رثاء العيد

by tone | 11 أكتوبر, 2017 10:09 م

تعالت الأصوات بتلك القراءات الروحية والابتهالات الإيمانية في تلك البقعة الطاهرة الشاخصة بجمالية قبابها وزخرفتها الإسلامية الرفيعة، والتي تقشعر لها الأبدان رهبة وتعظيما” في أيام هي أشرف وأقدس الأيام عند الله شهر رمضان الكريم. كان هذا هو محور تغطيتنا الإعلامية التلفزيونية.

وسرعان ما راودتني رغبة جامحة!! استوقفت الكادر لنتشاور في تغيير موضوع التغطية ليكون عن العيد في تلك البقعة الطاهرة من المرقد المقدس وأسواقه المبهجة، والتي تجمع حولها مئات العوائل الهاربة من هول المعارك في مناطقهم الساخنة ضد تنظيم داعش الإرهابي المقيت .
نظرت لتلك الصور، تعثرت خطواتي، تزايد خفقان قلبي، احمرت خدودي كالصبيان، ارتعشت يداي، ارتجفت كاميرتي، بقيت عيوني تشخص تلك الصور الحية، ترقرقت عيناي، كأني عصفور خانته أجنحته، مئات القصص تروى بألم وخوف وحسرة.
سردت لنا الطفلة ( تماضر) قصة هروبهم المذهلة من مناطق القتل والدمار والخراب بعد أن أعطوا مئات القرابين الخالدة ودموعها تنهال على خديها كالمطر، وطفلة في السوق من المهجرين تمسك برداء أمها تستحلفها أن تشتري لها ثوب للعيد، وطفل آخر ظهرت أصابع قدمه من حذائه المتهالك، وشيخ انحنى ظهره ينظر إلينا معتذراً عن ضعفه وحيرته في تدبير شؤون عائلته، وعجوز طاعنة في السن تقرأ القرآن على بطن خاوية، وطفلة وجهها أصفر تعاني الثلاسيميا ولم تبدل دمها لحد الآن، وطفلة تبحث وسط أكياس النفايات لعلها تجد ما يسد رمقها، وجوه اعتراها الخوف والجوع والمرض المطبق على محيياهم .

أكملت تغطيتي بأعصاب منهارة، فهل سينهار مثلي أصحاب الضمائر الحية ؟، وهل يتعظ أصحاب القلوب الميتة ؟! وهل سيسعف لهفتهم أهل الخير والرحمة عند عرض التقرير ؟.
وأيقنت أنها قصص مرثاة لا معايدة وقصص عزاء لا تهنئة.
وتذكرت عندها عيد أبي الطيب المتنبي، عيد البعد والحرمان وفراق الديار والأحبة ( عيد بأيه حال عدت يا عيد..).
كان الله في عون شعبنا في العراق وسورية وسائر بلداننا العربية المغلوبة.

Source URL: https://kfarbou-magazine.com/issue/11136