الاثنين 1يناير 2024: هيئة التحرير وادارة موقع المجلة تبارك للجميع بحلول عام جديد متمنين لكم عاما مليئا بالخير والمحبة راجين من الله أن يعم السلام كل سورية ودمتم بخير ..  * 

أدب الطفل في تراث الخليج

 

يعتبر أدب الطفل من الفنون الراقية في العالم ومن أنواع الأدب الذي بدأ يلقى اهتماماً كبيراً من قبل التربويين وعلماء النفس وعلماء الاجتماع. وعلى الرغم من قدمه نسبيا في العالم إلا أن هذا النوع من الأدب يعتبر جديدا في العالم العربي ومنطقة الخليج، كونه يتطلب مهارة فائقة في الصياغة وحبكة متقنة حتى تبدو صورها منطقية لمخاطبة عقول الصغار ومناسبة لأعمارهم. فاستثارة مخيلة الطفل ليس شيئا سهلا على الاطلاق، ولذا أعتبر أدب الطفل من أصعب أنواع الأدب.

اتخذ الغربيون هذا الأدب وسيلة لتهذيب الأطفال وتوصيل القيم المراد إيصالها لهم. فعبر قصة قصيرة أو حكاية معبرة تصل الفكرة للطفل بإيحاءاتها المختلفة وجوانبها التربوية المتعددة. وعلى الرغم من كون الكتابة الأدبية للطفل جديدة في العالم العربي ومنطقة الخليج الا أن إيصال القيم له عبر الحكاية أو”الحزورة” أو “الخروفة” كما يطلق عليها في منطقة الخليج ليس بالجديد. فقديما اعتمد المربون والآباء والأمهات على “الخروفة” لإيصال العبرة الموعظة للطفل عبر حكاية قصيرة معبرة مع التركيز على تدرجات الصوت. فكان الراوي يعبر عن جوانب القوة والضعف في هذه الحكاية عن طريق الإيحاء الصوتي. كما كانت العبرة تبرز في النهاية التي يحظى بها البطل في هذه الحكاية.

من أهم الجوانب التي ركزت عليها الخروفة جانب الخير والشر في حياة البشر. فالخير دائما في “الخروفة” ينتصر والشر دوما يكون هو الخاسر. وقد لعبت “الخروفة” دورا كبيرا ليس فقط في التثقيف ولكن أيضا في التهذيب وفي إيصال بعض القيم النبيلة كقيم العطاء والكرم والشجاعة والتعاون وغيرها من القيم التي كانت لازمة للحياة البشرية في تلك الفترة التاريخية من حياة شعوب الخليج.

ساهمت “الخروفة” كعامل بناء لشخصية الطفل في تلك الفترة فأكملت بالتالي عملية التنشئة التي كان الآباء والمربون يقومون بها. ولذا اكتسبت “الخروفة” أهمية كبيرة في الحياة الثقافية والاجتماعية للناس. ومما ساعد على تجذر أهمية “الخروفة” أن مخيلة الطفل في العقود السابقة لم تكن بعد قد تفتحت على التكنولوجية الحديثة والتي تقوم اليوم بدور مؤثر في خلق ذلك التناقض الذي يعيشه الطفل بين دور الأسرة وبين التكنولوجية كالتلفاز وأفلام الفيديو والانترنت وغيرها من وسائل التعلم. فلا غرو أن تحتل “الخروفة” مكانة متميزة في حياة الطفل والمربين. كما ساعدت “الخروفة” على إطلاق مخيلة الطفل كونه كان يتلقى صورا ينقلها إلى مخيلته بالألوان بعفوية وعذوبة من دون تأثير وسائل التكنولوجية الحديثة، وهو الأمر الذي يساعد الطفل على الإبداع من دون أي قيود.

ولا شك في أن “الخروفة” لعبت دورا مؤثرا في تحرير عقل الطفل من القيود التي تكبله اليوم من دون أن تكون لها آثار سلبية، على عكس ما تقوم به تكنولوجية اليوم من غرس قيم ومشاهد سلبية يحاول الطفل تقليدها الأمر الذي يؤثر في صحته وسلامته البدنية والعقلية. فخراريف الجدات (جمع خروفة)، على الرغم من احتوائها على بعض مشاهد العنف أحيانا ومشاهد خارقة للطبيعة أحيانا أخرى كالجن وغيرها الا أنها لم تشجع الطفل على تقليدها كمحاولة أطفال اليوم التشبه بالسوبرمان مثلا، أو محاولة تقليد بعض صور الرسوم المتحركة الأمر الذي يخلق آثاراً سلبية وجوانب كارثية. إذاً، فسلامة “الخروفة” لعقل وجسد الطفل كانت تؤخذ في الاعتبار. كما أن هناك عاملاً آخر يؤخذ في الاعتبار وهو مراعاة “الخروفة” لعمر الطفل. فما كان يحكى للسن الخامسة أو السادسة كان مغايرا لما يحكى للمستمعين من أعمار أكبر. كما كانت هناك “الخروفة” التي تروى للبالغين والقصد منها هنا الإمتاع والتسلية بالإضافة بالطبع إلى القصد الأساس من “الخروفة” وهو الموعظة والعبرة. فحياة الآباء والأجداد لم تكن، كما نعتقد، حياة جافة خالية من جوانب المتعة والتسلية بل كانت زاخرة بكل المتع العقلية التي تنمي العقل والحواس.

حافظت “الخروفة” أيضا على الحفاظ على ذلك الخيط الرفيع الذي يربط المستمع بالواقع المعاش والبيئة المحيطة ولم تخرج “الخروفة” كثيرا عن البيئة المحيطة وبالتالي حافظت على أكثر ما يخشاه مربون وآباء اليوم، الا وهو الانفصام عن الواقع وعدم تنمية الانتماء للمجتمع. من ناحية أخرى حافظت الخروفة على هرمية المجتمع فقد اكتسب الراوي شخصية معينة قائمة على الاحترام والثقة. وهكذا ساهمت “الخروفة” في إيصال قيم مجتمعية عالية قائمة على احترام الكبير وحب الصغير.

ظلت “الخروفة” تحتل مكانة متميزة في أدب الخليج حتى مجيء الطفرة البترولية وما صحبتها من تغيرات

اجتماعية ألقت ظلالها على كافة قطاعات المجتمع بمن فيها الطفل. ودخلت إلى حياتنا في منطقة الخليج وسائل التسلية الحديثة ووسائل ترفيه عن الطفل بما فيها والتلفاز وأفلام الكرتون وألعاب الفيديو بوسائلها القائمة على الإبهار وشد الانتباه وإطلاق العنان لمخيلة الطفل لما وراء الطبيعة بوسائل يسهل تقليدها. وعلى الرغم من جاذبية هذه الوسائل وتأثيرها الا أنها فقدت جوانبها التربوية من جهة، كما صاحبتها آثار سلبية كثيرة عجز بعض المربين عن تلافي سلبياتها. بالإضافة إلى ذلك، فقد خاطبت هذه الوسائل الطفل بصفته كائنا مستقلا فخلقت لديه عزلة عن محيطه. فهو وحيد أمام التلفاز وألعاب الفيديو كون هذه الألعاب قائمة على الفردية المطلقة وليست جماعية الأمر الذي يكرس في نفسية الطفل قيم الانفصال عن الواقع. لذا حذر الكثير من التربويين من مخاطر هذه الوسائل في توجيه سلوكيات الأطفال.

إن إدراك هذه السلبيات جميعها يجعلنا ننظر بعمق في تراثنا الثقافي والاجتماعي في محاولة لسبر أغواره واستخلاص وسائل جديدة لتثقيف الأجيال القادمة قائمة على استنهاض الهمم واستلهام الدروس والمواعظ مع الاستفادة القصوى من التقنيات الجديدة في تقديم أدب راق للطفل مكتمل من نواحيه الأدبية والعلمية.

2005-09-26

عن جريدة الخليج الإماراتية

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *