قيمة الصور القديمة

by tone | 13 يونيو, 2013 9:20 م

 

[1]

 

 

كثير منا من يمتلك مخزوناً من الصور الفوتوغرافية القديمة سواء كانت تلك التي قمنا بتصويرها أو تلك التي ‏حصلنا عليها بطريقة الميراث أو بالإهداء أو بغيرها، فكثير من الصور الفوتوغرافية القديمة أصبحت بمرور ‏الزمن تاريخاً ومفاتيح لمعلومات وبيانات، ودليلاً لإثبات أو نفي بعض الأحداث والوقائع والتغيرات في البيئة أو ‏شاهداً على التطور العمراني أو التصحر أو شق الطرقات أو خلاف ذلك.‏

وخلال حقبة الثلاثينات والأربعينات والخمسينات من القرن الماضي قام عدد من الهواة الأجانب وبعض رجال ‏السياسة والاستخبارات والدبلوماسيين من دول مختلفة مثل إنجلترا وألمانيا وأمريكا وفرنسا وهولندا وغيرها ‏بالتصوير أثناء رحلاتهم لشبه الجزيرة العربية وتنقلاتهم في بلدانها المختلفة، فقد زار الكثير منهم بلاد اليمن ‏والحجاز وعمان وغيرها بحيث كونوا مجموعات كبيرة من الصور التي أصبحت مع مرور الوقت سجلاً وثائقياً ‏مهماً يمكن أن يستفيد منه الباحثون في شتى المجالات ويستخرجوا من تلك الصور ما يفيد دراساتهم وأبحاثهم ‏التي تفيد المجتمع.‏

لقد برع كثير من الهواة الأجانب على وجه الخصوص في توثيق كل شاردة وواردة أثناء زياراتهم ورحلاتهم ‏السياحة الى بلدان مختلفة وبعيدة، فقد برزت في السنوات الأخيرة الكثير من أعمال هؤلاء الرحالة ونشرت أو ‏عرضت في معارض وصالات في المناطق التي زاروها في حياتهم. وبنشر وعرض تلك الصور الفوتوغرافية ‏التي أصبحت نادرة وربما كانت هي الوحيدة في زمانها لاسيما تلك التي التقطتها عدساتهم في مناطق نائية وبعيدة ‏عن مواضع التطور والتمدن، ولم تسلكها سبل المواصلات الآلية كالسيارات وما شابهها في ذلك الزمان، ولم ‏تطأها أقدام الأجانب من ذي قبل وكانت منغلقة على نفسها لا يدخلها غير أهلها فقط أو الأشخاص الذين تجمعهم ‏صلات قربى أو ارتباطات تجارية.‏

ومن خلال النظر في بعض أرشيفات وخزائن الصور لبعض الرحالة الأجانب الذين سنحت لهم الفرصة في ‏الفترات السالفة لزيارة عدد من البلدان العربية في نحو (40-60 سنة ماضية) تبين وجود صور تملك قيمة ‏تاريخية تضاهي بعض المصادر التاريخية المعروفة، فقد أصبحت هذه الصور شاهداً متعدد البيانات يمكن ‏استثماره في علوم شتى ليفصح عن معلومات في مجالات تتعلق بالسياسة والاقتصاد وعلم الاجتماع والزراعة ‏والري والهندسة والأجناس. ومن خلال استطلاع تلك الصور الجمة يمكن أن نقوم أولاً بتصنيفها إلى مجموعات ‏بحسب مواضيعها.‏

المواضيع الاجتماعية

وتنقسم إلى أقسام متعددة أخرى مثل: العادات والتقاليد الاجتماعية، الزواجات، الرحلات، الأعياد، ويمكن من ‏خلالها رؤية العلاقات بين الناس سواء بين الرجال والنساء في المجتمع العربي بما فيها من الحشمة وفصل ‏الرجال عن النساء الأجنبيات (غير المحارم) حتى في البيوت الأسرية الكبيرة التي يجتمع فيها الجد مع أبنائه ‏وأحفاده، أو بين مجموعات الرجال في أماكن التجمعات مثل المساجد أو الأسواق أو المحافل أو غيرها، وتظهر ‏كذلك اجتماعات الناس وجلساتهم الودية سواء بعد الظهيرة كالتي يجلسونها وهم يشربون الشاي ويتجاذبون ‏أطراف الحديث ويتناولون القضايا التي تدور في مجتمعاتهم، كتلك الصور التي التقطت في قصر (بن داعر) ‏لأبي بكر بن شيخ الكاف والتي توجد في مجموعة (ليلى انجرامس) التي عاشت طفولتها في عدن في كنف أبيها ‏المستشار البريطاني المقيم في عدن وزارت كثيراً مناطق حضرموت. وكتلك الصور التي تظهر ضمن مجموعة ‏الدبلوماسي الهولندي (فاندر ميولين) الذي يمتلك مجموعة كبيرة بها صور رائعة وقيمة لمناطق مختلفة من شبه ‏الجزيرة العربية ومنها في اليمن والسعودية، وكذلك الصور التي التقطتها عدسة البريطانية (فريا ستارك) ‏لمجالس أسرة آل الكاف في تريم وسيئون، ويمكن كذلك رؤية أنواع الملابس وطرق ارتدائها واختلافاتها، ‏وطريقة تساريح الشعر أو وضع أغطية الرأس سواء عند الرجال أو النساء أو ملابس الأطفال من الجنسين وما ‏يتخللها من الزينة وأنواعها المختلفة.‏

وكم تركت بعض هذه الصور من وقع جميل في النفس، فقد حضر البعض ليرى صوره بالصدفة في صالة ‏معروضات مجموعة (فاندرميولين) وهو طفل صغير يلعب في الشوارع بينما أبوه الذي توفي قبل عشرات ‏السنين يظهر في ريعان شبابه وجده الكهل في الصورة التي لم يعش بعدها إلا سنين قلائل، وهكذا أصبحت ‏الصورة هنا ذكرى تعيد الأذهان بسرعة إلى الوراء لتسرح وتمرح في عبق التاريخ وبلا مقابل يذكر.‏

المواضيع الاقتصادية

تظهر من خلال الصور الكثير من مناظر الأسواق، ويمكن أن تسلط بعضها لقطات مميزة وبخاصة على بعض ‏المواد المباعة التي منها المستورد أو المصنوع محلياً، كما تظهر من خلال الصور أيضاً صور الأراضي ‏الزراعية وتبين بعض محاصيلها ومنتوجاتها الزراعية، وتظهر كذلك عمليات اصطياد الأسماك وأنواعها التي ‏اشتهرت بها بعض المناطق العربية الواقعة على بحر العرب أو البحر الأحمر، وتوضح وسائل الصيد البدائية ‏مثل الشباك والقوارب الصغيرة والشراعية، وتظهر كذلك الحيوانات وأنواعها مثل الأبقار والجمال والماعز ‏والأغنام، ولم تخلُ صور معظم الرحالة الأجانب من صور الجمال كوسائل للنقل استعانوا بها في تنقلاتهم بين ‏المناطق المتباعدة وسافروا عليها ضمن قوافل كبيرة أو خاصة في الصحراء والجبال. وربما ظهرت صور ‏لحقول النفط وآبارها المكتشفة في الوطن العربي عند بداية أعمال التنقيب من قبل بعض شركات النفط بمعداتها ‏المتواضعة في تلك الفترة.‏

المواضيع الدينية والعلمية

ظهرت مواقع العبادة سواء بصورة منفردة ومخصصة أو جزء منها كخلفية لبعض الصور ضمن المباني أو عند ‏التقاط صور للناس وهم في الشوارع أو الساحات العامة لبعض المدن أو القرى العربية أو صور الناس بعد ‏خروجهم من الصلاة، كما ظهرت أشكال وأنماط المآذن وطرزها المختلفة التي تعبر عن الهوية الخاصة بكل ‏منطقة وبكل عصر ومرحلة تاريخية، بالإضافة إلى بعض العناصر المعمارية الأخرى مثل العقود والشرفات ‏والمداخل والنوافذ وغيرها، وتظهر بعض الكتاتيب وصور الأطفال الذين يتعلمون بها وهم يحملون ألواح الكتابة ‏الخشبية التي استعملت في وطننا العربي بشكل عام.‏

المواضيع السياسية والعسكرية

ظهرت صور القصور والمباني الرسمية للدولة أو السلاطين كما ظهرت صور خاصة لبعض القادة والحكام ‏والأمراء والشخصيات السياسية أو العسكرية أو من ينتسب لهم بملابسهم وزيهم الخاص وبأدواتهم التي ‏يستخدمونها كالأسلحة بمختلف أنواعها كالسيوف أو الخناجر أو البندقيات وأغطية الرأس وشارات وأوسمة ‏ورتب الجيش وكل ما يتعلق بها، وظهرت جماعات من الجيوش العربية البدوية وتدريباتهم وبعض المعدات ‏الخاصة بالسلاح البحري والجوي والمدافع القديمة.‏

المواضيع الفنية

ظهرت في مجموعات من الصور لقطات للفنون بمختلف أنواعها مثل الطرب والغناء كتلك التي ظهرت عند ‏الرحالة الألماني (هانس هولفريتز) الذي زار اليمن وأصدر كتابه المصور بعنوان: (زادني الفضول) وأظهر ‏صوراً لبعض البدو وهم يغنون أمام الميكرفون الذي جلبه معه، أو كتلك التي تظهر الفرق الفنية العسكرية التي ‏تقرع الطبول في الميدان الاستعراضي.‏

المواضيع العرقية والأنثروبولوجية

تظهر الصور اختلاف الأجناس والأعراق، فوجود بعض ذوي الأصول الأفريقية من السود في حضرموت مثلاً ‏وكذا بعض الأصول القادمة من جنوب شرق آسيا (إندونيسيا والهند وماليزيا) وكذلك بعض النوبيين والصينين ‏الذين تزاوجوا مع المهاجرين من الحضارم تظهر صفاتهم واضحة في الصور منذ القدم والتي تؤكد الصلات ‏والعلاقات القديمة بين الشعوب، كما تظهر الصور أنواع الشعر وطرق تصفيفه عند البدو نساء ورجالاً وتظهر ‏الأحذية الجلدية والبعض الذي لا يرتدي نعالاً ويمشي حافياً، كما تظهر مناطق وأجزاء من الجسم عارية ربما ‏تشبه عند الرجال لبس إحرامات الحج والعمرة ولكنها سوداء اللون.‏

المواضيع العمرانية

تشكل العمارة الجزء الأكبر من اهتمام المصورين الأجانب، لاسيما واختلاف طابع البناء ومواده التي تثير الكثير ‏من فضولهم، وتستهوي إعجابهم فتراهم يبذلون الكثير من وقتهم للتنقل بحثاً عن الأنماط الجديدة، فقد ظهرت ‏أنماط أصيلة وأخرى دخيلة على العمارة كتلك التي تظهر في قصور تريم الطينية التي جمعت بين أنواع مختلفة ‏ورموز وعناصر من العمارة الرومانية واليونانية وعناصر مبتكرة من مرحلة الستينيات مرحلة ما بعد الحرب ‏العالمية الثانية، أو كتلك النماذج المعمارية الرائعة الموجودة في صنعاء القديمة أو مناطق من الجوف، وما أكثر ‏تنوع الأنماط المعمارية في البلاد العربية التي جعلت من هذا التنوع سجلاً طويلاً وحافلاً لا يمله الناظر، ولا ‏يتركه السائح فلا يستطيع أن يغطي في رحلة واحدة مجمل الأنماط ويستمتع بكل أشكال البناء الدال على ثقافات ‏متنوعة. كما تظهر الحصون والأبراج الداعمة في العمارة الدفاعية العسكرية التي تحولت فيما بعد إلى طراز ‏معماري يستخدم في العمارة السكنية المدنية عندما اعتاده الناس واستحسنوه في مبانيهم العامة والخاصة.‏

وانطلاقاً مما تقدم فقد استحضر موقع مجلة كفربو الثقافية صورة قديمة من الأستاذ عبدالله نصار قدمها مشكوراً رافقت المقال وهي عبارة طريق المقبرة …….

 

(عن المجلة العربية وهي مجلة شهرية – العدد( 437 ) جمادى الثانية 1434هـ – مايو 2013م)

 

Endnotes:
  1. [Image]: http://kfarbou-magazine.com/wp-content/uploads/907261_510809588975945_2044051739_n-320x200.jpg

Source URL: https://kfarbou-magazine.com/issue/4391