الاثنين 1يناير 2024: هيئة التحرير وادارة موقع المجلة تبارك للجميع بحلول عام جديد متمنين لكم عاما مليئا بالخير والمحبة راجين من الله أن يعم السلام كل سورية ودمتم بخير ..  * 

انبعاث وإسقاط أسطورة كرونوس على الواقع في مسرحية للأديب مصطفى صمودي

1235041_162831157251345_640312684_n

 

صدر للكاتب المسرحي مصطفى صمودي مسرحية جديدة بعنوان «كرونوس والتيتانوس» عن اتحاد الكتّاب العرب في دمشق 2006م وقد رفد الكاتب المسرحية بمقدمة نثرية تحدث فيها عن تبني الأسطورة من أجل إبداع نص مسرحي.

وتحدث كيف تتم الأمانة العلمية، إذا وجّه الأسطورة كما يريد أو تركها كما هي، وطرح مسألة ثانية عن تصوّر المخرج للحالة عند نقلها إلى المسرح وأورد بعض الآراء النقدية في ذلك، ثم أتى على ذكر ماقالته الموسوعات والمعاجم عن أبطال الأسطورة. – يقول في ذلك «إن كرونوس هو أصغر المردة الذين ولدتهم «جيا» من أورانوس وقد خلع أباه من حكم العالم وخصاه بمنجله، وحل محله وتزوج أخته، وللمحافظة على سلطانه عقد تحالفاً مع سائر المردة الذين اشترطوا عليه ألا يبقى أحداً من ذريته فأخذ يلتهم كل أولاده وبناته حتى لاينازعوه على السلطة في المستقبل، وأخيراً ولدت زوجته «رييا» زيوس فأبعدته إلى جزيرة كريت وقدمت لأبيه مكانه حجراً ملفوفاً بالأقمطة فابتلعه، وعندما شب زيوس تغلب على أبيه وأجبره على أن يعيد إخوته الذين ابتلعهم ثم تعاون معهم على سحق المردة حلفاء والده وأصبح كبير الآلهة وأصبح بتأثير الديانة الأورفية إلهاً عادلاً وحكيماً للعصر الذهبي. – أما اسم التيتانوس يطلق على أبناء أورانوس، وهم ستة ذكور وست بنات عندما استفحل أمرهم ألقاهم والدهم في أعماق الجحيم، فتآمرت زوجته مع أبنائها ضده فخصوه وأجبروه على التخلي عن العرش وحكموا بدلاً منه بقيادة كرونوس الذي نجا ابنه زيوس. – في المشهد الأول من المسرحية تحاول أن تعرف «ريا» زوجة كرونوس سر اللغز في الهم الذي يحيط بزوجها والتفكير العميق عنده والشرود، وهو لايبوح به، وعبر محاولاتها من خلال الغنج والدلال والأسئلة والتلميح لاتستطيع إلا معرفة أن هناك اجتماعاً ولاتكون هي موجودة فيه، وهذا الاجتماع مهم وزوجها مشغول البال بالتيتانوس. – وفي المشهد الثاني طلب التيتانوس من كرونوس المشاركة في الحكم ويظهر التيتانوس الأول الدبلوماسي والمحنك والداهية والمساير والذكي والصبور واللسان المرضي والمعسول، بينما كان التيتانوس الثالث صدامياً متحدياً هجومياً يهدد بالمعارضة وبالمطر، ودار الحوار بين أخذ ورد ولين وقسوة حتى أخذوا وعداً وعهداً بالمشاركة بحكم السماء والأرض، وتوزعوا السلطة التنفيذية، واشترطوا عليه أن يبتلع أولاده، وكان الشرط بصيغة الرجاء وأغروه بواحدية حكمه والجميع جاثون على ركبهم والتيتانوس الأول يقول: «هل يرضيك هذا الخضوع يامولانا؟ ولاداعي لأن أذكرك بمن قتل أباك. وأظهر الكاتب أن كرونوس في سرّه يريد ابتلاع أولاده، وهنا طلبوا منه صكاً موقعاً بقتل أولاده فور ولادتهم. – وفي المشهد الرابع هناك المكابدات الأولية للأم وكيف يكون حالها والأب يلتهم الابن، تحدث الكاتب عن عذابها ونحيبها المستمر عبر مشهد في الحديقة العامة تتحدث عن مصيبتها للجارية ويراها الحراس، وتشرح للجارية كرهها للقصر. – وفي المشهد الخامس تكون المفاجأة فكرونوس عنده عين رجل اسمه كاروس «رجل أمن- مخبر» والتيتانوس عنده عين اسمه تاروس وكلاهما يراقبان بعضهما بعضاً ويريد كل واحد معرفة المعلومات عن الآخر، والوسيلة لذلك بائع الورد في الحديقة، وبائع الورد ذكي استطاع استغلال الاثنين والضحك عليهما مقابل المال الذي أخذه من الاثنين، حدثهم عن الورد ومزاياه وخاصة قوله: إنه يقدم هدية في النقيضين معاً في الفرح وفي الحزن، وهذا يدل على أن الحرب غير علنية بين كرونوس والتيتانوس. – وفي المشهد السادس يتحول بنا الكاتب إلى حديث الشعب حيث هناك في الحديقة اثنان من الشعب ينتظران السيد الحكيم ممثل الشعب، ويصل عندها بائع الورد الذي أصبح عيناً للخصمين يحاول أن يجر الاثنين للحديث عما يجري بين الخصمين، ولكن تصنّعان أنهما ثملان وأبلهان، وفهم بائع الورد ذلك، ثم يصل الكهل الملهوف والخائف يشرح مشهداً للظلم، ثم يأتي السيد الحكيم ويشرح كيف كلما ابتلع كرنوس ولداً من أولاده يقتل في المقابل تيتانوس، ويعود بائع الورد وهو مطعون في خنجر ومع هذا يحميه السيد الحكيم ويطلب منه الانتظار حتى يصل الطبيب، ويشرح بائع الورد للسيد الحكيم عن نية السلطة والأغنياء بقوله: – لن يقتلوك حتى لايجعلوا منك بطلاً في أذهان الناس لكنهم سيشكلون من أجلك محكمة وهمية، ويوجهون إليك اتهامات ملفقة ثم ستصدر حكم الإعدام على نفسك بنفسك.. في المحكمة سيهيئون صندوقاً، به ورقتان متماثلتان أي ورقة مكتوب عليها «إعدام». ثم يصل رجال السلطة ويقبضون على السيد الحكيم وهو يتحدث مع رفاقه عن النصر والصبر. – وفي المشهد السابع الذي يحمل سر الأسرار حيث تبوح زوجة كرونوس للجارية بسرها وأنها سترسل ابنها إلى عند أهلها وسوف تقدم لكرونوس حجراً ملفوفة بالأقمطة ليبتلعها وتتصنع البكاء. – وفي المشهد الثامن ظهر التوافق والتضاد حيث يتفق الغني الأول والثاني على الحكم على السيد الحكيم بالإعدام وعلى تجهيز التهم ضده لأنه يفضح الصفقات المشبوهة للأغنياء،وهناك أصوات تؤيد السيد الحكيم وتناصره. – وفي المشهد التاسع يظهر بطلان باطل الأباطيل في المحكمة ويرد السيد الحكيم على مخبري كرنوس والتيتانوس وعلى الأغنياء، وينقض أقوالهم وهو في القفص مرفوع الرأس ويبين لماذا رفض صفقة القمح من «أهريمن» لأنه مستغل ويريد التحكم بهم، ليفرض السعر الذي يريد، والسيد الحكيم يريد أن يتم إنتاجه محلياً، وعندما طلبوا من السيد اختيار ورقة تحدثوا عن الرحمة والتسامح والديمقراطية في استحضار عملية الاختيار هذه، وهنا ابتلع السيد الورقة الأولى وطلب منهم قراءة الورقة الثانية وقال: تعرفون مصيري الذي ابتلعته الذي هو عكس ماهو في الورقة الثانية، وتقدمت الجماهير على باب المحكمة لتخليص السيد الحكيم وكل ما في المحكمة قد هرب بعد دخول أول جريح من الظالمين. – وفي المشهد العاشر الأخير يكون التغيير ويصل زيوس للامساك بالأمور ونصرة الشعب وتحقيق العدالة ومحاكمة الأشرار ، ويكون اللقاء مع السيد الحكيم وكأنهما في معركة لايمكن خوضها وضمان نتائجها لصالح الشعب إلا بالتحام القمة بالقاعدة. – ماذا نستخلص من إشارات وأمور في هذه المسرحية؟ 1- كان الكاتب في المسرحية يشير إلى الديكور والألبسة والمكان والزمان. 2– كان يساهم مع المخرج ويقدم رؤيته الإخراجية قبل ذكر الحوار في مطلع كل مشهد. 3-أراد أن يقول: إن كل سلطة سياسية إذا لم تكن مع الشعب مصيرها الخراب والزوال 4– أكد الكاتب على أمر الحق الذي سينتصر بعد جولات للبطل والبطلان. 5– رأى أن خادم الظالمين نهايته الموت والذل ولايصح إلا الصحيح. 6– وجد أن الشر له ملمس ناعم وباطش. 7– إسقاط وانبعاث الأسطورة في هذه المسرحية. – وهكذا رأينا أن الكاتب المسرحي مصطفى صمودي قد أجاد وأبدع في هذه المسرحية عبر هذا الإسقاط المسرحي على الواقع السياسي في العالم، وحدث انبعاث فني للأسطورة بطريقة جذابة ومشوقة مستخدماً الأمثال والصياغات الراهنة المعاصرة وبعضها صياغات جاهزة، مع تقديم الفائدة والمتعة في الحوار والمسرحية تستحق القراءة والمشاهدة.‏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *