مثقّفون… ولكن (قصة قصيرة)

by wisam-mo | 30 يونيو, 2015 5:56 م

11063360_832452626835017_1593197525_n[1]

مابين الحياة والموت… لحظاتٌ قضيتها أودّع الأولى وأستعدّ للقاء الثاني… وأنا مكوّرٌ على الأرض بلاحراك…
كان آخر ماشعرت به هو تجمّع النّاس حولي وحملي إلى سيّارة تقلّني إلى منزلي …

صحوتُ وأصوات الحضور تعلو دون أن يكترث بي أحد سوى شقيقتي التي جلست بجانبي محاولة إيقاظي، بعد أن رفض وجوه القرية السماح بإسعافي إلى المشفى كي لاتصل القضية إلى الشرطة فيصعب حلّها بعد ذلك كما أخبرتني شقيقتي فيما بعد..
لم أستطع تذكّر ماحدث… صحوتُ ومازالت ذاكرتي غافية… لم يصحُ منّي إلا ألمٌ عنيد ينتاب كتفي وأضلاعي يجعلني أصرخ بلا وعي…
بعد محاولات من إخوتي قام مختار القرية بإجراء اتصال هاتفي طلب بعدها منهم اصطحابي إلى طبيبٍ قال إنه أبدى استعداده لاستقبالي في عيادته بعد أن رفض غيره من الأطباء ذلك للمسؤولية التي قد يتحملونها أمام القانون فحالة كهذه لابد لها من مشفى…
اصطحبني اثنان من إخوتي إلى العيادة التي فتحها الطبيب في هذا الوقت خصيصاً لاستقبالي…
فحصنس فحصاً سطحياً ثم قال: “العظام سليمة ولاحاجة لتصويرها… فلو كان العظم متأثراً بالضرب لتأثّر الجلد أولاً.. فالجلد كالزجاج هو أول ما يتأثر بالصدمات!!!!
كتمت استغرابي ودهشتي من كلامه … فهل كل حالات الكسور تكون مصحوبة بإصابات جلدية؟؟ تجاهلتُ تساؤلي وانتظرت استكمال المعاينة…
تمدّدت على السرير المخصص لتصوير “الايكو” ومع أن الألم منعه من المسح الكامل على جسدي بأداة التصوير لكنه ما إن بدأ حتى خرج الكلام من فمه رشّاً وكأنه مجهّز مسبقاً:
“الكلية سليمة… والطحال كذلك.. المعدة.. المرارة… كل شيء سليم”
ضحكتُ في سرّي … كان الخطأ أن أخويّ الصغيرين هما من رافقاني إلى الطبيب فجلسا صامتين…
كتب تقريره بأنني سليم معافى ولا أحتاج إلا بعض المسكّنات التي ستخفف الآلام السطحية…
أثناء استعدادي للخروج من العيادة، تجمّد بصري عند ذلك الجالس على كرسيّ في الجهة الخلفية للعيادة ، ومعه شابّان لا أعرفهما… ليعيد إليّ ذاكرتي دفعة واحدة…
عادت إليّ اللحظة التي حاصرتني فيها سيّارتان مسرعتان في شارعٍ خالٍ من المارّة لتدفعني إحداهما دفعةً قوية ترميني أرضاً، وقبل أن أتمكّن من النهوض نزل عدد من الرّجال من السّيارتين حاملين بأيديهم عصيّاً انهالوا عليّ ضرباً بها…
هم ذاتهم الذين تهجّموا على منزلنا بالأمس بعد شجارٍ طفوليّ بين أولاد أحدهم وأولاد أخي الأكبر… قاومتُهم ومنعتُهم من ضرب أخي فتوعّدوني… وهاهم ينفّذون…
حاولت بلياقتي البدنيّة العالية أن أتجنّب ضرباتهم وأن أضرب من أصل إليه بيدي المجرّدة…
لكنّهم أكثر من سبعة رجال… والكثرة تغلب..ومع ذلك مازلت أقاوم وأتلقّى ضرباتهم بجَلَد حتى ضربني أحدهم ضربة على رأسي أفقدتني صوابي…
سقطتُ أرضاً وصرختُ صرخةً ارتجّ لها المكان وأصاخ لها سمع الزّمان… استمرّوا في ضربي رغم سقوطي لكنني لم أعد أقوى على إبداء أيّة ردّة فعل وأيقنت أنه الموت لامحالة..
سارعوا إلى سيارتَيْهم عندما خرج الناس من البيوت على صوت صراخي… وانطلقوا بسرعة البرق..

تذكّرت كل ذلك وأنا أحملق في هذا الجالس في العيادة… سألت نفسي: “لماذا هو هنا؟” لكن الجواب جال في ذهني سريعاً: “هو صديقٌ للطبيب… وقد أتى بشابّين معه ليشهدا على سلامة جسدي التي أكّدها الطبيب تحسّباً لما يمكن أن يحدث فيرمي بهم في ربقة الاتهام…. فهو محامٍ ويعرف القانون جيّداً ويتقن استغلال ثغراته…
خرجتُ من العيادة وصورهم لاتفارقني … هذا المحامي… وذاك المهندس.. والثالث مدير المدرسة.. والرابع.. والخامس..!!!!
بكيت ثم بكيت ثم بكيت
ليس على نفسي…
بل على وطنٍ… بات مثقّفوه … بلاطجة!!!!

Endnotes:
  1. [Image]: http://kfarbou-magazine.com/wp-content/uploads/11063360_832452626835017_1593197525_n.jpg

Source URL: https://kfarbou-magazine.com/issue/9320