الاثنين 1يناير 2024: هيئة التحرير وادارة موقع المجلة تبارك للجميع بحلول عام جديد متمنين لكم عاما مليئا بالخير والمحبة راجين من الله أن يعم السلام كل سورية ودمتم بخير ..  * 

التراث الشعبي علم و حياة

 

الفلكلور أو التراث الشعبي هو علم يزخر بالإبداعات الفنية المعبرة عن حياة الشعب والمرتبطة بعاداته وتقاليده في حلقات متصلة متجددة دائماً بين ما هو قديم وأصيل .

والتراث الشعبي اتخذ مكاناَ لائقاَ به باعتباره علم قد بينت الدراسات الإنسانية أنه عبارة عن عناصر ثقافية حية مؤثرة وفعالة تساير الشعب في تطوره، مسايرتها لحياة الأفراد في سلوكهم وعلاقاتهم .

ولم يعد الفلكلور مجرد رواسب متحجرة تخلَّفت من الماضي؛ كما أنه ليس زائراً من بيئة أخرى إنه جزء لا يتجزأ من مجتمعنا يتفاعل معه ويؤثر فيه ولا يقف في وجه المعرفة والعلم. إنه يبدأ بالحس المشترك وينتهي بالحس المشترك. والطابع المميز للتراث الشعبي أنه معرفة عامة لجميع فئات الشعب وليس حكراً ولا وقفاً على طبقة خاصة، أو تجربة خاصة، أو معرفة خاصة؛ بل هو حق مشاع كسائر الثقافات وأنواع المعارف ولكل طبقات المجتمع من عامة وفلاحين مثقفين كانوا أم عاميين فقراء أو أغنياء هو للجميع بلا استثناء .
والتراث الشعبي لم ينفصل عن تجارب الناس بما فيها من تنوع فقد كان قادراَ دائما على التعبير عن تفاؤل الإنسان الشعبي وثقته بالحياة؛ كما أنه صورة لإحساسه ومشاعره .
وقد مثل التراث الشعبي عبر أنماطه المتنوعة في الزمان والمكان كل فنون الأدب الشعبي من أزجال وشعر شعبي، وحكايات خرافية، وقصص شعبي، وملاحم وأمثال، وعادات وتقاليد، وممارسات شعبية تنظم حياة مجتمعاتنا وتنظم سير حياتهم الاقتصادي والاجتماعي والإداري والسياسي. وفنون الموسيقى والغناء والرقص الشعبي الجماعي، والألعاب الشعبية وما يتخللها من حركات إيقاعية وإشارات إيمائية عبرت بأصالة وصدق عن طبيعة العصور والبيئات المختلفة التي أنتجت هذه المادة. فكان التراث الشعبي بحق المتنفس للمشاعر الإنسانية في صورها الأولى .
أما من وجهة النظر الحياتية فإن التراث الشعبي هو الشيء الوحيد الذي يمكن للإنسان أن يمتلكه، بل إن امتلاكه مفروض عليه مهما حاول رفضه والتخلص منه؛ لأنه يعيش في أعماق كيانه. وكل ما يستطيعه هو أن يغير نظرته إليه، بأن يعيد تفسيره، وتحليله، وتقييمه، على أُسس جديدة، تثبت فيه الحياة، وقوة التأثير وتفتح عين الإنسان وقلبه عليه ليقبله ويرضى عنه، ويشعر بأنه في داخله. إنه في مظهره الحضاري من زينة وزخرفة،وعمل ولباس، ومأكل ومشرب، وكرم ضيافة، وطرز بناء، وعادات زواج، وختان وموت وحياة، إنه حياته التي يحياها ويتمثلها في كل لحظة من لحظات حياته.
إن الماضي كتراث يؤثر عبر الحاضر في المستقبل، وغير منفصل عنه ولا منقطع ، فالتقدمية بمعناها الصحيح إنما هي استئناس تسير عليها الأمة في تاريخها الحي الصاعد قبل أن ينتابها الجمود والاستلاب والانحطاط . وأن الجهود التي تقوم بها وزارة الثقافة في وطننا الغالي سورية وما قدمته خاصة مديرية ثقافة حماه حين نجحت نجاحا منقطع النظير في مهرجان حماه الأول للفنون الشعبية هي جهود مشكورة، فقد أبقت أحسن الأثر في النفوس حين أعادت رسم لوحات رائعة الجمال للأذهان ذكرتنا بفصول مضت من حياتنا الشعبية. و نحن نشكر مديرية ثقافة حماه التي أشعلت لنا مشاعل نور تهدينا لثقافتنا الشعبية في وقت بات الكثير من الناس لا يهتمون بهذا الصنف من الثقافة. شكرا لهم لأنهم عرفونا وذكرونا بجزء من ثقافتنا الشعبية الغنية عبر مهرجان حماه الأول للفنون الشعبية في وقت أوشكنا فيه أن ننسى فيه أنفسنا قبل نسياننا لتراثنا الشعبي. لقد ذكرونا بحياة شعبنا العظيم الذي سكن هذه المنطقة العظيمة الرائعة من العالم ولا سيما كونها مهبط الأديان، ومنبت الحضارات العظيمة، وعلمونا وبينوا لنا أن الفنون الشعبية تراث لا يختلف عن أمر تراث الآثار المستخرجة حتى من باطن الأرض؛ تلك التي تحدثنا عن حياة الآباء والأجداد، فنزهو ونثَّنها عاليا وكذلك نثَّن تراثنا الشعبي ونثمَّن أيضا فنونا الشعبية التي هي جزء منه .
إن أصالتنا في الماضي هي خير ممثل لحضارتنا في الحاضر, ما نعيشه من حضارة في حياتنا الحالية هو جزء صغير من حضارتنا في الماضي , وإن الذي يتخلى عن ماضيه ويعيش لحاضره فقط، إنه لم يعش ولن يعيش ولا أمل له في العيش لأن من ليس له ماض ولا تراث ليس له مستقبل. ذلك أن التواصل والامتداد بينهما هو الذي يمد الإنسان بطاقات تتفجر خلال نشاطاته ليتغلب على نهاية الحياة .
ومن هنا يكون الماضي حافزاً لنا، وإضاءة تنير دربنا الطويل كي لا نضيع أو نتغرب عن واقعنا أو نبتعد عن ماضينا وحضارة الآباء والأجداد . فالتراث هو وعي ذاتنا كي نعرف من نحن ومن نكون. إنه حياتنا التي عشناها في الماضي وحاضرنا ومستقبلنا الذي سيشرق . وإن أمة بلا تراث هي أمة بلا جذور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *