الإعلام العربي والمرأة

by tone | 11 أكتوبر, 2017 10:13 م

من الحقائق المؤسفة التي أثبتتها الدراسات الحديثة: إن الوطن العربي يأتي في المقدمة في إستيراد البرامج التلفزيونية، وخصوصاً برامج المرأة إذ تشير الإحصائيات العربية الى إن الإنتاج الأجنبي المستورد هو الظاهرة البارزة في محطات التلفزة العربية، والتي بلغت نسبة (40-60) بالمائة من البرامج التلفزيونية

المعروضة على أغلب القنوات الفضائية العربية، وما يثير القلق هنا إن أغلب المواد الأجنبية ذات طابع غربي، وهي تتعارض مع القيم السائدة في مجتمعنا العربي، وتتعارض مع الواقع الاجتماعي، وتعد الولايات المتحدة الأمريكية الرائدة في تصدير البرامج التلفزيونية بصورة عامة، وبرامج المرأة بصورة خاصة بما فيها من برامج للأزياء والموضة والسياحة، ويليها في ذلك بريطانيا وفرنسا، لأسباب عدة منها: :-

1/ ان شركات الإنتاج الغربي لديها مصادر مالية ضخمة تسمح لها بتمويل أعمال إنتاجية ضخمة تكلف ملايين الدولارات.

2/ تتمتع شركات الانتاج التلفزيوني الامريكية في سهولة وصولها الى كم كبير من المواهب من المنتجين والكتاب والمخرجين ويأتي بعض هؤلاء من دول أخرى مثل بريطانيا وكندا واستراليا.

3/ إن البرامج التلفزيونية الأمريكية من البرامج التي تستحوذ على رغبات فئات كثيرة من المشاهدين لما فيها من تشويق واثارة.

وكان من نتائج ذلك بروز هيمنة غربية فكرية وعملية على وسائل الإعلام العربية، خاصة ما يهتم منها ببرامج المرأة والأسرة : (أن من أكبر الأسباب التي رسخت الصورة النمطية للمرأة المرتبطة بالجانب الاستهلاكي، تأتي من تأثير الدول ذات الاقتصاد العالي، التي تستخدم سياسية تسليع كل شيء، بما في ذلك المرأة ، وتعتمد تلك الدول في سياسة تأثيرها على 

وسائل الإعلام ذات الانتشار الواسع، كما أن الهيمنة الثقافية تعتبر شكل من أشكال الاستعمار القديم الذي فرضته الدول القوية على الدول الضعيفة، ويأتي التأثير الثقافي بشكل متسق مع أهداف التأثير والهيمنة السياسية والاقتصادية التي تفرضها تلك الدول، إذ أن الدول الضعيفة لا تملك من أمرها شيئاً، بل تتأثر بالدول الغالبة). ونتج عن هذا التوجه، ما يعرف بأسلوب التقليد الإعلامي الأعمى للرسائل الإعلامية الغربية، فأصبحت وسائل الإعلام العربية والإسلامية محطات ترديد وتقليد لما يطرح في الإعلام الغربي: ففي تعليم المرأة وعملها، اضطلع الإعلام بدوره في بناء مفهوم خاطئ عن قرار المرأة في بيتها ؛ إذ جُعِلَ هذا القرار مُبعِداً لها عن دائرة القوى العاملة أو الكوادر المنتجة، فالمرأة المتفرغة لشؤون بيتها والحدب على أطفالها رعايةً وتعليماً بكل ما يمثله هذا الدور المنزلي من حضور ديناميكي فاعل ومؤثر، لا يُعترف به إعلامياً، وهذا الاعتقاد قد يكون منشؤه (تضخم النموذج الغربي) في العقلية العربية في ظل تقليد الضعيف للقوي والتبعية المطلقة له، ودعت وسائل الإعلام العربية إلى ضرورة التعليم المطلق للمرأة، ومنحها فرص التعليم حتى في مجالات لا تتناسب مع طبيعتها الأنثوية، ومن ثَمَّ إيجاد سيل هائل من الخريجات اللاتي يطالبن بفرص عمل، وأُظهرت هذه الدعوة من خلال الإعلام على أنها الحل الأمثل للقضاء على الأمية النسوية التي تحرم المرأة من فرص الالتقاء بالسياق الاجتماعي الطبيعي المناسب لها ، والذي لن تصل إليه إلا بما يمنحه لها (التعليم بكل ألوانه وتخصصاته وفنونه) من كفاءة وثقة وأهلية لتكوين رأيها الذاتي المستقل عن الرجل.

إن المدرسة العربية في الإعلام لا تمتلك رُؤَاهَا الخاصة فيما يتعلق بمعالجة قضايا المرأة، بل تعتمد بشكل أساسي على تقليد المدرسة الغربية التي لا تعالج قضايا المرأة العربية أبداً، فتقوم على ثقافة الجسد، وتعتبر المرأة جزءاً من عوامل تسويق المنتج وتهمل إنسانيتها، مما يؤثر بشكل كبير على ثقتها بنفسها، ودورها في المجتمع، فتظهر المرأة في الاعلان مخلوقاً ساذجاً لا هم له إلّا الأكل والشرب والتجميل، فهي تستخدم للإعلان عن السلع لجذب الرجل والمرأة على السواء، فالإعلان يدعوها إلى أن تجعل نفسها في دور المرأة التي حصلت على أعلى أمنية بشراء السلعة، أما الرجل فيغريه الإعلان بالحصول على المرأة الجميلة التي تعرض السلعة، كجائزة لشراء هذه السلعة وحتى الإعلانات التي تصور المرأة في مواقع العمل تصورها على أنها أنثى الرجل وتجذبه.

أما الدراما العربية، فهي ليست أفضل حالاً من بقية أنماط وفنون الاعلام في قضية التعامل السلبي مع المرأة العربية، إذ تبرزها في صور غير واقعية: تقدم هذه القصص المرأة بشكل سلبي فهي دائماً بحاجة إلى عون وغالباً ما تتوقع هذا العون من الرجل وهي ضعيفة القدرة على اتخاذ القرار وتفتقر إلى المبادرة وغالباً ما يكون مصيرها الفشل في المواقف الصعبة، وتصوّر خروج المرأة إلى العمل نتج عن عوز اقتصادي أو عن فشل في الحياة الأسرية ولم ينشأ عن إحساس بأهمية العمل أو ضرورته، وتبرز هذه القصص المرأة في مواقف تدافع فيها عن قضايا تخصها وفي مواقف تتعلق بها شخصياً، ونادراً ما تصور هذه القصص المرأة العصرية وهي تدافع عن قضايا أو مواقف عامة بل فقط عن مواقف شخصية وعن أمور عاطفية.

Source URL: https://kfarbou-magazine.com/issue/11138