الاثنين 1يناير 2024: هيئة التحرير وادارة موقع المجلة تبارك للجميع بحلول عام جديد متمنين لكم عاما مليئا بالخير والمحبة راجين من الله أن يعم السلام كل سورية ودمتم بخير ..  * 

أوابد … الشعر الشعبي

 

 

الشعر الشعبي له حضوره في القلب بما تمثله عفويته واقترابه من واقع الحياة المعيش حيث يعيش عاشقه معه حياته اليومية حين يتمثل كل حين بما يسكن ذاكرته من شعر كان للذائقة دور في بقائه حاضرا في الوجدان، والشعر الشعبي ميدان له فرسانه الذين أقف أمامهم باحترام شديد كان سببا في ابتعادي عنه أو عن نظمه بالأحرى مدة طويلة تزيد على السنوت العشر بسبب إدراكي حين بدأت النظم عليه أني لست ممن قد صلب عودهم كي يقتحموا حلبته ويجاروا فرسانه.. لذلك لم أجد بدا من الانزواء وقتها مرغما والاكتفاء بالاتجاه إلى الشعر العربي الفصيح الذي وجدت فيه ضالتي، لكنني اعترف أن القلب بقي متعلقا بالشعر الشعبي الذي نظمت فيه عديدا من قصائد الصبا غزلا ووجدانا،فذهب بعض منها وبقي البعض الآخر حاضرا في القلب، إلا أنني اكتشفت متأخرا أنني لم أوفق في ذلك الرأي الذي اتبعته؛ فقد كان بإمكان كلماتي أن تنمو شيئاً فشيئاً مجارية شقيقتها في الشعر العربي الفصيح، وكم اشعر بالغبطة حين أرى بين الحين والآخر شاعرا واعدا ينبئ حضوره عن موهبة جميلة كقلبه، وكم أسعد أكثر حين أرى بعض هؤلاء الواعدين ينظمون على الأسلوبين الشعبي والفصيح، فذلك مما يقرب الهوة بينهما ويبعد عنهما ما يراه البعض من التعارض والتنافر.

الشعر الشعبي في الامارات قديم قدم الحياة فيها حين كان ديدنَ الناس اليومي، الكل كان شاعرا بمعنى الكلمة، لايجد اي عناء في استنهاض القريحة والنظم حين يمتح من بئر أو يسقي الزرع أو يجذف بقاربه أو يحدو بناقته أو يستعد للالتحام في معركة أو عندما يعود منتشيا منها بفرحة النصر مزهوا بما فعله، أو حينما يقدم على أحباب أو يشارك في مناسبة سعيدة أو يشاكي شاعرا منهكا من الصبابة وغير ذلك، كان الكل شعراء تقريبا رجالا ونساء وربما اطفالا رضعوا هذه اللبانة من الكبار بسبب مشاهدتهم اليومية لها.

كانت الحياة المحيطة وما زالت معينا للشاعر أن ينبض كما تشاء الكلمات أن تتشكل وتبدو جميلة لسامعيها ومحبيها، وكان الشعراء على قدرة كبيرة من الالتفات لما في جزئيات الحياة مما تناثر في كل زواياها التي كان الشاعر ينظر إليها يوميا باحثا عما هو جديد مما لم تألفه العيون قبله..فكان أن بقي لنا هذا الوهج الجميل ماثلا أمام عيوننا حاضرا في وجداننا.

ليست هذه الكلمات حديثا عن تاريخ الشعر الشعبي وأعلامه في الإمارات، بقدر ما هي رؤية ومشاهدة لواقعه الثقافي في المنطقة، فقد سبقني أحبة في الكتابة عن الشعر الشعبي وتاريخه، ومن غير اللازم تكرار أقوالهم التي استغرقوا زمنا طويلا في الوصول إلى نتائجها،وحين أقارن – ولا وجه لذلك – بين الشعر الشعبي والشعر الفصيح في الإمارات فإني أجد الاهتمام بالأول كبيرا، نابعا من ارتباطه باللهجة المحلية التي هي واقع الحياة المعيش، وهذا جيد بلا شك، لأنه تعبير عن ثقافة أمة وجدت هذا الوعاء الجميل أمامها فأحبت سكب أحاسيسها فيه، لذلك فقد سعدت قلوبنا بتلقي رؤى فرسان هذا الشعر في الإمارات وخلجاتهم، ويأتي الوالد صاحب السمو رئيس الدولة حفظه الله و الفريق أول سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في مقدمة كتاب القصيدة الشعبية بالإضافة إلى شعراء كبار آخرين كفتاة العرب وعلي بن رحمة الشامسي وربيع بن ياقوت وغيرهم، وقد فسح هذا المجال لأن يكون هذا أيضا ديدن آخرين من الشباب مثل الشيخ حمدان بن محمد بن راشد(فزاع) والعصري المهيري وسيف السعدي وسالم الزمر وغيرهم.

هنا سؤال يطرح نفسه، وهو أننا نجد أنفسنا أمام كم كبير من هذا النتاج الذي نتمنى له الازدهار، لكن هل كل ما يكتب من شعر شعبي هو بحق مما تعنيه كلمة الشعر من معان شاملة للشعرية والتخيل والعاطفة ولغة المجاز والموسيقا الجميلة؟ أهذا النتاج الغزير الذي تزخر به الصحف والمجلات ومنتديات الشبكة العنكبوتية، أهو شعر كله يستحق أن نستمع له أم أن الأمر في حاجة إلى فرز وتنقية؟ لاشك أننا مطالبون بالاستماع إلى كل هذا لأنه نتاج أفئدة حالمة وتعبير عن رؤى عاشقة شاعرة لكن علينا التساؤل إن كان هذا يعني أن أكثر هؤلاء الشباب بخاصة يجترون قالبا واحدا من التناول للقصيدة الشعبية قائما على تكرار مفردات الغزل ذاتها من شاعر لآخر. أما آن أن تتجه عيوننا ونحن نكتب هذه القصيدة إلى جوانب أخرى من الحياة تستحق الكتابة؟ هذه الحياة المملوءة بالبحار والجبال والطيور والأشجار ومختلف المظاهر النابضة أما تستحق أن يتغنى بها الشعراء بدلا من وصف أنين مع من لاقوها البارحة أو من خزرت عيونهم بنظراتها أو سباهم قوامها الممشوق؟

الشعر رؤية شاملة للحياة، وليس غزلا فقط، وهو تعبير عن روح الحلم في أفراد المجتمع ونبض لما تشعر به قلوبهم تجاه كل الموجودات الجميلة وليس لموجود جميل واحد فقط، لذلك فالشاعر الحق مطلوب منه أن ينظر إلى كل جزئيات الحياة بحذافيرها لأنها المعلم الأول للشاعر، الحياة تطلب منه أن يتغنى بكل تفاصيلها الجميلة طالما أنه قد قبل مشاركتها في الاعجاب بجمال الأشياء أو العيش معها سعيدا، فهيحين تشعر بأن الشاعر يتفاعل معها تفاعلا كاملا فإنها تحاول الارتقاء بما تبثه من جمال في موجوداتها لأنها متيقنة أن هناك من ينتظر إشراقاتها وبهاءها المبثوث في الكائنات كلها وكل الموجودات معه وليس في كائن جميل واحد فقط.. ودمتم بخير am_obaid@hotmail.com

منشور في :

2004 -06-14 مجلة الخليج الثقافي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *