحية ولا بمقطوعة موسيقية لذا فإني مضطر إلى أن أختمه بقصيدة عنوانها (غربة الكتاب) إذ كلما استعرت من مكتبة المركز الثقافي كتباً لأقرأها أجد بعضها يأكله الغبار وبعضها الآخر ملتصق الأوراق لم يفتح على الرغم من مرور السنين العجاف على وضع هذه الكتب في المكتبة فتصيبني هزة محمومة لأقول باسم المثقفين والكتاب, وأخص بذلك القراءة السمحة التي تحدث عنها (د. طه حسين) لا الكتب المفروضة عليها في المناهج الدراسية.‏

‎أقول :‏

هذا المسجّى.. لم يزل بعد المرجى‏

‎قابعٌ في كهفه المهجور خلف السور رعّافُ الألم‏

‎هذا كتاب.. مطفأ الصفحات مجّ غباره‏

‎من نوره هلّت تباشير الأمم‏

‎أحلامهُ ارتحلت ونبض وجيعه أنات مزمور السقم‏

‎هذا الحسير المتهم‏

‎لبس الهزال شبابه.. خذلته غربته‏

‎توجّس خيفة.. أفعى يُحارب موته‏

‎أوراقه الشلاء من لحم ودم‏

‎حين امّحى وجه الضحى عن وجهه‏

‎والمعرفي انزاح عن أعلى القمم‏

‎شابت حروف قصائدي.. وانسل من عمري غدي‏

‎شيّعت أزمنة الولادة والريادة.. وانحنى ظهر القلم‏

‎لجلاله.. لكماله (واهت) ملائكة الحرم‏

‎يا غربة الكتاب والكلمات.. في عصر المتاهة والعدم..!‏

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

Endnotes:
  1. [Image]: http://kfarbou-magazine.com/wp-content/uploads/45645.jpg

Source URL: https://kfarbou-magazine.com/issue/6672