الاثنين 1يناير 2024: هيئة التحرير وادارة موقع المجلة تبارك للجميع بحلول عام جديد متمنين لكم عاما مليئا بالخير والمحبة راجين من الله أن يعم السلام كل سورية ودمتم بخير ..  * 

تأمل في الصمت…

images

 

يا له من متعجرف, على شو شايف حالو, معقد, ما بيتحكى, مغرور……. كلمات يسمعها كثير من الأشخاص الذين بلغوا من الحكمة ما بلغوه لمجرد أنهم يميلون الى قلة الكلام و يبتعدون عن الثرثرة التي باعتقادهم على الأقل لا تجدي نفعا و لا تغني من جوع و تراهم ان تكلموا فان كلامهم يكون في المكان و الزمان المناسبين و لكل كلمة يقولونها حينها معان و تحمل حلولا و عبرا لمن يريد أن يتعظ
فما سبب ميل الحكماء الى الصمت و هل كل انسان صامت يعني أنه حكيم و هل الصمت هو الحل دائما….؟!
ان الانسان الطبيعي برأيي يجب أن يسير الى الصمت و قلة الكلام كلما تقدمت به السنون و قطع أشواطا جديدة في مدرسة الحياة, فالخبرات المتراكمة و التعلم المتواصل المتراكم توصل ذوي “العقول الحية” الى خلاصات توفر الكثير الكثير من الكلام و الأخذ و الرد و الجدل فكم نسمع بأن فلانا “كلمته ميزان” و أنه ان تكلم أفحم و ساد منطقه على منطق الكثيرين بالعقل و الاقناع و حتى في صمته تجد حكمة و جواباً في كثير من الأحيان, و تجده لا يصغي و لا يؤمن بالكلام بل معياره النوايا و الأفعال “و هذا منطق” يدعمه الانجيل المقدس حيث نجد تركيزاً على الأفعال لا الأقوال «لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ”.
يعي هؤلاء الحكماء تأثير الكلمة فكم يجرحنا كثير من الناس بكلامهم سواء عن قصد أو عن غير قصد و منهم من ينبغي أن يكون حاسباً و وازناً لكل كلمة يقولها بحكم أنه “انسان متعلم” أو أنه يدعي الحكمة على الأقل, فالكلام في كثير من الأحيان نجده أشد وطأة على النفوس و فيها من كل أسلحة الأرض فمن منا لم يسمع أشخاصاً في مواقف معينة يقولون: ” يا ليتني متُّ ألف ميتة قبل أن أسمع هذا الكلام”, هنا يحضرني قول أحد الشعراء:
وَقَدْ يُرْجَى لِجُرْحِ السَّيْف بُرْءٌ … وَجُرْحُ الَّدهْرِ مَا جَرَحَ اللَّسانُ…
فكم نجد من تطبيقات لهذا البيت سواء في علاقات الصداقة و علاقات الزواج و في كل أنواع العلاقات, و من هذا المنطلق نجد أن هؤلاء الحكماء الميالين الى الصمت هم على حق و أننا يجب أن نتمثل بهم و نصغي الى صمتهم و نتعلم منهم تطبيق أهم درس في هذا الموضوع و الذي يلخصه ربنا يسوع المسيح بقوله: “«لَيْسَ مَا يَدْخُلُ الْفَمَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ، بَلْ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ هذَا يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ».
لا أريد هنا أن أمتدح الصمت بشكل مطلق و أن أسوق الأمثال الكثيرة التي قيلت فيه و التي يمكن لأي شخص أن يجدها على شبكة الانترنت و على جدران المدارس و على يافطات سيارات الأجرة… و انما أود أن أؤكد و أسلط الضوء –من وجهة نظري- على حيثيات التطبيق و أحاول قدر المستطاع اقناع الناس بجدوى التطبيق و صوابيته بعيداً عن العبارات العمياء التي أصبح الناس يقرؤونها فقط و هيهات منهم التطبيق فالكلام المجرد لم يعد يكفي فلا بد من آلية تخاطب بها القناعة الداخلية لكل انسان في زمن يتنكر الانسان فيه حتى لنفسه .
ان ما ذكرته أيضا لا يعني أنه دعوة مطلقة للصمت بالمعنى الانطوائي المَرَضِيْ فالفاصل بين الجنون و العظمة ما هو الا شعرة بسيطة فيجب أن نميز بين الانسان العاقل الميال الى الصمت و بين الانسان الانطوائي الذي كلنا نعلم هنا أنه مرض كغيره من الأمراض النفسية و تجب معالجته, فكما أؤكد دائما أن المفاهيم المجردة تنطوي على تعقيدات كبيرة فالكلام للأسف غير قادر دائما على ايصال الأفكار بكافة أبعادها و لكن يبقى الانسان و كيفية تلقيه و خلفياته و ثقافته هي المعيار الذي يحكم التطبيق الفعلي للأفكار فلا بد من “الموضوعية” هنا و التي يتطلب الحديث عنها مقالات و أبحاث.
ان الصمت برأيي يبقى أيضا سلاح ذو حدين و خاصة ان استخدمه انسان يدعي الحكمة و أمثالهم كثيرون فكم من أشخاص عارفين بمحدودية تفكيرهم يختبئون خلف “صمتهم الغبي” و هم ان نطقوا فانهم ينطقون بعبارات ضبابية لا دليل لها و في أحسن الأحوال باقتباسات في غير محلها مصدقين أنفسهم و معتبرين أنها ضرب من ضروب الفلسفة العظيمة التي ينشدون بها مجداً من غير استحقاق و لا خلفية و هنا تكمن المصيبة ان غُشَّ بهم و لو نسبة قليلة من الناس, و هنا أدعوا الجميع مرة أخرى أن يعتبروا بالأفعال و السيرة الحسنة لا بالأقوال, فالأفعال هي أبلغ متحدث و أكثرهم مصداقية, و بهذا المعيار تبان السنابل الملآى و تأخذ السنابل الفارغات منها مكانها الطبيعي “مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ. هَلْ يَجْتَنُونَ مِنَ الشَّوْكِ عِنَبًا، أَوْ مِنَ الْحَسَكِ تِينًا؟”

motabea000@hotmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *