الاثنين 1يناير 2024: هيئة التحرير وادارة موقع المجلة تبارك للجميع بحلول عام جديد متمنين لكم عاما مليئا بالخير والمحبة راجين من الله أن يعم السلام كل سورية ودمتم بخير ..  * 

فلسفة اللغة الجديدة في رواية فوضى الحواس

 

Ahlam-mostaghannemi

 

فوضى الحواس هي الجزء الثاني لرواية ذاكرة الجسد للكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي، إنها رواية جميلة دخلت إلى دهاليز نفس المرأة،

 

كتبت بأسلوب شيق، ولغة مفعمة بالحساسية، وأسلوب نثري يقاري الأسلوب الشعري عند نزار قباني ، إنَّ فوضى الحواس رواية تكشف العمق الوجداني عند المرأة، وملامسة شفافة لأنوثة المرأة تداعب صهيلها الداخلي، وخيول شوقها العنيفة، وتفضح رغباتها المستترة، وتستبين لغة الحواس، عندها أصدق من اللغة لأن اللغة كما استعانت الكاتبة أحلام على مقولة أوسكار وايلد ( خلق الإنسان اللغة ليخفي بها مشاعره). إنها رواية بلسان امرأة تكشف مواجعها، وتكشف البعد الفلسفي لكلام حبيبها والبعد العاطفي عندها، كانت تحب الصيغ الضبابية والجمل الواعدة ولو كذباً تلك التي لاتنتهي بنقطة، وإنما بعدة نقاط انقطاع وكان هو رجل اللغة القاطعة وكانت جمله تقتصر على كلمات قاطعة للشك تراوح بين ( طبعاً) وحتماً ودماً وقطعاً. وهذه الكلمات لم تكن لغته فحسب بل كانت فلسفته بالحياة ووضعت الكاتبة هذه الكلمات القاطعة بداية لمقاطع قصتها الجميلة. وندرك مدى تعبير الكاتبة لكلمات بطلتها في عبثية الحواس من خلال هذه الكلمات ( اكتفت بوهم امتلاكه مسجوناً هكذا معها في يوم مطر داخل سيارة تتقاسم معه أنفاسه ورائحة تبغه وصوت المفاتيح في جيبه وهو يبحث عن ولاعة.. تراقبه في دفء تململه البطيء جوارها وحضوره الهادىء المربك في محاذاة أنوثتها مأخوذة بكل تفاصيل رجولته). البطلة كانت متزوجة ضابطاً وقد كان بعيداً عن انشغالها العاطفي بانشغاله بعمله كانت تعيش معه وقلبها مع غيره إنها تزوجت السلطة وكما تقول البطلة :«أليست السلطة كالثراء تجعلنا نبدو أجمل وأشهى! أوليست النساء كالشعوب يقعن دائماً تحت فتنة البذلة العسكرية وسطوتها قبل أن ينتبهن إلى أنهن بانبهارهن بها قد صنعن قوتها؟). كانت تشعر بتسلطه استمراراً لمهامه الوظيفية خارج البيت، ومهامه السياسية ورتبته العسكرية كانتا استمراراً للذاكرة النضالية نشأت عليها وعنفوان جزائر حلمت بها وفي قامته الوطن بقوته وشموخه وفي جسده رغبتها به. كانت البطلة كاتبة تحب أن تختلق مواقف وحوارات ومواعيد، كي تعيش في رومانسية الحب الواهم. تروي الكاتبة كيف أن البطلة ذهبت إلى السينما وكيف انشغلت برجل من خلال عتمة حواسها وكيف جلست أكثر من ساعة جوار الرجل، لم تقدم اهتماماً لوجوده وكانت مشغولة عنه برجل آخر يجلس أمامها، جاءت دون أن يدري متنكراً في زي الحب فقط لأنه يرتدي معطفاً ويجلس بصحبة امرأة. ( الحب يجلس دائماً على غير الكرسي الذي نتوقعه تماماً بمحاذاة مانتوقعه حباً). تساءلت البطلة : ماهي نوعية المسافة التي تفصلنا عما نشتهي ؟ أتراها تقاس بالمكان ؟ أم بالوقت ؟.. أم بالمستحيل ؟ أي منطق هو منطق الرغبة ؟ أيكون منطقاً لغوياً؟ أو منطقاً زمنياً.. أم منطق ظرف تضعك فيه الحياة ؟ وتساءلت عن الرجل الذي انتقل بكلمة واحدة من خانة الغرباء إلى الرجل المشتهى. لكنه ظل مشغولاً عنها بمتابعة الفيلم دون أن يتوقف أثناء ذلك عن بث ذبذبات حديث يقال صمتاً في عتمة الحواس. وحينما كانت بالسينما روت بعض أفكار الفيلم الذي تدور أحداثه حول مدرس وطريقته الانقلابية في تعليم تلاميذه ، ومن أفكاره: فهم العالم يكون في التمرد على موقعنا الصغير فيه، والمرونة سر النجاح، فالمرونة تعني القدرة على التفكير بأكثر من طريقة، والقدرة على النظر إلى الأشياء من عدة زوايا، وهي أيضاً الخروج خارج الصندوق الذي تعودنا أن نفكر فيه وننظر من خلاله. وبعد فترة دخلت البطلة وحدها إلى مقهى إلا احتساء القهوة، ومصادفة تلتقي ذلك الرجل الذي اشتممت رائحة عطره في السينما: « ولكن .. فجأة وقف ذلك الرجل ذو القميص الأسود واتجه نحوي وفي يده صحن عليه بعض قطع السكر لاأدري كيف انتبه لما كنت سأطلبه رغم كونه كان يبدو منشغلاً بالحديث إلى صديقه. إحساس غامض انتابني وهو يقترب مني ويمدني بصحن السكر، عطره الذي اخترق حواسي أعادني إلى العطر الذي شممته في السينما فقد أصبح لهذا العطر ذكرى تقودني في عتمة الحواس لأستدل عليه» ومن ذلك الموقف تعرفت عليه بقولها: أم تراني أذهب إلى الحب بذريعة الأدب؟ وكيف يمكن لرجل لم يقل لي سوى بضع كلمات أو بالأحرى كلمة.. وكأن كل القدرات العقلية قد تعطلت لتنوب عنها حواسي فألحق رجلاً اختزنت جسدي رائحته؟ نعم إنه رجل اللغة القاطعة ، هذا الرجل يتقن الكلام إلى درجة يمكنه معها أن يمر بمحاذاة كل الأسئلة دون أن يعطيك جواباً أو هو يعطيك جواباً عن سؤال لم تتوقع أن يجيبك عنه اليوم بالذات وأن تطرح عليه سؤالاً آخر ، إنه رجل اختصر كلمات اللغة بين حتماً ودوماً وقطعاً وطبعاً ، وكأن الحياة يمكن أن تختصر بها إنّه حوّل العالم كلمات قاطعة والحب كلمات متقاطعة ، إن الأسئلة معه تورط عشقي حتى الأجوبة أيضاً انبهارٌ لايقل تورطاً ولكنها كانت تحب كل مايقول ، ربما لأنها مأخوذة بغموضه. كان رساماً يهوى رسم جسور مدينة قسنطينة وهي كانت كاتبة لذلك كان الحوار بينهما عميقاً ولغته جميلة مفعمة بأمثالٍ لأدباء عالميين، كانت البطلة المتحدثة في القصة عن كل أوضاعها من الناحية المكانية والحالات النفسية لأشخاصها وهي التي وصفت أباها الشهيد المناضل التي تعرف عنه القليل وأمها المرأة المؤمنة وأخاها الأصولي المتمرد على وضع البلاد وزوجها الضابط البعيد عنها والمنشغل بضبط أمن الدولة التي تعاني مشاكل بين السلطة التي بيد الجيش والأصوليين في الجزائر لذلك جاءت قصتها مطعمة بأوضاع البلاد السياسية. وكانت معظم أفكار روايتها عن حبيبها الذي أيقظ فيها رغباتها المستترة وأفلت العنان لخيول شوقها الوحشية ، أشعل كل شيء فيها ، إنها المرأة الشرقية التي تعيش في أجواء محافظة ، إنها تروي تعري خفايا الروح عند المرأة في مجتمع محافظ إنها فوضى حواس بين حبيبين اهتمت للأول وانجرفت مع الثاني، كان انجذابها لصديقه الصحفي ومغامرتها مع صديقه الرسام وذلك من خلال قولها «أحياناً كانت تذهب به الأحلام فأتصور مكاناً قد يجمعنا مصادفة قد لايتعرف إلي برغم أنه قرأني بل كتبني طوال هذه القصة مادام هو الذي أهدى تلك الرواية لصديقه وأوصله دون أن يدري .. إلي وحده كتاب هنري ميشوا قد يدله علي لو أنا أخذته معي أم أنا سأستدل عليه بصمته أو بتلك الكلمات القليلة التي كانت ميزته والتي كعطره سرّبها لصديقه: سأسأله: – هل عرفتني؟ – سيجيب – طبعاً – أو قد يجيب حتماً ……. الكلمتان الوحيدتان اللتان قالهما يوم جلس إلى جواري في قاعة السينما، عندها سأعترف له: اشتقت لك .. أتدري روعة أن تشتاق إلى شخص لم نلتقِ به . هكذا كانت رواية فوضى الحواس لأحلام مستغانمي محكمة السبك، حوارها حار جداً تكتشف بعض نقاط السلبية في مجتمعنا من خلال فهمنا للعاطفة وتخرج جمالية العاطفة إلى أقصى حدودها من خلال كتابة راقية. ٭ الكتاب: فوضى الحواس ٭ المؤلفة: أحلام مستغانمي الناشر: منشورات أحلام مستغانمي -لبنان- بيروت 3002

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *