الاثنين 1يناير 2024: هيئة التحرير وادارة موقع المجلة تبارك للجميع بحلول عام جديد متمنين لكم عاما مليئا بالخير والمحبة راجين من الله أن يعم السلام كل سورية ودمتم بخير ..  * 

محكمة (قصة قصيرة)

11063360_832452626835017_1593197525_n

كما القدر المضغوط أحسستُ رأسي… ضوضاء غير مفهومة… لطماتٌ من أذرعٍ شتّى… وبخارٌ من فرحةٍ قُدَّ طقسها أخذ يتصاعد…

بدأ دماغي بالانصهار وروحي بالاشتعال
حاولتُ فتح عينيّ… وبعد جهد تمكّن جفناي من فصل منابت أهدابهما لتبدو لي من خلف ستارتها صورة هرجٍ ومرجٍ أحدثتها ضجّة سقوطي على أرض محكمة تسمى شرعية…
لفتني منظر ذلك الغريب الذي سيسمى بعد قليل زوجاً، واقفاً بعيداً عن الهرج، مستنداً إلى حائط اللامبالاة، يدخن سيجارته بهدوء…
هذا الذي أصابتني موجة تأمله وهو ممسكٌ بأطراق حديث لا يعنيني بالغثيان… كأنني أراه للمرة الأولى..
رغم أنني رأيته قبل ذلك مرتين… أثناء معاينته للبضاعة ويوم إتمام الصفقة… إلا أنني ما تأمّلته إلا هنا… في موقف جعلني كجنود طارق إذ أحرق السفن فمابقي وراءهم إلا بحرٌ لا يُدرَك عمقه ولا يُؤمَن جانبه…
وجدتُني أرتعش وقد أغرقتني موجة تعرّق تصبّبت من جبيني والقاعة تدور بي بتسارع راقص في حلقة ذكر… أسندتُ رأسي إلى جدار وأغمضت عينيّ… لكنني ما استطعت إيقاف هذا الدوران الجنوني فارتميت أرضاً…

كان البخار يحمل في تصاعده وعي الذاكرة لتنفصل عني شيئاً فشيئاً…
نظرتُ إلى الأعالي فإذا بمركبة سندريلا تراودني من بعيد ولا تقترب… وصوتٌ يدوّي في أذنيّ: “حلّقي”..
ولكن كيف وجاذبية الذاكرة مازالت تشدني أرضاً؟
مع تصاعد البخار خفّ حمل الذاكرة، فانطلقتُ بجناحين ضعيفين نبتا على جانبي خافقٍ ماعاد دافقاً بالحلُم… تلقّفتني المركبة قبل أن يرهقهما التحليق…
نشوة عارمة اجتاحتني وأنا أجوب الفضاء وأعبر مغاليق السماء.. خصلاتي المجنونة تسافر بعيداً ثم ما تلبث أن ترتمي على صدري تداعبني بحنان عاشق، بينما يتمايل ثوبٌ أُلبستُه من جنّيّة المركبة ليرسم حولي لوحات تعجز عنها ريشة فنان… يداي مفتوحتان لأمل ظننتني سأصله.. وعيناي نصف مغمضتين لاجتناب وهج شمسٍ باتت أقرب من قمرٍ لأرضنا، تسري حرارتها دفئاً في الجوانح لتعيد للخافق دافقه المفقود…
وعند باب السماء السابعة والعشرين توقفت المركبة بانتظار تأشيرة المرور.. فهو باب لايدخله إلا الحالمون…
وفي غمرة تأمّلي.. هُزّت المركبة تنبّهت فإذا بأحدهم قفز من مركبة مجاورة واستند على كتفيّ، فلايُسمح لسواي بملامسة مركبتي… التفتُّ لأشهق شهقة كادت ترديني لولا شحنته التي سرت في كياني… نظرتُ في عينيه الحانيتين ترسلان حديثاً لا يدركه سوى عيناي….
– لماذا؟
– وهل كنت؟
– ألا تدركين؟
– لكنك لم تقل..
– أخبرتك عيناي..
– ليس لكلام العيون عهد..
– كان عهداً مني… ووثّقته عيناكِ…
– وأهلك الذين كلما تحدثوا عنك أمامي كانوا كمن يقول:
لا تتأملي… هو ليس لك !!!
– ماذا؟ وهل تصدّقين كلاماً غير كلامي؟؟
– لو قلت لما صدّقت سواك.. لكن للعيون أطوار..
أردتك أن تعلم فتأتيني لتقف بيني وبين ذلك الغريب…
– أقف بينك وبين من اخترتِه عني؟؟!!
– لِمَ لَمْ تقلْ؟ …. لِمَ؟؟؟
أجابتني دمعته التي سقطت على خدي لتمتزج بدمعتي…
وإذ بصوتٍ يعلو:
مركبتان مخالفتان لقوانين الحلم… لن يدخلا…
حاول القفز إلى مركبته لكنها ابتعدت عنا حتى اختفت…
تعلّق بي… أحسستُني أسبح في الفضاء… يا إلهي.. المركبة تبتعد عني شيئاً فشيئاً… لقد تلاشت!!!
تعانقنا بقوّة لنسقط من الحلم سويّاً…
أفقتُ على ارتطام روحي بصوت القاضي: “هل تقبلين به زوجاً؟”
أومأتُ برأسي المُسندة إلى صدر أبي الذي يمسكني من السقوط قائلاً: ” ألم أقل لك إنها موافقة؟ يسّر ولا تُعَسّر”
لا أدري من الذي حملني إلى سيارة الإسعاف التي وصلت للتّوّ.. ليصدح صوت القاضي يرافقني معلناً بدء طقوس الامتلاك: “على بركة الله”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *