الاثنين 1يناير 2024: هيئة التحرير وادارة موقع المجلة تبارك للجميع بحلول عام جديد متمنين لكم عاما مليئا بالخير والمحبة راجين من الله أن يعم السلام كل سورية ودمتم بخير ..  * 

كار العشق

يعاتبك صديق بقوله: أنظر إلى رأسك فتنظر إلى قدمي! لا تخجل!.. في الرأس الكثير من الرؤى والأفكار المتضاربة, في الرأس كل شيء, ولذا فإننا حين ننظر إلى الرأس قد لا نرى شيئاً, أما القدم فله اتجاه واحد, ولذا فهو يمنح الصورة الأوضح.

إذا شبّهت الإنسان بالشجرة فلا تظن أن الرأس هو الثمرة, والقدم هو الجذر, العكس هو الصحيح, فالرأس هو جذر الإنسان, والقدم ثمرته, لأن الرأس فكرة, والقدم إقدام وعمل.‏

حين يموت الإنسان غالباً ما يختفي كل الجسد وما عليه فجأة, ولا يبقى إلا الحذاء.‏

والشجرة حين تحترق لا يبقى إلا جذرها, هذه صورة تضيف للقدم معنى الجذر.‏

وهكذا يجتمع للحذاء معنى الجذر والثمرة معاً, فتكون له كفاءة سحرية في الإحالة إلى الإنسان.‏

قد تتجلى قدرة الخالق في أضعف مخلوقاته, وكذلك مجلى الإنسان.‏

الجسد هو المجلى الأوضح للإنسان, ولذا فإن الطبيب هو الأكثر معاينة لأسرار هذا الكائن, وذلك عبر تشريح الأعضاء, والنظر في ما يعتريها من أعراض في حالات عديدة من السقم والعافية.‏

كما أن الطبيب قد ينتقل من معاينة الأسرار, إلى مقام صوغها وتشكيلها بعقاقيره أو بشكل مباشر عبر أدوات بسيطة تفتق بالمشرط, وترتق بالإبرة والخيط, حتى أمكن الإشارة إلى فعل الخلق بمهنة الخياطة.‏

غير أني – أنا الذي قضيت الشطر الأكبر في حياتي في اللهو وتبديد الوقت – لا أبغي اليوم أكثر من أن أكون تلميذاً عند الأستاذ عبد الوهاب الشيخ خليل, فأتعلم مهنة صناعة الحذاء على أصولها, وأعكف في ما تبقى لي وله من عمر في مشغل على جادة قليلة العابرين, فيتسنى لي وقت للاستماع من شيخي عن شيخوخة السالفين, وينشرح صدري لسلسلة النسب, وأقبل بقلبي على المهنة, فلا حاجة لي بكتاب ومعلمي أمامي, ثم إني أريد المهنة حية لا ميتة, فأتحسس الجلود والخيوط والمسامير بقلبي , وأتشممها بفؤادي: هذا معلمي عبد الوهاب الذي عاد لمهنة صناعة الأحذية, وقد أدرك عميقاً معناها, بعد أن خَبر مهناً عديدة, وهذا أنا أمامه صبي الحدّاء الذي بدأ يغادر سن اليفاعة, يتلمس في الكائنات التي يصوغها أنثى السعادة القادمة بفستانها الأبيض, يزفها أهل الحي بالدفوف والأهازيج والزغاريد.. أقترب من الجلد أكثر وأتشممه, وفي أوج استغراقي يغمز معلمي أحد أصدقائه ليلفت انتباهه نحوي: لقد دخل رضوان في عشق الكار.‏

فأبتسم بحياء, وأتابع عملي بهمةٍ أكبر, وأنا موقن أنني دخلت في كار العشق

(عن جريدة الفداء الحموية)

التعليقات: 1

  • يقول رئيس التحرير:

    الشاعر رضوان السح
    يسعدني أن أزين صفحات المجلة بمقالة لشاعر صديق وقد تركت هذه المقالة عندي بعداً تأملياً في مسألة الكتابة الابداعية لمَّحت إليها أهلا بك في المجلة ونتمنى أن نرفد المجلة بالكتابات المميزة يا أبا فردوس الغالي…………..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *