الاثنين 1يناير 2024: هيئة التحرير وادارة موقع المجلة تبارك للجميع بحلول عام جديد متمنين لكم عاما مليئا بالخير والمحبة راجين من الله أن يعم السلام كل سورية ودمتم بخير ..  * 

كابوس

11118709_420748768130157_768598149_n

   عزف عبد الودود عن الذهاب إلى المعبد ،امتنع كلية عن فتح باب النقاش مع أحد من حوله ،فجأة تحول إلى كيان صامت في معظم تحركاته وسكناته ،

عافت نفسه ما يطالعه الصباح والمساء وما بينهما من مشاغل ، وكلما أراد أن يخرج من هذه الحال التي لم يألفها من قبل ،تذكر أنه قطع وعدا على نفسه ،ألا يخرج من منزله إلا وقد حلت مشاكل الدنيا كلها . عبد الودود كما عرفه كل من حوله بارع في التقاط الكلمة المحرضة على فتح باب الحوار ، كأنه امتلك مفاتيح الحروف بمهارة فنان مبدع ،يعرف كيف يوظف أدواته وطاقاته ، حركاته تقلبات صوته . عدم تجاوب الناس من حوله ،وحتى أولئك البعيدين الذين كانوا ينجذبون إلى موضوعاته،أغاضه كثيرا ، ربما أخذ التراخي والملل يزحفان إلى نفوسهم . ماذا يفعل غير أن يجعلهم يتوقون إلى جلساته الطيبة المسلية والمفيدة بآن ؟ صحيح أنه عزف أولا عن الذهاب إلى المعبد القريب ،الذي شهد الكثير من النقاشات الموسعة حول سبل الخروج من الواقع الراهن ، لكنه أعقب ذلك بالامتناع كلية عن دخول أية معبد من معابد المدينة ، فقد صارت كلها تحت أعين المتطفلين الذين يختطفون الكلام من رأس الماعون ، يدونون بضع كلمات ، يرفعونها إلى من يهمه الأمر ، ليتهم كانوا يكتفون بذلك ،بل كانوا سرعان ما يخرجون من المعبد يسألون المارة : -هل سمعت ما قاله عبد الودود ؟ وقبل تلقي الإجابة التي يعرفونها جيدا ، يردفون: غريب هذا الرجل يجدف على الإله ولا يعترض عليه أحد . ومن لسان إلى أذن تتناقل المدينه العبارة لتصبح أنه جدف على الآلهة والرسل والقديسين ،ويجزم أحدهم بأنه سمعه ذات يوم ،لم يعد يذكر متى تماما يقول : وما حاجتنا لكل ذلك .. ويضيف شرحا قد يوصل رأس عبد الودود إلى المشنقة . لم يتوان عبد الودود عن إغلاق باب بيته في وجه من يحاول زيارته ، أحكم إغلاق النوافذ المطلة على الشارع ، ولأن الكهرباء لا تأتي إلا على استحياء ،كعاشقة يحاصرها أهلها ،تركها زائرة مرغوبا في حضورها وحدها . أما المياه فجرة واحدة منها تكفي عبد الودود في نهاراته التي بات يمضيها بين تمارين اليوقا وتناول القليل القليل من الطعام .وقد تأقلم على نحو جيد مع هذه الحال مدة لا يقوى على تحديدها على وجه الدقة ،ربما هي ساعات طويلة ، ربما أيام .. شهور لكنها ليست سنوات بكل تأكيد . وقبل أن يتأكد من خطوته المقبلة بعد تلك العزلة الاختيارية فتح النوافذ ، أزاح الستائر فبدت له أشعة شمس ذهبية أطلت كعروس، احتفى بلقائها احتفاء أمّ عاد إليها ابنها المخطوف , ثم تسمر قريبا من النافذة يراقب حركات المارة التي طالما أزعجته بتدفقها ،ينصت باهتمام علّه يسمع ضجيجا كان يؤرق حياته ويصبغها بكل ما هو مقيت , لم ير، لم يسمع ،فذهب يتفكر… هل كان خامسهم في ذلك الكهف ؟ وعندما تيقن من أنه ما زال يحتفظ بنظارة وجهه ظن أنه تعرض لعملية اختظاف كتلك التي تعرض لها عشرات الالآف من أبناء بلده، ، السؤال عنده الآن :هل أن من قام بعملية اختطافه هم فصيل من الجن؟ ارتعد ، كادت مفاصله أن تحل وتخونه فلا يقدر على فتح باب منزله . -2- خرج عبد الودود ،خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الوراء ، أحس أن عالما جديدا ينتظره ، من أين جاءه ذلك الإحساس لا يدري ، سارع إلى العزلة يلقي على كاهلها ما ألم ويلم به .ومسبقا قرر ألا يلتفت يمنة أو يسرة ، سيظل يسير إلى الأمام ،كسهم تحدد مساره من قبل انطلاقه ،سيمتحن من يمر أمامهم من حلاق أو لحام أو بقال ،وسيدون أسئلتهم ، وهل هي من باب المجاملة وسؤال الجار للجار . يتابع سيره وسيل من أسئلة مزعجة أخذت تضغط على صدره : ماذا دهاهم لا أحد تنبه لمروري من أمامه حتى كاد يتلمس جسده ويسأل هل هم هم وهل أنا أنا ؟؟ يبتعد أكثر يوغل في المدينة ، يقف على الرصيف الذي طالما احتوى من قبل خطواته بحنان قبل أن يدلف إلى المقهى ،أحس أنه صار غريبا عن الرصيف وما يجاوره من محلات تجارية ،وبائع الصحف الذي لم يبخل عليه يوما بالترحاب وتبادل الطرفات ،لم يعد ذاته ،أحس بخسارة فادحة عندما رد تحيته بمثلها لم يضف كلمة : – مرحبا – مرحبا ينعقد لسان عبد الودود ،يطرق برأسه عل الرصيف يبتسم له ، يخفف من هذا الاحساس بالضيق الذي كاد يخنقه ، ماذا ألم بنا ؟ هل يعقل أن ينساك الناس أم يتناسونك إن ابتعدت عنهم ؟ لم نكن هكذا ، يجزم ويلج المقهى لعلها ما زالت وما زال روادها على حالهم . -3- هنا على كتف المقهى الأيمن يجلس وشرود لذيذ أنيسه ،أنيس ساحر جعله ينسى عزلته على الأقل، يخرج من شروده إلى ما يراه من حوله ، لا أحد يقترب من طاولته ، لا أحد يكلف نفسه عناء السؤال مجرد السؤال عن سبب غيابه . ينادي على أبي الحكم : تعال إلى هنا يا أعز الأصدقاء … ربما تكون وحدك من يجيب على سؤالي يحضر أبو الحكم مسرعا يصرخ عبد الودود بأعلى صوته : ماذا دهاكم ؟ ماذا فعلت كي تتنحوا عني هكذا ؟ يأخذ رواد المقهى بالتسلل إلى خارجها ،وهم يرددون عبارات متقاربة المعنى : مسكين … ماذا فعل به الاعتقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *