من عبق الماضي : الري وسُبل الماء في حمـــــــاه

by tone | 3 يوليو, 2015 12:32 م

11717257_843600649057500_1129912082_n[1]

11655110_843600645724167_537693859_n[2]


تعتبر شبكة ري حماه القديمة وبما فيها من مجموعة الأقنية الرئيسية والفرعية والتي تغطي كامل حماه بأحيائها وحماماتها وخاناتها ومساجدها وكنائسها و..و.

من شبكات الري التاريخية في العالم ومن أقدمها وأوسعها تفرعا وأصعبها نظرا لطبيعة طبوغرافية البلد الصعبة . فكانت هذه الشبكة المعقدة معجزة فنية رائعة بحق .لا بل ورائدة على مستوى العالم . كما وتعتبر تراثا عظيما تركته لنا الأجيال الغابرة فحق لنا أن نفتخر بها ونفاخر . – 2 – كانت أحياء حماه القديمة مؤلفة من مجموعة دور سكن تتصل فيما بينها بأزقة ضيقة في اغلب الأحيان , وقد يكون لكل من هذه الأزقة باب يغلق ليلا ويفتح نهارا. وكان يوجد في كل حي دكاكين في ساحة الحارة لبيع الناس من خضروات ولحم ومنجد فرش وبقال وحلاق و..و..هذا غير الأسواق التجارية والصناعية في مركز المدينة, وإلى جانب ذلك كان يوجد فرن أو أكثر لصناعة الخبز وغيره من المأكولات وكذلك يوجد حوض ماء أو سبيل لسقي كل وارد عليه . وكانت الناس قبل أن تُجَّر مياه الشرب لحماه تستخدم مياه الآبار للاستعمالات المنزلية فكنت ترى منهم من كان يغسل الثياب على ضفاف العاصي أو الصوف أو تُصوّل حبوب الحنطة , وكان من لم يكن بمقدوره إنشاء بئر خاص له في منزله كان يستقي من بئر أحد جيرانه أومن أحد الآبار التي جعلها أصحابها “سبيلاً” لجميع الناس . وجرت العادة بأن البئر المكرس سبيلاً كان يُرفع منه الماء بواسطة دلو يُعلّق بحبل ومحالة. والسبيل هو ماء بلا ثمن ..وكانت الناس تتسابق في إنشاء سُبِل الماء كي تنال الثواب والأجر من الله لأنه من سقي عطشانا فله الأجر والثواب عند الله . ولأجل هذا غدت سقاية الحجيج عند الحج شرفا وثوابا ما بعده ثواب , ونرى اليوم وقد اختفت سبل الماء كم من الناس تضع ماء مبردا أمام محله أو بيته ليسقي العطشان من المارة , وحتى في زيارة القبور كنت ترى من ينادي سبيل ..سبيل ياعطشانين على روح الميت فلان ابن فلان و لوجه الله يسقي الناس السوس او الماء . وكنت ترى ذلك أيضا في المناسبات الدينية كعيد المولد النبوي الشريف حيث الناس تصنع الليمونادة سبيلا لتسقي الناس عن روح النبي أو حتى في رمضان تسقي السوس بعد الإفطار في المساجد وعند صلاة العشاء والتراويح …فالسقاية سبيلا في الذاكرة و الثقافة الاسلاميه ضرب من فعل الخير وكسب للثواب . – 3 – كانوا قديما يجلبون مياه الآبار والنهر إلى بيوتهم بواسطة قُرَب السقا المصنوعة من جلود الحيوانات . وكان السقا يحمل قربته ويفرغها داخل البيت المحروم من الماء ولما كان هذا السقا قد اعتاد دخول الكثير من البيوت فصارت تُنسج حوله القصص وتُؤّلف عليه الأغاني مثل ” يا سقا عبي الجرَّا وعيون جوزي لبرا , بيسهر الليل بطوله وببجي عدمان بالمرا” ومن الأمثال أيضا ” دقة بدقة ولو زدت لزاد السقا ” . والسقا هو حامل جرة الماء أو قربة من الجلد وكان السقا لا يتخذ قربة جديدة حتى لا يتغير طعم الماء أو لونه أو رائحته من أثر الدباغة , والسقاية مهنة قديمة كانت لها أصولها وحرفتها وعاشقوها، فقد اعتاد السقا الخروج كل يوم طائفاً بالشوارع حاملا معه أوعية يصب فيها الماء. – 4 – كنت ترى في حماه قديماً سُبَل الماء منتشرة في أغلب أحيائها وفي الطرق العامة ومن آثارها ما تبقي منها إلى فترة ليست ببعيدة عند مدخل جامع النوري وفي زقاق الطوافرة وفي مدخل حي البارودية لكنها زالت اليوم , وكلها كانت تروي الناس من الماء البارد الزلال الرقراق العطشى في قيظ الصيف وتغسل وجوهها لا بل كنت ترى حتى أجراناً أو أحواضاً من الحجر البازلتي او الأبيض يُصَّب فيها الماء لتشرب منه البهائم أيضا .وكانت لهذه السبل قيمة معمارية وتراثية مهمة فترى الناس وقد تفنّنوا في جعل المكان الحامل للمنهل ووضعوا فوقه لوحة معمارية جميلة تتناسب والنسيج العمراني لحماه القديمة وكتبوا عليها من أشاد السبيل . وإذا كان المثل الشعبي الشهير يقول: «دمشق بمياهها، وحلب بأكلاتها، وحمص بهوائها فنحن نقول وحماه بعاصيها أيضاً ,ومما يذكر أن السُبل انتشرت بكثرة في كل محافظات البلاد فدمشق مثلاٍ وصل عدد السبل فيها إلى 400 سبيل مياه ويعود أقدمها إلى العصر الأموي وأحدثها وأغلبها إلى العصر العثماني، ومنها سُبل: الدرويشية وأبو الشامات والشيخ محيي الدين ومكتب عنبر وتحت القناطر ومحطة الحجاز والمسكية وغيرها . – – 5 – لقد كانت السبل أو السبلان تشكل مصدر الشرب الرئيسي للسكان ، لكن مع دخول المياه أولاً, و مع مرور الوقت وبسبب الإهمال تعرض الكثير من هذه السُبل للتخريب والهدم، ولم يبقَ منها صالحا للاستخدام.إلا اليسير اليسير , واندثرت معها تماما مهنة السقا من الوجود . وعلى ذكر سُبل الماء وشُربه أذكر أن سقاية الخائف الماء من طاسة الرعية كانوا يعتقدون فيها الشفاء….. ومن تجاويف كهف الذاكرة أذكر كيف كانت البلدية ترش الماء في شوارع حماه بعد العصر لتلطيف الجو في ساحة العاصي والمرابط والقوتلي وعين الخضرا صوب المركز الثقافي قبل أن يُبنى حيث كان مرتعا للنزهة وجلسات النساء بملايا الزم وأذكر أن رشاش البلدية كان ينضح الماء من العاصي بواسطة مضخة كانت أمام مبنى البلدية قديما أو عند ناعورة الجسرية ..وكنا صغارا نلحق رشاش البلدية لننال من رذاذ ماءه ونفرح لذلك, وكانت أصحاب الدكاكين تكنس أمام محلاتها ويرشونها بالماء أيضا , بل حتى كانت النساء أيضا تكنس الحارة أمام بيوتها وترش الماء على الأرض فتجد البلد كلها نظيفة ذكريات مازالت تروي نفسها للناس وتبقى سُبُل الماء ومهنة السفا تعيش في وجدان الكثيرين منا وبخاصة في أذهان أجيال عاصرتها… لحى الله ذاك الزمن الجميل.وكل رمضان وانتم بخير . *************************** محمد مخلص حمشو

Endnotes:
  1. [Image]: http://kfarbou-magazine.com/wp-content/uploads/11717257_843600649057500_1129912082_n.jpg
  2. [Image]: http://kfarbou-magazine.com/wp-content/uploads/11655110_843600645724167_537693859_n.jpg

Source URL: https://kfarbou-magazine.com/issue/9445