الاثنين 1يناير 2024: هيئة التحرير وادارة موقع المجلة تبارك للجميع بحلول عام جديد متمنين لكم عاما مليئا بالخير والمحبة راجين من الله أن يعم السلام كل سورية ودمتم بخير ..  * 

محمد طهماز…مجاهد من حماة

محمد طهماز…مجاهد من حماة

14433

الزمن يمر والأيام تمضي والناس تتغير لكن الأشياء الثابتة تبقى على حالها مهما طال الزمن وتبدل،فالوطن يبقى انتماؤنا الأول والأخير،يبقى عزتنا وكرامتنا التي يستحيل أن نتنازل عنها،يبقى نبضا حارا متأصلا في روحنا ودمنا وحياتنا وعمرنا بأكمله،يرفض أن يبقى مجرد كلمات تتخفى وراء الشعارات الرنانة.
كم أحب هذه الكلمات،كم أستعذب صدى ذكراها حينما تشتعل في رأسي صورة قديمة لجدي المجاهد محمد طهماز عندما كنت أجلس بجانبه بينما يروي لي كيف كان يقاوم المحتل الفرنسي مع بقية رفاقه الثوار وكيف كرمه القائد الخالد حافظ الأسد وأمر بتأليف كتاب يحكي قصة حياته ومراحل نضاله مع رفاقه الثوار ضد الاحتلال الفرنسي.
اليوم ومع ذكرى جلاء المستعمر الفرنسي عن بلادنا الحبيبة عاودني الحنين إلى جدي وإلى حكاياته المضمخة بدماء الشهداء ورائحة تراب الوطن حينما رفض الاحتلال والذل الذي تعرض له وطنه وأبناء شعبه وأعلن الثورة ضده مع مجموعة من رفاقه كانت في تزايد مستمر وبات يشكل تهديدا وإزعاجا كبيرا على استقرار العدو في بلادنا الذي لم يترك طريقة للقبض عليه إلا واستخدمها دون فائدة،مما دفعه لاحتجاز زوجته ومطالبته بتسليم نفسه لفك أسرها الأمر الذي أدى إلى اشتباكات كثيرة حصلت بينه وبين العدو تمكن على اثرها من تحرير جدتي بعد أن قتل اثنين من الضباط الفرنسيين إلا أنه أصيب برصاصة سطحية في رأسه واثنتين في ساقه وقد عالجه الدكتور وجيه البارودي رحمه الله.
بسبب هذه الاشتباكات الدامية صدر حكم ضده بالإعدام أكثر من مرة وبات المحتل يضيق على أهله ويداهمون منزله ليلا ونهارا ولا يخرجون منه إلا بعد أن يتركوه كالخرابة،حتى أنهم في احدى المرات قاموا بقلع عين أخيه بحربة البندقية وكسروا أطراف أخيه الثاني ليرغموا أهله على تسليمه،وفعلا كانت هذه ردة فعل أبيه للمحافظة على بقية أفراد العائلة وحمايتهم من عدو ظالم لا يرحم وليتم تسليمه للعدو الذي أمر بإعداد مشنقته في صباح اليوم التالي.
أخذ الضباط الفرنسيون يتناولون الخمر مع زوجاتهم احتفالا بإلقائهم القبض عليه حتى سكروا وأخذ الشراب كامل عقلهم مما دفع احدى زوجات الضباط الفرنسيين بحمل نفايات طعامهم إلى جدي وتقديمها إليه مستهزئة به وسؤالها له عن عمله ، فأجابها جدي حينما رآها غارقة في سكرها وخمرها أنه بستاني يزرع البذور فتغدو أشجارا كبيرة مباشرة،ففكت قيوده وطلبت منه أن يزرع هذه الأشجار إلا أن جدي خيب ظنها وهرب بعد أن قتل عددا من الفرنسيين وتركها كونها من حررته وإن كان دون وعي منها.
انتشر جنود العدو في مدينة حماة بحثا عن جدي الذي احتمى داخل بيت كان قاطنوه شابان يعملان مع الجيش الفرنسي وأختان لهما خبأتاه ومنحتاه الأمان وكتمتا سره عن أخويهما.
في تلك الفترة تم تمشيط كل المنطقة باستثناء ذلك المنزل كون أصحابه جنديان يعملان لصالح الجيش الفرنسي.
بعد فترة من الزمن ذهبت الفتاتان إلى منزل جدي وأخبرتا أمه بسلامته فمنحتهما عقدا كان في جيدها وزوجا من الأساور على بشارتيهما المتميزة واتفقت معهما على استلامه في منطقة بعيدة عن العين بعد تخفيه تحت ملاءة وغطاء رأس من ثياب النساء حيث أحضرت أمه حصانه الأصيل الذي حمله إلى العراق قاطعا نهر الفرات سباحة كما خلصه من العدو الذي أطلق النار عليه مرات كثيرة.
في العراق استقر جدي في الموصل وأحضر زوجته إليه وقد أكرمه ملك العراق إكراما كبيرا، واستمر في مقاومته للاحتلال الفرنسي مع رفاقه فكان ينزل من العراق إلى جبال الشام وحماة ويشتبك معه وفي احدى المرات أسقط طائرة فرنسية في حماة.
أقام في العراق سبعة عشر عاما أنجب خلالها ابنه الأكبر ((تركي)) نسبة لإقامته في منطقة قريبة من تركيا وعندما تم جلاء المستعمر الفرنسي عن بلادنا عاد جدي إلى سورية واستقبل استقبالا حارا في محافظة حماة وبقية المحافظات حيث دام الاحتفال بعودته سبعة أيام مع لياليها وأنجب ابنه الثاني ((دحام)) رمزا لجلاء الأعداء وعودته إلى وطنه الحبيب سورية ومدينته حماة، ثم رزق بابنه ((محمد)) وثلاث فتيات وبقي حيا إلى أن وافته المنية ومات بشكل طبيعي بعد أن نجا من أحكام كثيرة بالإعدام صدرت ضده في زمن الاحتلال الفرنسي.
رحمك الله ياجدي ورحم أصدقائك المجاهدين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *