احتفاء بعشرين سنة على صدور “أدب ونقد”

by tone | 30 أبريل, 2013 8:54 م

[1]

 

عندما بدأ الاحتفال, كان المشهدُ مدهشاً. مناسبة الحفل: مرور عشرين عاماً على صدور مجلة “أدب ونقد”. المكان: حزب التجمّع الوطني التقدميّ الوحدوي. الحضور: وجوه حاشدةٌ من الشعراء والأدباء والمثقفين العرب والمصريين. كنتُ أستهلُّ اللقاء بطلب الوقوف تحيةً للروائي السعودي الكبير عبدالرحمن منيف, الذي كان رحل قبل أيام. وكنتُ أستمعُ إلى كلمات: محمد برادة وأحمد عبدالمعطي حجازي ومحمد علي طه وفتحي عبدالفتاح وأنيس البيّاع, ثم أتصفّحُ وجوهَ الأحبة من الحاضرين, شعراء ومثقفين من شتى الأجيال والأقطار العربية, بينما تتناوشني الخواطرُ المتضاربة والمشاعرُ المتلاطمة. قلت لنفسي: ما كلُّ هذا الحبّ لهذه المجلة الفقيرة الشظفة؟ ما هذه المسؤولية الثقيلة التي يضعها هذا الالتفاف الحميم في أعناق محرري المجلة؟ تجيشُ بي الخواطر, فأعيد تذكير نفسي بأن “أدب ونقد” هي المجلة الأدبية الوحيدة التي يصدرها حزبٌ سياسيٌّ مصري, من بين العشرين حزباً, بما في ذلك الحزب الوطني الحاكم! وحين كان المثقف الفلسطيني محمد علي طه يقول إنهم في فلسطين يعتبرون “أدب ونقد” جزءاً من النضال الفلسطينيّ, مرَّ أمام ناظريّ شريطٌ طويلٌ من صور أولئك الذين تحملّوا العبءَ الباهظ (بأقساط مختلفة) طوال الأعوام العشرين من المسيرة الشاقّة الجميلة: الطاهر مكي أول رئيس تحرير لها, عبد المحسن طه بدر, لطيفة الزيات, أمينة رشيد, عبدالعظيم أنيس, صلاح عيسى, محمد روميش, إبراهيم أصلان, ملك عبدالعزيز, كمال رمزي, طلعت الشايب, ماجد يوسف, ناصر عبد المنعم ( أول سكرتير تحرير للمجلة, الذي صار الآن واحداً من المخرجين الشبان اللامعين), إبراهيم داود, صلاح السروي, مجدي حسنين (سكرتير التحرير الذي أبهظه قلبه الغض فمات عن ثلاثة وثلاثين عاماً), إيمان مرسال, مصطفى عبادة. كان أحمد عبدالمعطي حجازي يقول: فلنتضامن مع “أدب ونقد”, ففكرتُ في الملفات الكثيرة الساخنة التي نشرتها “أدب ونقد”, والمناطق المحرّمة التي اقتحمتها كما لم تقتحمها مجلة رسمية أخرى, ودفاعها المستبسل عن حريّة الفكر والاعتقاد والإبداع ووقوفها الجريء في مواجهة وقائع المصادرة (باسم الدين أو باسم السلطة) التي عصفت بحياتنا الأدبية: نجيب محفوظ, فرج فودة, نصر حامد أبو زيد, محمد عبدالسلام العمري, علاء حامد, وليمة لأعشاب البحر, الروايات الثلاث, أحمد الشهاوي, سعيد العشماوي, ناجي العليّ, وغيرهم وغيرهم. وحين كنت أتصفحُ بين الحاضرين وجوهَ: قاسم حداد, عبدالناصر صالح, سيف الرحبي, أمين صالح, فاتحة مرشيد, حمده خميس, فاطمة ناعوت, زهيرة الصباغ, سهير متولي, عبد العال الباقوي, محمود الشاذلي, تركي عامر, ماجد أبو غوش, وسعيد الكفراوي, برقت في نفسي أسماء الأدباء الشباب الذين كان ميلادهم الأدبي الأول بين يدي “أدب ونقد”, أولئك الذين سميناهم مرةً “الورود التي سقيناها”: طارق إمام, سمية رمضان, مدحت منير, نورا أمين, عزة رشاد, شيرين أبو النجا, إبراهيم فرغلي, عبدالحميد البرنس, محمد بركة, الطفلة خلود, أحمد أبو خنيجر, أحمد زغلول الشيطي, محسن يونس, وغيرهم وغيرهم ممن صار معظمهم الساحق في ما بعد في مقدم الحياة الأدبية المصرية والعربية. كانت اللحظة كلها أدفأ من الدفء وأبهى من البهاء. ساعتها تذكرت كم من التهم المتنوعة واجهتها “أدب ونقد” طوال العقدين, بصبر وشجاعة وعمل: بدءاً من تهمة انحيازها الى الأدب الأيديولوجي الزاعق, وانتهاءً بتهمة انحيازها الى الأدب الشكلاني الحداثي وما بعد الحداثيّ, مروراً بتهم الشللية والمصلحية والعلاقات الشخصية, وتهمة التراثية الزائدة تارةً, وتهمة المعاصرة الزائدة تارةً أخرى. كنا نقول لأنفسنا: وهل ثمة شجرة مثمرة بغير طوب يقذفها؟ ونعمل, لكي يتكلم العمل (حتى ولو حفل ببعض الأخطاء التي تشوب كلّ عمل جاد). وحينما تكلم العمل انقشعت الاتهامات كفقاعات الصابون العابرة, وساعتها كنا نردد لأنفسنا كلمات علي قنديل التي نشرناها في أحد “الدواوين الصغيرة”: “وهناك/ يمــكن أن تقابلَ كلَّ من أحببتــهم/ أما الذيــن تودَّ قتــلهم فهم في الخلف/ لا تنظر وراءك/ ومن الأمام يجيء رهط الأنبياء/ ويقرأون قصائد في الناس ثم يهرولون/ لا تستمع/ أنصت/ ولا تغبْ/ اندهش/ واركض وقلْ “لا”/ قــاتــل الله الذين استنعموا/ ما الفرق بين شجيرة والحبِّ؟/ ماذا يفصل الأحلام عن مستفعلن؟/ أو يفصل الإيقاع عن جسد الزمان؟/ في الإمكان أبدع مما كان/ في الإمكان الأبدع/ أبدع مما كان/ في الإمكان”. وحين كانت فريدة النقاش (رئيسة التحرير التي سميتها السيدة التي حربها حربان) تقول: “أحلم بأن يصبح جمهور الثقافة الجادة في حجم جمهور كرة القدم”, كنت أسترجع علاقتي بـ”أدب ونقد”. عرفت “أدب ونقد” منذ عام 1987 . وطوال عقد ونصف العقد كنت أساهم في صنعها, وهي تساهم في صنعي, حتى غدوتُ جزءاً منها وغدت جزءاً مني. ربما مرّت لحظةٌ غضبت منها وغضبتْ مني, شأن كلِّ حبيبين, لكننا سرعان ما تواعدنا: سامحتها وسامحتني. عشرون عاماً. نعم. إنها شابةٌ يافعةٌ, تستحق العرسَ وتنتجه.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

Endnotes:
  1. [Image]: http://kfarbou-magazine.com/wp-content/uploads/سيبيسبسي.jpg

Source URL: https://kfarbou-magazine.com/issue/3977