by tone | 30 أبريل, 2013 9:48 م
[1]
الشاعر مخائيل عيد: صاحب مجموعة(ورد وسنديان), وهي من المجموعات الزجلية التي حملت الكلمة المدهشة, والصورة الرائعة, وضاهت أغلب القصائد الفصيحة , وقد قيلت بلغة شعبية سهلة محببّة, فيها صدى العفـوية و صورة الطبيعة كانت مجموعة” ورد وسنديان ” للشاعر ميخائيل عيد التي نقدمها مثالاً في الزجل السوري الراقي.
ـ هذه المجموعة مختارة من تجارب الشاعر خلال أربعين عاماً , يظهر هذا من التاريخ المنوه به بعد كل قصيدة , لذلك تجد التباين في النفس الشعري بين كل تجربة , على الرغم من الشموخ والصدق اللذين ضمّا المجموعة, وبعد أن قرأت هذه المجموعة أصبحت على يقين أن الشاعر الحقيقي المبدع , يجسد تجاربه باللون الذي ترتاح نفسه إليه, لذلك نجد أنّ قصائد الشاعر ميخائيل عيد الزجلية لا تقل أهمية عن قصائده الفصيحة .
– لقد حملت مجموعة الشاعر” ورد وسنديان ” في ثناياها كل البلاغة, والبيان ,والبديع , بما فيها من إدهاش شعري ,ولغة سهلة مأنوسة, تدخل القلب بسرعة , وقد اعتمد الشاعر العفوية, وأسقط الإنسانية على عناصر الطبيعة .
ــ وأنت تقرأ القصيدة الأولى, تتشابك وتتداخل العلاقات في مفردات الطبيعة في حوار وحنين ومتعة وغيرة يقول :
مرمغ شفافه الضو بالوردة الجوري
قالت النحلة : و لو غاير من الدوري
و عبر استعارات متداخلة ،صنعت أفقاَ شعرياَ منها “ألحان توشوش ،زهرات تضحك خدود الموال ،كوكبة الأحلام, السوسن الغافي، مخدة الوردة ,ضيّع جراسه الضحك ،تفيق السواقي ، سراج الأيام ، همست عيونا مرحباَ، و الطبيعة كما نرى حاضرة في غزل الشاعر, و عبر طباق بديعي يقول :
فيّق الصبح و نام وضل القلب حده
يحرس ورد خده من لمسة الأنسام
ـ و بريشة فنان رسم الشاعر صورة شيخ ينتظر أحبابه ، وعبر موسيقا داخلية (غروب ـ دروب ) و موسيقا خارجية (حسابه ـ أحبابه ), قدم لنا صورة لهذا الشيخ ،تعاطفنا معها ، و حدّد الزمان, و المكان لحالة الشيخ ،و وصف حالته النفسية و بّين هيئته يقول الشاعر :
دغشة غروب و عند مفرق هال دروب ختيار عم بيراجع حسابه
أيده عم ترجف عيونه عم تلوب و القلب ناطر يرجعوا حبابه
ـ و يختار الشاعر الأوزان الخفيفة في بعض الأحيان, و يقترب شعره من المّوال “النايل “حيث تأتي الأشطر الأولى بقافية, و الأشطر الأخرى بقافية ثانية, كقوله في قصيدة “ذكرى “:
تخطر ع بالك سمر تخطر ع بالك مي
ينزل ع روحك مطر تشرب شر وشك مي
يطلع بليلك قمر تجمع خيوط الضي
وتروح ترسم صور بين الشمس و الفي
ـ عندما حملت” السنديانة ” ذكريات الشاعر, غدت قوية أصيلة شامخة ،و هي الأمل يقول فيها الشاعر :
و ها لسنديانة المرتكي عليها الجبل بتضل أجيال النسور تزورها
بقيت بعتم همومنا شعلة أمل و خليت شوقك يا قلب ناطورها
إن ما يطرحه الشاعر من قضايا بإيقاع عفوي ،لا بد للطبيعة من أن تحضر و تشارك الشاعر ، عندما تحدث عن رحيل الأحبة, وجدنا ،العشب ،الغبار ،الهواء ،القش ،النار ،الفضاء ،الظل يقول الشاعر :
كل اللي حبّوا و بنوا صاروا عشب و غبار
طيّر الغبرة الهوا و أكلت القش النار
وصرخت ملو الفضاء وين اللي كانوا صغار
با لحال جاني الصدى متلوع و محتار
ما ضل منهم حدا لا ظل ، لا تذكار
و تتجسد العفوية و الطبيعة في هذه الحوارية بين الأم و طفلها قبل أن ينام, يقول الطفل : شو عم يصفر ، شو عم يعوي ؟ مين دق الباب ؟
يمكن ديب ، يمكن ثعلب ، هربان من الغاب ،
تردّ الأم عليه :
برد ، برد تغطى مليح يا حبيب الماما
ولا تفزع ع الباب الريح عم تعزف أنغاما
ويستمر الحوار بين الأم و طفلها ،حيث يطلب الطفل حكاية ،فتسرد الأم له حكاية عن العصفور الذي كبر, و تدعو له بغمر أيامه بالحب و الحرية و السلام ، و تقترب جمل الشاعر بعفويتها من حديث الأم حقيقة ، و الطبيعة حاضرة دائماَ .
ـ هذه العفوية المدهشة عند الشاعر تتجلى في أسمى صورها عندما وصف الشاعر أمه يقول :
و الوجه قديسة و هالإيدين خشنين من كتر الضنى و حلويــن
نبعين من رقة و حزن نبعين من لطف و حنان و ليـن
و العمر طاحونة شقــــــا و الذكريــــــــــات طحــــــين
أما صورة” مشتى الحلو ” قرية الشاعر فلها عالم سحري, فالطبيعة جنة حقيقية وخاصة في وقت العصر يقول الشاعر في مطلع القصيدة:
المشتى قبل دغوش الليل زورا ورحلك تنزيها
طيور تغني زهور تميل وفراشات تناغيها
ويتابع الشاعر واصفاً عناصر الطبيعة الموجودة في قريته , ولعل العفوية الواقعية ظهرت بشكل واضح في قصيدة ( قالوا بحبا ) يقول :
قالوا بحبا / ودار بالضيعة الخبر / وتوشوشو صبايا
ونقلو خبار / وتغامزو / حلوي حكايات الهوى
وحلوين البنيات لما بينقلو حكايات .
ــ وهل هناك أجمل من هذه الانسيابية في بيتين من الغزل ,لعبت العفوية والطبيعة دورها يقول :
أنا عطشان وعيونك قبالي نبع صافي وأزهار ودوالي
وأركض صوبك و قلك اسقيني تصدّي وتضحكي والبال خالي
– حمل قول الشاعر الوصف للعيون ، وحمل الحوار الغزلي , ورصد موقفاً من الحبيبة , وبين حال الشاعر, وبهذا الاختصار, عبر بيتين جمع كل هذه الأمور.
ـ أما ما جاء يرصد الواقع الاجتماعي , والحياة العامة, وقدمه الشاعر بلغة ساخرة وموقف يستدعي التعجب والمرح , كان في قصيدة( يا غالي ),وهي رسالة من صبية إلى خطيبها الذي أنهكه الوضع المادي, وتأخر زواجه تقول الصبية :
كنت قلك غالي / يا حلو يا غالي /وما بقى رح قلك/ يا دلي ويا دلك/ صار البصل غالي/
/ وصار الفجل غالي / وصرت أخجل قلك / تجوزني يا غالي
وعن تغير الأيام يقول :
ـ حتى الدرب تغيرت والنبع صار كومه من طحالب طالعة بين الحجار
وعند ما وصف بيته في القرية بأسلوب ساخر قال :
ـ وسقفنا من كثرما قلبه رقيق كل ما شم الشتي بيسقي الحصير
وتبقى قصيدة ” صبا طي العتيق ” ذات وهج من الماضي, حيث الفقر يعانق السخرية المرة, حيث ورث الشاعر عن جده حذاء , ومن كثرة الرقع فيه, لا تستطيع أن تعرف الأصل يقول :
كل شهر يزيد قناطير رقاقيع ودق مسامير
ومن كثر ما صار كبير صاير مثل الزحا في
وعند وصوله إلى الإسكافي يقول الشاعر وصفاً الإسكافي وقوله :
وفـــتل الصــباط بايده وبفكره جــديد يــعيده
وبعد ما ضاعوا جهوده قلي :الختيار من زمان
وما بتنفـــعوا اللفــــلافي
– والشاعرعيد عنده الطاقة الإبداعية في أكثر من مجال , في فن الزجل له أكثر من مجموعة, و له إسهامات هامة ومميزة في مجال الترجمة والنقد الأدبي , وأدب الأطفال والشعر الفصيح , إضافة للفعاليات الثقافية في سورية عبر المهرجانات والأمسيات وغيرها.رحمه الله وأسكنه فسيح الجنان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Source URL: https://kfarbou-magazine.com/issue/4005
Copyright ©2024 مجلة كفربو الثقافية unless otherwise noted.