الاثنين 1يناير 2024: هيئة التحرير وادارة موقع المجلة تبارك للجميع بحلول عام جديد متمنين لكم عاما مليئا بالخير والمحبة راجين من الله أن يعم السلام كل سورية ودمتم بخير ..  * 

حوار مع الشاعر والأديب الراحل ميخائيل عيد

حوار مع الشاعر والأديب الراحل مخائيل عيد

         –  مخائيل عيد تجربة نصف قرن من الكتابات الإبداعية في مجال الشعر الفصيح و الزجل والترجمة والنقد الأدبي وقصص الأطفال والرصيد الإبداعي اليوم/67/ كتاباً.نسأل في هذا الحوار عن قضايا طرحها كتابه (أسئلة الحداثة  بين الواقع والشطح) كقضية الحداثة والواقعية والبنيوية الحكاية في الشعر الحديث، وقضية الترجمة عنده.

– طالما لا يوجد وصول إلى النص الكامل كما ترى في كتابك (أسئلة الحداثة ) كيف ترى منهجية منح الجوائز الأدبية في المسابقات؟

-الوصول المطلق أمر مستحيل , ما بوسع البشر أن يفعلوه هو أن يقدموا المزيد من الجمال , ويرتقوا بالبناء الثقافي درجات إلى الأعلى, وهنا تكون كل الأعمال محدودة , أو هي خطوة  على الدرب , وبعض الأعمال تشكّل نكوصاً إلى الوراء ،أي لا تصنع شيئاً ذا قيمة  للثقافة.أمّا بالنسبة للجوائز الأدبية هي نوع من إيجاد عمل لبعض المؤسسات التي تريد أن تساعد بعض الشباب والموهوبين,أو بعض المتطفلين على الثقافة, أو قد يكون ذلك اضطرارا ًلحاجة مادية, وهذا يدّل على قصر روحي اجتماعي خطير , إذ يضطر المبدع إلى الدخول في المسابقات.

أستاذ مخائيل برأيك هل حققت الحداثة شيئاً حقيقياً ؟

– الحداثة حققت أشياء كثيرة , والمؤسف أنّنا لم نترجم الحداثة على حقيقتها, لقد ترجموا لنا الحداثة على أنّها تغيّر في شكل العمل الفنّي, والحداثة هي فهم أعمق لكل ما في الكون, فالعالم ليس شكلاً والشعر الذي هو صورة العالم ليس شكلاً فقط,  بعض النقاد يقولون: إنّ الحداثة قد فشلت , لأنّهم يريدون أن يكون كل ما يكتب في أيامنا رائعاً , وهذا ظلم لعصرنا ، فلو عدنا إلى تاريخ الآداب العالمية لوجدنا أن المبدعين الحقيقيين قلة، فطوال  عصور الثقافة اليونانية لم يلمع أكثر من بضعة عباقرة, وأنا متأكد  بأنّ الذين كانوا يكتبون في تلك الأزمنة كانوا يعدّون بالألوف، يقال أن أحد شعراء العصر الأموي قد أخمد كذا وكذا من الشعراء. فلماذا يريدون أن يعدّوا الخاملين في أيامنا والبائسين على الحداثة.ويجعلوا سبب فشلهم هو الحداثة.الفاشلون موجودون في كل الأزمنة, وفي الأجناس الأدبية, ومن هنا يجب أن لا نظلم عصرنا , ولا نظلم الحداثة الحقيقية, وأن لا نطلب من الذين يكتبون في الصحف أن يكونوا عباقرة وممثلين للحداثة.

*- أنت متحمّس للواقعية الاشتراكية, لماذا هذا الحماس؟ وماذا ينفع العملية الإبداعية؟

**-الواقعية الاشتراكية هي من أرقى المدارس الأدبية التي عرفها القرن العشرون, وتمتدّ وصولاً إلى بدء الكتابات الإنسانية الإبداعية ككل الأفكار النبيلة التي أتت بها الديانات, وغير الديانات لم يسيء إليها أحد كما أساء إليها الذين حجّروها وجمدوها وحرفوها ممن زعموا أنّهم من أتباعها, لو رأينا سلوك أتباع أي دين سماوي سام لعلمنا الهاوية العميقة التي تفصل الواقع عن المثل الأعلى للدين.

*- لقد رأيت فريقين في النقد البنيوي, فريق خدم الأدب وفريق أساء إليه, برأيك-أستاذ مخائيل- هل يكتب لذلك النهج النقدي الاستمرار؟

**- الخطأ ليس في البنيوية أو ليس في الواقعية الاشتراكية , وليس في أي تيار نقدي , الخطأ الرئيس الذي وقع به أتباع المدارس النقدية وغير النقدية هو الزعم أن النظرة التي ينظرون بها إلى الأدب هي الوحيدة والكاملة والشاملة في كتابي (أسئلة الحداثة) أوكد على عدم قبول النظريات , أنا أومن بوجود نظرات, ولا أرى في الآخر نقيضاً لي, بل أراه مكمّلاً, وكانت هذه وجهة نظر جريئة , والأعمال تكمل بعضها. البنيوية قدّمت إسهامها في اغناء النقد الأدبي , لكنها ليست بديلاً للمدارس الأخرى, والزاوية التي نظرت إليها إلى الإبداع زاوية ضيقة.

*- تدافع عن شعر الحداثة, وتقف في بحث مطوّل عند الثروة الجمالية  لأبي سلمى وهو شاعر كلاسيكي  كيف تعلل ذلك؟

**- الحداثة ليست شكلاً كما قلت سابقاً، الحداثة هي روح العصر التي تدخلها في النص الإبداعي الذي نقدّمه, كل توجهي , وأكثر كتاباتي الشعرية , فيها الكثير من التجديد الشكلي , لكنّني لم أعتبرها حديثة لهذا السبب وحده , فالحداثة ليست شكلاً وحسب ،إنما هي وضع أثمن ما نملك من طاقات روحية وقيم في النص, وهناك مقالات نظرت إلى عيوب الحداثة أو ما يكتب باسمها . وإذا كنت قد أغفلت شعراء الحداثة , فلا يعود ذلك لعدم قناعتي بهم بل لأنّني وجدت أن الطاقة حيث الروحية توضع حتّى في الأسلوب القديم تكون فرعاً من فروح الحداثة.

*- نأتي إلى الحكاية وأدب الطفل, لماذا اعتبرت الحكاية موجودة على امتداد الكون حتى الأشياء لها حكايات؟

**- أنا مقتنع بأنّ الحكاية هي أم الفنون كلها, بل هي أم النتاجات الإبداعية والأجناس الأدبية والفكرية, وأزعم أن الإنسان حكى الحكايات قبل أن يتعلم الكلام عبر الإشارة والجسد وجماله, الحكاية هي الجذع الذي تفرّعت عنه الفلسفات والعلوم والفنون, وحتّى أكثر الغلاة في التوجه نحو الحداثة لم يستطيعوا التخلي عن الحكاية, اللوحات الفنية والقصائد وما أبدعه الفكر البشري فيه عنصر من حليب الأم أي الحكاية.

*- (أندرسن) العبقري صاحب الحكايات التي نعرفها منذ الصغر, لماذا لم يأخذ هذا الرجل المساحة المناسبة في مناهجنا المدرسية والجامعية؟

**- أندرسن أحد العباقرة الكبار الذين كانوا يفتخرون بأنهم قرأوا حكايات (ألف ليلة وليلة) وأنّه أعاد قراءتها أكثر من مرة , لا غرابة أن نهمله ما دمنا قد أهمنا قبل ذلك ما كان يفتخر قد قرأه.. نحن مع الأسف حتّى الآن لم نقرأ نتاج المبدعين في العالم.. أندرسن في حكاياته سبق الفلاسفة وكبار السياسيين وعلماء الاقتصاد إلى الكشف عن عيوب الرأسمالية التي ملأت العالم صخباً في أيّامه, ومازالت تملؤه حتّى يومنا هذا.

لقد عالج الكثير من الأمور الإبداعية وقضايا الجمال والواقع الاجتماعي بأسلوب مدهش , هو ك بحيرات الجبال الصافية , يخيّل لنا أنّ قيعانها في متناول يدنا , لكنّنا نغوص ونغوص ولا نصل إلى القعر.

*- رأيت أنّ الجانب المادي يعطّل الجانب الفني الإنساني .. كيف يتصدّى الكاتب الحقيقي للأمر أمام ضغوط الحياة؟

**- الإبداع الحقيقي أن نضحي بأثمن ما لدينا في سبيل الإبداع . ثمة حكاية صينية تحكي عن ملك طلب من أحد الحكماء أن يصنع له جرساً يختلف رنينه عن رنين الأجراس المعروفة في ذلك الزمان . بدأ الحكيم يجري ويجرّب ويغيّر مقادير المعادن  .ويعيد التجربة, ثمّ جاءه هاتف يقول:يجب أن تمزج جسد أحبّ الناس إليك, ولم يكن من يحبّ أثمن من ابنته الوحيدة, وتردد في الأمر, وعرّض عنقها للقطع, لكنّ ابنته اكتشفت ما يعانيه والدها, فألقت بجسدها بالفرن الذي كان يصهر به المعادن , ثمّ صنع والدها الجرس الأجمل رنيناً في العالم الذي ما تزال أصداؤه ترنّ في آذاننا إلى الآن, وسوف تبقى ترنّ طويلاً.

*- الأديب مخائيل عيد  نودّ الحديث عن الترجمة التي قمت بها من الأدب البلغاري ,والتي كان لها الطابع الموسوعي يصل بعضها إلى /600/ صفحة. سؤالنا: كيف تختار المواد التي تريد ترجمتها؟ هل يتعلّق الأمر بالذائقة الذاتية أم حسب شهرة الكاتب أم حسب قيمة الموضوع ؟ وكيف كانت البداية؟ ومن أهم المبدعين البلغاريين الذين ترجمت إبداعهم؟

**- القراءة أولاً ثمّ تأتي الترجمة , بعد قراءة طويلة أنتقي قصة واحدة ، وعندما أترجم لكاتب معروف كنت أسعى لمعرفة كل ما قاله النقاد فيه ..وحرصت على أن تكون أكثر (ترجماتي) من أدباء بلغاريا لأنني عرفت جغرافية بلغاريا وقرأت تاريخها، حتّى الأغاني الفلكلورية في ريف بلغاريا.

 عندما بدأت الترجمة كنت متخوّفاً , لأنّني كنت أخشى أن أخطئ في حق كاتب كبير لا ذنب له سوى أنّه أعجبني،والأدباء الذين اخترتهم للترجمة  هم أعلام في بلدانهم .أكر أنني أول ما ذهبت إلى إحدى المكتبات الكبيرة في (صوفيا) سألت مديرة المكتبة: ما الأسماء الأدبية البارزة؟ فذكرت لي أسماء أدباء بلغاريين من الكلاسيكيين, فاقتنيت أعمالهم, وبدأت أقرأ  لكاتب اسمه( ايلين بيلين) , هو من القرية وكتب عن القرية, وانتقلت إلى ترجمة كاتب كبير وأرى أنّه من كتّاب  العالم الكبار وهو( يرودان يوفكوف),وترجمت للكاتب ( انجل كارالتشف) وهو شاعر تحوّل إلى كتابة القصة ,فكتب قصصاً رائعة للأطفال وللكبار, وكانت قصصه هي أوّل ما نشر لي في الدوريات , وترجمت للناقد البلغاري الكبير( ايفريم كرمغلوف) ثلاثة كتب , أعادت دار الحصاد في دمشق طباعة الكتب , وكتابه الأوّل بعنوان(أبطال وطباعة) أحد الكتب التي أفتخر بترجمتها, لذلك ترى اجتماع الذاتية وشهرة الكاتب والموضوع في اختياري.

*- ونسأل أيضاً في مجال الترجمة: برأيك متى يفقد النص المترجم قيمته الأدبية شعراً كان أم نثراً؟

**- شعاري في إحدى الندوات الدولية للمترجمين هو:( أيّها المترجم  لا تجعلنا نرمي كتاباً جيداً ) لذلك عندما يفقد المترجم  سيطرته على طرفي المعادلة الحسّاسة أي- معادلة التمسك بحرفية النص مع الحفاظ على روحه – عندما يفقد ذلك يضيع الكثير من قيمة النص وقد قيل : إنّ الترجمة ضرب من الخيانة , ويبقى الأمر نسبياًَ, لأنّ الترجمة عمل شاق, ويحتاج إلى موهبة , وإلى خبرة كبيرة ، وقد شبهتها مرة بقطيع أوصال كيان عضوي قائم في بيئة معينة ,ثمّ إعادة تركيبه في بيئة أخرى مختلفة اجتماعياً وتاريخياً وثقافياً, وهذا العمل لا يستطيع القيام به إلاّ جرّاح عظيم الخبرة والمقدرة .وأزعم أنّ آثار التقطيع والوصل لن تزول تماماً, والترجمة تشبه المرأة الجميلة التي لا تكون أمينة دائماً , والقول المعروف هو أنّ القلة هم الذين يجعلونها أمينة وجميلة.

أمّا  في ترجمة الشعر أقول: إنّ الشعر العظيم لا يترجم,يجب أن يُقرأ في لغته الأم,على سبيل المثال لو شرحنا قصيدة شرحنا قصيدة للمتنبي باللغة العربية ألا تفقد كثيراً من شعر يته؟ الشعر العالمي الرائع يكون دائماً أصعب من شرح القصيدة إذاً ستكون الخسارة الجمالية بترجمته أكثر, ومع ذلك يبقى القول المعروف( الكحل أفضل من العمى) صحيحاً.ولهذا لا بدّ من ترجمة الشعر ,وأحياناً يأخذنا العمل الجميل فنترجمه, وكأننا منوّمين مغنطيسياّ.

*- الشاعر الأديب مخائيل أنت عضو مكتب تنفيذي في اتحاد الكتّاب العرب في دمشق .نسأل عن وضع الكتاب الصادر عن الإتحاد, كيف طوّرتم طريقة وصوله للقارئ؟ وماذا عن تواجده؟

**- نحن نصدر سنوياً مئة وخمسين كتاباً من الشعر والرواية وأدب الأطفال والقصص والمسرح والدراسات وغيرها ,وعندنا في مبنى الاتحاد مكتبة لبيع كتب الاتحاد بحسم أربعين بالمئة, وعندما اتصلنا بالمكتبات لتقديم كتبنا إليها لتسويقها اشترطت أن لا نبيع الكتاب للقارئ بهذا الحسم, كي تبيع هي وتربح,فرفضنا المساومة, إضافة لمكتبة الاتحاد هناك مكتبات للبيع في كل الفروع بالمحافظات, ومن أجل سهولة وصول الكتاب اشترينا أكشاكاً في بعض المحافظات كي تبيع الكتاب إلى القارئ مباشرة , والمسألة عموماً هي مسألة هبوط ثقافي عام , وعدم قدرة شرائية لدى الناس مما جعل المسافة واسعة بين اللقمة والكلمة.

ملاحظة:رحل الأديب 16-12-2004

                                                         

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *