الاثنين 1يناير 2024: هيئة التحرير وادارة موقع المجلة تبارك للجميع بحلول عام جديد متمنين لكم عاما مليئا بالخير والمحبة راجين من الله أن يعم السلام كل سورية ودمتم بخير ..  * 

الطيب صالح

الطيب صالح
1929-2009
يونس عودة/ الاردن

images

هو وعنوان روايته ” موسم الهجرة الى الشمال ” صنوان، فما أن يذكر أحدهما، حتى ينبري الاخر مقدما

نفسه للجمهور. فهذه الرواية قد اعتبرت من أفضل مائة رواية في العالم، وكانت قد نشرت لاول مرة في نهاية الستينات من القرن المنصرم. اصدر الطيب صالح عدة روايات اخرى لا تقل روعة عن رواية ” موسم الهجرة الى الشمال “. فعلى سبيل السرد، لا الحصر، فروايته ” عرس الزين ” قد نالت شهرة قوية كمنتج أدبي راق، ما لبثت ان حولت الى فيلم سينمائي في اواخر السبعينات، وفاز في مهرجان كان الدولي. فاض قلم الطيب صالح بقصص قصيرة دار الكثير منها حول القضايا السياسية، والاستعمار البريطاني، اضافة الى الهم العربي. كما كان كاتبا منتظما لعمود يومي، ولمدة عشر سنين متتالية، في صحيفة عربية تصدر في بريطانيا، اضافة لعمله الرسمي كمدير لقسم الدراما في هيئة الاذاعة البريطانية ال ( بي بي سي ) في لندن.
تعد رواية ” موسم الهجرة الى الشمال ” بمثابة وثيقة قيمة تناولت لقاء الثقافات وتصادم الحضارات ما بين القطبين، الشرقي والغربي، للعالم. فهي تبين الهيمنة والسيطرة على خيرات الاخر، متخذة من القوة والبطش، وأحيانا السياسة، طريقا لتحقيق ماربها، كما تبين هيمنة دول الشمال المتعافية والثرية، على دول الجنوب المتعثرة، او في أحسن الاحوال، النامية أو المعدمة.ولما تحمله هذه الرواية من قيمة، فقد ترجمت الى أكثر من عشرين لغة حية، كما نالت العديد من الجوائز. أطلق عليه النقاد العرب لقب ” عبقري الرواية العربية”، استحقاقا وجدارة. ومما فاض به قلمه بعض الروائع الادبية مثل ” مريود “، ” ضو البيت “، دومة ود حامد “، و ” منسي ” والكثير الكثير من الاعمال الادبية الرائعة. ومن الملاحظ ان كتابات الطيب صالح، خاصة بعد استقراره في لندن، قد اتخذت من الاختلافات بين الحضارتين الغربية والشرقية مجالا خصبا للنقاش.
فاذا كان البعض منا يتأبط حاسوبه الشخصي، ” اللابتوب ” في سفره بغية استثمار الوقت أو التسلية، فقد كان الطيب صالح يحتضن، وبرفق ديوان أبي الطيب المتنبي في حله وترحاله، بل كان يخاطبه بطريقة فيها الكثير من الود والحميمية كقوله: ” يا طيب الله ثراك، والمتنبي العظيم، وسيد الشعراء، والاستاذ الذي لن يجود الزمان بمثله…الخ”. كان الطيب صالح يعتز بعروبته وبلغته العربية الجميلة، إذ ما انفك يقول بأن الشعر يمثل رمز العروبة، وأن على السودانيين ان يفهموا الناس بأنهم عرب أقحاح، ذوو ذائقة وسليقة شعرية، قلما وجدت في اقوام اخرين. فالشعرالعربي، حسب اعتقاده، هو الذي جمع كل روافد الروح والفكر والوجدان العربي، فهو غوص في نهر.
لم يغمط السودانيون الشرفاء حق عملاق الرواية، ابنهم البار، الطيب صالح، فهب اتحاد الكتاب السودانيين، ومجموعة من المؤسسات الثقافية والقلمية في البلاد، الى التواصل مع الاكاديمية السويدية لأجل ترشيحه لجائزة نوبل. والغريب ان صاحب الشأن نفسه، الطيب صالح، لم يكن متشجعا لذلك، ووصف الامر برمته على أنه ضربة حظ، او نوع من اليانصيب، ولا يشغل نفسه بها البتة، فان اتت فخير ونعمت، والا فالامر سيان، منوها الى وجود عشرات المستحقين لهذه الجائزة من المبدعين العرب، والذين يشار اليهم بالبنان، روعة وتالقا وابداعا.
ابصر النور في العام 1929 في اقليم مروى الواقع شمالي السودان، وبالتحديد في قرية كرمكول. معظم افراد عائلته هم من المزارعين ومعلمي الشعائر الدينية البسطاء. تلقى تعليمه الجامعي في جامعة الخرطوم، ثم طار الى بريطانيا لاتمام دراسته متخصصا في الشؤون الدولية، وهذا ما ساعده لاحقا، للعمل كمستشار لهيئة اليونسكو في باريس، ثم ممثلا لنفس الهيئة في دول الخليج العربي في دولة قطر.
في اواخر سني حياته، عانى الطيب صالح من متاعب جسدية مريرة، على رأسها صراعه المرير مع الفشل الكلوي. ففي مستشفى لندن، وتحديدا في 18شباط من العام 2009، اسلم الروح لباريها، تاركا قرّاءَه يبحرون في جميل رواياته، ويغوصون في اعماقها، علهم يحيطون بالنزر اليسير مما جال في خاطر كاتبها العبقري العظيم. نقل جثمانه الى السودان حيث حضر مراسم العزاء رئيس الجمهورية عمر البشير، والسيد الصادق المهدي، والسيد محمد عثمان الميرغني، اضافة الى اعداد غفيرة من الكتاب والمفكرين والشخصيات البارزة، وقرائه، وابناء بلده الاوفياء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *