الاثنين 1يناير 2024: هيئة التحرير وادارة موقع المجلة تبارك للجميع بحلول عام جديد متمنين لكم عاما مليئا بالخير والمحبة راجين من الله أن يعم السلام كل سورية ودمتم بخير ..  * 

تسيّب الشّباب… مسؤولية من؟

images

كثيرٌ من المقالات تُنشَر ، تصف حالاً مأساوياً أخذ ينتشر بين شبابنا ، وهي حال التسيب والتسرب من المدرسة، والذي يتجلى بالهرب إلى أرض الحدائق يفترشونها للعب الورق، أو بالتسكع أمام مدارس البنات متحدّين بذلك كل الإجراءات التي تتخذها إدارات المدارس لمنع هذه الظاهرة ، أو بالتسكع في الشوارع والتحدث والضحك بصوت مرتفع هادفين بذلك إلى لفت نظر المارة إلى وجودهم ،إلى ما هنالك من مظاهر التسيب الكثيرة التي نراها بين الشباب في مجتمعاتنا .
والمشكلة الأخطر هي أن هذه الظاهرة بدت كفيروس فاتك ينتقل بالعدوى بين الشباب حتى وصل إلى المتفوقين منهم ، والذين هم دعامة أساسية نعلق عليها آمالنا بمستقبل أفضل لوطننا الحبيب، فضلاً عن الأحلام الكبيرة التي يحلق بها آباؤهم ظانّين أن التفوق دعامة راسخة تصمد في وجه كل التحديات، ولكن هذا الفيروس الفاتك قد أخذ ينخر جسم هذه الدعامة حتى أمست الأحلام أوهاماً لا أساس لها، والآمال سراباً لا حقيقة فيه.
فمن يتحمّل مسؤولية هذه الظاهرة؟ أهو الشاب نفسه؟ أم هو المجتمع؟ أم تراها المدرسة؟ أم هو البيت والتربية الأسرية؟
في الواقع هناك قسم من المسؤولية يقع على كل ممن سبق؛ وسأبدأ من حيث انتهيت ، من البيت الذي هو المدرسة الأولى والمجتمع الأول الذي يعيشه الشاب، وبالطبع ليست كل البيوت سواء من حيث درجة ثقافة أفرادها ووعيهم ، ولكن ما أود أن أؤكد عليه هنا هو أمر مشترك بين أغلب المثقفين مع غيرهم، فالآباء يحلمون بمستقبل مشرق لأبنائهم يرسمونه لهم منذ ولادتهم ، ويبدؤون بتوجيههم إلى الطريق الذي سيوصلهم إلى هذا المستقبل الذي يحلمون به ، ويضعون لهم حواجز كثيرة على جوانب الطريق كي لا يحيدوا عنه قيد شعرة.. وهذا بالطبع يبرره الآباء بأنهم يعرفون مصلحة أبنائهم أكثر منهم. وقد غاب عن أذهانهم أن هذه الأحلام قد غدت قيداً ثقيلاً على الأبناء لذا فهم يحاولون من وراء الظهور تنشّق نسماتٍ من الحرِّية علَّها تنعش فكرهم وفؤادهم ، وقد غاب عن الآباء أيضاً أن الشاب يسير بخطىً ثابتة، واثقة، راسخة إلى مستقبله عندما يرسمه هو بتفكيره وطموحه وبما يتناسب مع رغباته وإمكاناته .
أما المدرسة فهي البنية الاجتماعية الأكثر تأثيراً على الطالب حيث يقضي فيها نصف وقت النهار بينما يقضي النصف الباقي يؤدي واجباته تجاهها . فالمسؤولية الأكبر تقع على عاتق المدرسة، لأننا إذا عذرنا الآباء بسبب تفاوت درجة ثقافاتهم ومعارفهم التربوية .. فإننا لن نعذر أنفسنا نحن المربين ، ألم يطلقوا علينا لقب بناة الأجيال؟ إذاً فمن الطبيعي أن نتحمل مسؤولية بنائنا كما يتحمل أي مهندس مسؤولية أي بناء معماري يقوم بتنفيذه.. وإذا تجاوزنا ممارسة الاتِّجار بالعلم التي يمتهنها البعض ، فإن الكثير من أصحاب الضمائر الحية الذين يعملون بجد ويجتهدون للقيام بواجبهم على أكمل وجه ، نجد جهودهم قد تحولت هباءً منثوراً، والسبب في ذلك هو إصرار الكثير من المربين _ورغم المؤهلات التربوية التي يحملونها_على الطريقة التقليدية في الخطاب التربوي وهذا ما يجعل جهودهم تذهب أدراج الرياح، فمن غير المجدي أن نتعامل مع جيل الفضائيات والانترنت والجوالات بذات الطريقة التي كانت _إلى حد ما _ مجدية مع جيل لا يعرف ماذا يجري خارج سور حيِّه أو خارج حدود قريته أو منطقته ، كما أن تطبيق طريقة ” شيخ الكتّاب ” على طلاب عصر المعلومات والاتصالات، هو ضرب من ضروب العبث. فالحل إذاً هو أن نمتلك ثقافة التطوير والتغيير ، وأن نطور وسائلنا باستمرار لنواكب تطور المجتمع ، وبذلك فقط نصبح بناةً حقيقيين ، لجيلٍ نفخر بأننا بانوه..
أما المجتمع فمسؤوليته تنبع من المتغيرات المتسارعة التي تتعرض لها المجتمعات، وهذا يفرض علينا نشاطاً اجتماعياً مكثفاً لتوعية الشباب وتأهيلهم للتكيف مع هذه المتغيرات بالشكل الذي لا يتعارض مع أصالتهم وانتمائهم، وذلك من خلال برامج ثقافية ترفيهية هادفة تسهم في ملء أوقات الفراغ لدى الشباب بالفائدة والمتعة بذات الوقت ، تقوم بها منظمات وهيئات شبابية ، هذه المنظمات التي تحاول أن تقوم ببعض النشاطات ولكنها ورغم قلتها فإنها محدودة الزمان والمكان وتفتقر إلى الإعلان الكافي عنها لكي يفسح المجال أمام مشاركات شبابية واسعة النطاق..
وأما أنت أيها الشاب ، فلتعلم أن كل ما ذكرتُه لا يبرر لك التسيب، فقد وصلت إلى سنٍّ يسمح لك بالتمييز بين الخطأ والصواب ،فإياك أن تظن أن الناجحين والمبدعين من السابقين كانت طريقهم مفروشة بالورود، وإياك أن تظن أنه نجاحٌ ذاك الذي تُقدَّم مقوماته على طبق من ذهب ، وإنما النجاح الحقيقي هو الذي ينتزعه صاحبه من بين أنياب الفشل، عندئذ فقط يشعر بنشوة النجاح التي لا تعادلها نشوة ،.. فحدد هدفك.. و قُد مركبة المستقبل إليه بطريق مستقيمة.. متمسكاً بمقود الإصرار والأمل.. متطلعاً إلى الأمام.. إلى الهدف.. دون أن تجذبك المثيرات المختلفة على جانبي الطريق.. فإنها إن لم تمنعك من الوصول إلى هدفك ، فإنها على الأقل ستؤخرك عن بلوغه…..

سمر تغلبي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *