شخصيات فنية من كفربو في القرن الماضي

by saloum | 30 ديسمبر, 2011 11:33 م

 [1]

هناك على تلك الرابية المطلة على  مدينة حماة, شمخت قرية كفربهم بشخصياتها الأدبية (حبيب و وحنا ودرغام)  يتأملون الطبيعة,ويشكلون الجوقة الفنية  في فصل الربيع ,يترنمون بصوت الطيور ،وكأن الطيور تشاركهم فرحة اللقاء،والمودة التي أشعلت نار اللهفة لانطلاقات الحديث ،عمّا يجول في خاطرهم من أمور خاصة وعامة  في دار تدعى (الجوانية) قرب مزار الأربعين شهيداً0من هم هؤلاء الذين زيّنوا أيام القرية بالفرح والمحبة والكرم والنخوة؟ وجمع بينهم الشقاء والفقر واليتم ؟ ،لقد اجتمعوا على المحبة ،والفن والترتيل مع الكاهن بدور(خيروس كنيسة). 

1-  حبيب الجمال: (1928- 1993)

– كان الراحل يعمل في الزراعة زراعة الحبوب وعندما وصلت مياه السدود إلى البلدة  انتشرت زراعة القطن والبصل والخضار وغيرها وكان يقدم الألحان الشجية على أنغام ربابته0 و يرتجل الأشعار الشعبية في المناسبات المختلفة وقد ملك الرأي ,وراح يطلق ألحانه الشجيّة، والناس تتوافد إلى مضافة الشيخ فرح قريبه ،والقلوب تردّد الآهات ،وبعضهم يفسّر أبيات الشعر الشعبي ،وبعضهم سرح بخياله مع حبيبه ، وغيره يفكّر بشؤون عمله،ويسمو الفن   في أرقى صوره الإنسانية، وحبيب يداعب المشاعر والأحاسيس عند الحاضرين0  و حبيب ذلك الرجل المؤمن ، العاقل الذي تظهر عليه الملامح الإنسانية والطيبة وتراه يحبّ السهر ،ويتدرّب على ربابته في أوقات الفراغ ، ومجلسه محبّب 0

وتجده يضع مادة ( الآلفون) ، ويمرّرها على وتر الربابة،لأنّ هذه المادة تشدّ الشعر، وتجعل صوت الربابة شجيّا ،  لقد تعلّم العزف على الربابة بشكل ذاتي، فهو الذي صنع الربابة ،فشعر الربابة من ذيل بغله، وجلدها من أرنب اصطاده ، وخشبها من، فروع الأشجار،كان يتعلّم من مدرسة الحياة كلّ شيء ،وأتت الرغبة في الغناء والعزف         وأصبح معروفا ًفي القرية  وفي القرى المجاورة ومع الطيبة التي يحملها حبيب،كانت السمنة في أجزاء جسمه قد جعلته متثاقلا ً في مشيته،  وتراه يغنّي في الحقل وفي جلسات المساء ،ويسرد النوادر لجيرانه، ويضحكون كثيرا ً،ويفرحون بحديثه الممتع في النهار ، وفي الأمسيات المسائية يجود عليهم بوتر الربابة. و يتحدّث عن أفعال المخاتير والأغنياء ،وقد شغله لفترة طويلة ما فعل أحد الأغنياء حيث أنّه نصب بيت شعر في الحقل  لاستقبال بائعة الهوى ويستغرب حبيب وضع ذلك الغني الذي يعتبر ذلك الفعل من الإنجازات التي يفتخر بها، إنّه يفتخر بالرذيلة.

2- درغام سلوم سلوم:(1937-2004)

     بدأ حياته الراحل  يعمل في قطع الأحجار من أجل البناء، ثم انتقل عام 1966 إلى الوظيفة في معمل الأسمنت جوار القرية، هذا الإنسان أحب الناس وبادلوه المحبة,وله هيبة ووقار, وهو اللبيب ومرهف الحس صاحب القلب النظيف والطيب ,كما كانت الناس تقول  . كان يستخلص الأشياء الجميلة في الحياة،ويقدمها للناس،وهي لوحات شعريّة، تطرق باب المشاعر0  يتأمل  الحياة و يرسم للناس دروب الخير ،   ويرصد الواقع و مسيرة الناس ، و عندما يرتجل  أشعاره الشعبية تجد الإبداع والحكمة, ويعرف أهل القرية كيف تصدّى في مساجلة فن العتابا لكبار قوّلي العتابا في سبعينيات القرن الماضي،    أمثال حسن الشريف و صالح رمضان , وكان الناس يتمتعون بأحاديثه المفيدة  و يهتم بالقضايا الروحية ، و يقدم النصح للجميع ، و نصائحه  تقدم لأهل القرية الفائدة عبر الرأي السديد , وأنا ابنه البكر أسير على خطاه  بعد أن زرع في كياني حب الخير والجمال والقيم الإنسانية رحمه الله.

3-  حنا زيتون:من مواليد 1928م

– كان يعمل في الزراعة ثم انتقل إلى الوظيفة وساند قضايا العمال, ورافق الراحل حبيب في حياته وسهراته في الأفراح والأتراح، ويساعده في العزف على الربابة ويجريان المحاورات الشعرية ويهتفان في الأعراس والمناسبات الدينية. ولعلّ تلك الأمسية التي جمعت بين شاعر العتابا(الشدراوي) من المشرفة ريف حمص عام 1944 وبين حبيب الجمال وحنا الزيتون قد تركت حدثاً بارزاً في حديث الأجيال, وأخرج الحدث الراحل الشيخ فرح الجمال الذي راهن على جعل الشدراوي الشاعر الكبير في العتابا أن يترك الحفل مهزوماً أمام حبيب وحنا المتواضعين في شعرهما ، وكان الشيخ فرح قد أخذ معه يومها عدداً من المصفقين لحبيب وحنا مهما قالا من الأبيات الضعيفة والمكسّرة أحياناً حيث تبدأ الزغاريد ويعلو التصفيق ومازال حبيب وحنا في منتصف بيت العتابا,  وأخذ فرح عدداً من الصارخين        .   .مكسور..مكسور… لبيت الشدراوي مهما كان البيت قوياً ويرتسم العبوس على وجوههم.

 وفعلا ترك الشدراوي الحفل ونادى زوجته واسمها(وطفه) واتجه إلى محطة القطار.

– يرحل الفرح من دار شاعر العتابا( حنا) ، ويزداد  لوعة على الطبيعة الصافية , الطبيعة البشريّة الأولى التي تحمل نقاء الحياة ، وهي بعيدة عن العتاب والعذاب ، وقريبة من البسمة  في زمن الاعتراف بقوة الشر وبقوة الخير،هما قويتان متناقضتان ، ولكلّ من القوتين لها القدرة الحقيقيّة في صنع حالة معيّنة تنطلق من عقل المرء ومن نفسه ،  فقوة الشر تحرق أوراق السعادة،وقوة الخير تجعلها خصبة مخضرّة ، وحسب التوجّه تُجنى الثمار، ولكليهما ثماره . وجرّب حظه في الزواج الثاني وحالتا الفقر واليتم ماثلتان في عيونه. وتتغير الأيام وتتحسن الظروف المادية واليوم تجده أمام محله يتذكر تلك الأيام وحنين الماضي.

   – هكذا  كان هذا اللقاء بين( حبيب و درغام وحنا) شلال عطاء و نبع الهام ، وقد تمثّل في عراقته،وتجسّد في الأحاسيس الصافية   ،فقد رسم لحن الفرح ولحن الدموع ،وتجسّدت به القيم الايجابية كان اللقاء علاقة  حميمة  وقويّة، يتجلّى التضامن، وتشمخ المحبة الجديرة بالإكبار،وكان هؤلاء يدعمون هذه العلاقة لأنهم يؤمنون بالمحبة التي تدعم التواصل بين الناس،وهذا ما جعل السطوح في الصيف عامرة بسهرات المودة والألفة، وهم يراقبون نجوم السماء ، ويقصّون السّير الشعبية، ويغنون الأزجال، والأغاني الشعبية،ويتعطّر المكان بأبيات الشعر الشعبي، وتموج ، وتهتزّ الأبدان على إيقاع الأغاني المختلفة في إيقاعيها السريع والبطيء ،تلك الأشعار والأغاني الشعبية لهما امتداد إلى التراث من نغم الأجداد وعطر الماضي.

Endnotes:
  1. [Image]: http://kfarbou-magazine.com/wp-content/uploads/101_0726-Small.jpg

Source URL: https://kfarbou-magazine.com/issue/120