الهرم العربي السوري- مصطفى العقاد

by wisam-mo | 27 سبتمبر, 2016 9:14 م

الهرم العربي السوري
مصطفى العقاد
1930؟-2005

بقلم: يونس عودة/ الاردن*

“حلب هذه المدينة الصغيرة التي احملها في قلبي دائما هي مدينتي، ولدت ونشأت فيها… كان لدينا جار يعرض الأفلام السينمائية، وكان يأخذني في الصغر لأتابع كيفية عرض الافلام، وكيفية قص المشاهد الممنوعة، ومع مرور الوقت، اصبحت مولعاً بالسينما. وعندما بلغت الثامنة عشرة من عمري، قررت ان اصبح مخرجا سينمائيا وفي هوليوود تحديدا، ويا لها من ردة فعل كانت لأهالي حلب، بعد أن بُحت لهم بأحلامي، فقد اضحيت اضحوكتهم”. مصطفى العقاد.
امتطى صهوة الريح وحطت ركابه في الولايات المتحدة الامريكية عام 1954، والتحق بجامعة جنوب كاليفورنيا، حيث درس السينما حاصلا على درجة الماجستير. كان كتلة من النشاط، وكان محط الانظار لذكائه وحركته الدؤوبة لمعرفة كل ابجديات السينما وما يتعلق بها من فنون. وحتى وهو على مقاعد الدراسة، افرد قسما من وقته للعمل في الصحافة، ما كان له اكبر الاثر ان يتوغل في ذلك المجتمع، ويكتسب مهارة لا تبتعد كثيرا عن مجال التصوير السنمائي من جهة، وربما ساعدته للاعتماد على نفسه من الناحية المادية، كي يستمر في طريقه الذي انتهجه.
تميز العقاد، ككل ابناء بلده الشرفاء، بالاعتزاز بقوميته لابعد مدى؛ فها هي احضان امريكا تُفتح له، وتمنحه حق المواطنة، متمثلة في الحصول على جواز سفرها. لم يغير جلده، ولم يتخل عن قوميته العربية كبعض العرب آنذاك، ممن انسلخ عن كل ما يمت لبلاده وقوميته وعروبته بصلة.
كان حلمه ان يوصِل هموم وقضايا العرب الى الآخر، وقد نجح نجاحا باهرا؛ فقد ارتأى ان يقوم ببطولة بعض افلامه نجوم غربيون كونهم الاقرب الى شعوبهم لغة واداء. من هنا تجلت روعة فيلمي الرسالة وعمر المختار. ففي مقابلة مع العقاد اخبر بان رؤيته استثمار نجوم غربيين قد اتت اكلها بشكل مُرْض، حيث تفاعلت الجماهير الغربية مع هذا العمل المنقطع النظير، بل واسلم ما يقارب من عشرين الفا منهم بعد مشاهدتهم فيلم الرسالة.
حمل همَّ قوميته وعروبته وناضل وكافح ونافح لتوصيلها الى الآخر. اجرى اتصالاته مع اصحاب القرار الرسمي في الوطن العربي لتمويل افلامه العالمية الضخمة، فمنهم من تعهد بتحمل مسؤولية الانتاج كاملة، ومنهم من اشاح بوجهه ولم يقدم شيئا، بل بعضهم حذّر من يساعد في تمويل هكذا اعمال.
تجلت عبقرية ابن الجمهورية العربية السورية بشكل لافت ومبهر للعقول حينما اخرج للوجود رائعته الثانية، التي احيت في العرب روح النضال ونفض غبار الذل عن الاكتاف، واستذكار دروب التحرر من نير المستعمر الغاشم. كان ذلك فيلم عمر المختار، وهو باللغة الانجليزية، حيث اسند بطولته للفنان العالمي “انطوني كوين” في دور عمر المختار، و”اليفر ريد” في دور موسوليني. عمل سينمائي ادهش جميع شرائح المجتمعات الغربية والعربية على حد سواء، كما نال اعجاب عمالقة الفن من فنانين ومخرجين عالميين، كونه ابداع يُسَخِّرُ و يتعامل مع جحافل بشرية هائلة بكل دقة وتنظيم، في صحراء واسعة بسعة الكون، رغم قسوتها وحرارتها اللافحة ورمالها المزعجة. انها ملحمة رائعة حفرت اسم العقاد في الصخر، ليبقى عصيا على النسيان: وهانحن نذكره الان، وبكل فخر.
هنالك العديد من الافلام التي ابدعها العقاد ك” هالووين” وغيرها الكثير، ولكن- رغم جودتها- فقد طغى عليها فيلما الرسالة وعمر المختار. كان يسابق الزمن لاظهار فيلم تاريخي عن صلاح الدين الايوبي وتحرير الاقصى، وكم تمنى لو تتبنى انتاجه بعض الجيوب العربية المترعة بالثروات، ولكن ….!؟. والشهادة للتاريخ، وطبقا لقول العقاد نفسه في احدى مقابلاته، فقد سانده القذافي في تمويل فيلم الرسالة وعمر الختار، ووعد صدام حسين بتمويل فيلم صلاح الدين، لكن ما حاق بالوطن العربي من احداث كبيرة- خاصة حرب الخليج- اثر سلبا على كثير من الامور، وبقيت في ادراج النسيان.
ويكأن العقاد يستشرف المستقبل، فطالما عبر عن رفضه للتطرف وتكفير البعض للبعض. فقد نَعَتَهُ احدهم بالكفر يوما لكونه يتعامل بالتصوير، وهذا جهل مطبق ومركب، واستمراء للعيش في التخلف والاستكانة. من جهة اخرى، يعترف بان الوطن العربي لا يخلو من القمع الفكري والابداعي، وهذا ما جعله يستثمر الاعلام الخارجي للتعريف بالحضارة الاسلامية والموروث العربي، الذي لا تحيط به كثيرا المجتمعات الغربية.
العقاد ضمير امة، ونهجُ تنوير واصلاح، ورسالة واضحة لتحرير العقل والقلب مما علق بهما من ادران تراكمت عبر القرون. لئن تاهت وفخرت بريطانيا بابنها وشاعرها شيكسبير، فها هي بلاده تنزله منزلته التي يستحق: فقد منحه الرئيس بشار الاسد، رئيس الجمهورية العربية السورية، وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة، تقديرا لمواقفه القومية والوطنية وخدمته لوطنه وامته بكل اخلاص ونزاهة، كما منحه الرئيس اللبناني اميل لحود وسام الارز الوطني من رتبة ” كومندور” لعطاءاته الفنية. ولم تغفل ذكره بلدته الطيبة حلب، التي درج على ترابها خطواته الاولى، واستظل تحت سمائها وسحبها، فقد اطلقت اسمه على احد شوارعها تخليدا له.
كان في بال العقاد الكثير من الاعمال التي يود تقديمها الى العالم بقطبيه: الغربي والشرقي، ولكن ايد الظلام لم تمهله، فقد عرجت روحه وروح ابنته ريما الى بارئهما في 11 نوفمبر عام 2005، مسدلة الستار على هرم عربي سوري فذ ربما لن يتكرر.

يونس عودة
محاضر متفرغ في قسم اللغة الانجليزية في كلية العلوم التطبيقية بعبري/ سلطنة عمان. اردني. حاصل على شهادة الماجستير في اللغويات التطبيقة من جامعة إنديانا في ولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة الامريكية عام 1990. إضافة الى تدريس اللغة الانجليزية، فهو عضو في فريق الترجمة المضطلع بترجمة التقارير والمخاطبات فيما بين الكلية ووزارة التعليم العالي في السلطنة، ناهيك عن المشاركة في ترجمة ما يسند الى الفريق من مقررات دراسية من العربية الى الانجليزية وبالعكس. قام بتدريس مادة اللغة الانجليزية في عدة كليات وجامعات كجامعة البحرين، جامعة ظفار، اضافة الى بعض المعاهد في الاردن والامارات العربية المتحدة.

Source URL: https://kfarbou-magazine.com/issue/10662