الاثنين 1يناير 2024: هيئة التحرير وادارة موقع المجلة تبارك للجميع بحلول عام جديد متمنين لكم عاما مليئا بالخير والمحبة راجين من الله أن يعم السلام كل سورية ودمتم بخير ..  * 

بين الشابي وأصدقائه

تحتفي الأوساط الثقافية التونسية والعربية كل عام بذكرى رحيل أبي القاسم الشابي الذي غادر هذه الفانية في عام 1934 بعد عمر قصير لم يتجاوز الخامسة والعشرين ، عاصر فيه مرحلة تاريخية عاصفة بتغيراتها السياسية والاجتماعية والثقافية ، فكان صوتاً داوياً عبّر بنثره وشعره عن أحلام شعبه العربي بالتحرر والتقدم ، ومطامح أمته إلى الانبعاث والنهضة والسير في ركاب عصر جديد تحقق فيه عزتها وكرامتها وهي تواجه القوى العاتية التي تتربص بها الدوائر.

كان أبو القاسم أديباً مبدعاً مجدداً ، ذا شخصية حميمة ، تزينها الوداعة والرقة ، وقد ساعدته هذه السمات في بناء علاقات إنسانية عامرة بالألفة والمودة ، وصداقات عميقة في تونس وخارجها ، حيث كانت الرسائل سبيله إلى التواصل مع عدد من المثقفين والأدباء في الأقطار العربية . ومنهم زميلاه في جماعة أبولو الشاعران أحمد زكي أبو شادي وإبراهيم ناجي في مصر ، والشاعر الحموي المجدد الدكتور علي الناصر في سورية . جمع أبو القاسم محمد كرو قسماً كبيراً من هذه الرسائل في أحد كتبه الثلاثة التي نشرها عن الشابي بعد رحيله بسنوات ، مقدماً لقراء العربية وثائق أدبية مهمة قادرة على كشف جوانب أساسية من المكونات الثقافية للأدباء العرب في النصف الأول من القرن العشرين ، يقول رجاء النقاش : ” نشأت على البعد بين أحمد زكي أبو شادي في مصر والشابي في تونس صداقة خصبة ، ومن خلال مجلة أبو لو ـ التي يشرف عليها أبو شادي ـ أطل الشابي على جماهير القراء في الوطن العربي .. ”

تركت جماعة أولو الأدبية تأثيراً بيناً في حياة الشابي وأدبه ، فعلى صفحات مجلة الجماعة ، نشر نحو عشرين قصيدة ،عززت مكانته الشعرية لدى القراء العرب في مصر وخارجها ، ووجد لدى أعضاء الجماعة واحة نفسية تظله في غربته النفسية القاسية الناجمة عن معاناته الطويلة في مكابدة المرض العضال والقدر الشخصي العاثر وفي مواجهة أصحاب النزعات الأدبية المحافظة في تونس ، وقد لاقى في حواراته الثقافية معهم عنتاً ..

لم يأت لقاء الشابي بجماعة أبولو من أبواب المصادفة ، فالمواقف الثقافية والفكرية المشتركة من قضايا الأدب والحياة جسر أساسي عبره الشاعر التونسي الشاب ، متفاعلاً مع نزعات النهضة والتجديد في الأدب العربي ، يقول عبد اللطيف شرارة في كتابه عن الشابي : “رغبته في التجديد هي التي دفعته إلى التعاطف مع جماعة أبولو” . وقد أوضح الشابي في رسائله إلى صديقه الناقد التونسي محمد الحليوي أنه يتوجب عليهما مراعاة قضية الموقف من القومية العربية والنزعة الفرعونية في توجيه علاقتهما مع المثقفين في مصر.

حظي احمد زكي أبو شادي بمحبة الشابي وثقته العميقة ، وقد عبر الشابي عن تلك المحبة المصحوبة بتقدير أدبي رفيع في المقدمة التي كتبها لديوان صديقه الينبوع ، وشرح فيها خلاصة آرائه في الأدب وتجديده ،وكان هذا التقدير متبادلاً ، فأبو شادي من أبرز الأدباء الذين احتفوا بشعر الشابي في حياته وبعد رحيله ، يذكر زين العابدين السنوسي ـ صديق الشابي الحميم ـ . أن الشابي اختار قصائد ديوانه في الأشهر الأولى من سنة 1934 واعده ليرسل به إلى مصر ، ليتولى الوقوف على طبعه الدكتور أحمد زكي أبو شادي .

إن هذه العلاقات بين الشابي وأصدقائه تقدم لنا أمثولة للعلاقات الأدبية الباهيه التي عرفها أدبنا العربي المعاصر وهو ينقل خطوت أعلامه على دروب الحياة الواسعة ، ولعلنا إذ نذكر ذلك نرفع التحية لكل من يرفد تلك العلاقات بأيد البهاء من جيل إلى جيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *