الاثنين 1يناير 2024: هيئة التحرير وادارة موقع المجلة تبارك للجميع بحلول عام جديد متمنين لكم عاما مليئا بالخير والمحبة راجين من الله أن يعم السلام كل سورية ودمتم بخير ..  * 

عن التراث الشعبي

o43

 

 

االموروث يعني كل ما أنجزه الأسلاف .. أو فكروا به .. أو اعتقدوا به … ويدخل في شموله الفنون

والآداب والتقاليد وأنماط السلوك … أما التراث فهو ما استطاع الصمود عبر الزمان من هذا الموروث , أي ما بقي فاعلاً بكيفية ما من الفعل . فالتراث , إذن , هو نحن , أو إن شاء القارئ هو هويتنا وكل ما يميزنا من سوانا . وقد صنف الباحثون التراث إلى تراث : رسمي وتراث شعبي . وفي هذه الزاوية سأحصر الحديث , بإيجاز شديد , عن التراث الشعبي , أو ما يطلق عليه الفولكلور ( وهو مصطلح استعارته اللغات جميعاً من اللغة الألمانية , في الدراسات الأكاديمية على الأقل ) .‏

وإذا كان الأوربيون قد بدؤوا البحث في تراثهم الشعبي منذ منصف القرن التاسع عشر , قبل أن تتحول أبحاثهم إلى علم قائم بذاته , له منهجه ونظرياته , الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى اعتراف المؤسسات الأكاديمية به , وإلى تبني الهيئات العلمية الدولية له , إلى جانب فروع العلوم الإنسانية الأخرى .‏

أما في الوطن العربي , ولأسباب أيديولوجية : قومية ودينية , فقد تعسرت ولادة هذا العلم , ومازال يعاني من الصد والشك والريبة , رغم أن الذين دعوا إلى الاهتمام بالتراث الشعبي كانوا من العيار الثقافي الثقيل : ( أحمد أمين , أمين الخولي , أحمد تيمور , طه حسين , سهير القلماوي , عبد العزيز الأهواني , عبد الحميد يونس , أحمد رشدي صالح …) . وأزعم بأن تصدي بعض الأفراد القادمين من الشرائح المتهمة بولائها القومي والعروبي , أو هم أنفسهم من المتهمين بالمروق من الهوية العربية الإسلامية , للبحث في التراث الشعبي قد حال دون تقدم هذه البحوث وجعلها موضع شبهة , ولاسيما أن أكثر هؤلاء ممن لا يملك الثقافة اللازمة عن تراث أمته , وإنما كان يهرف بما لا يعرف , ويردد مقولات وادعاءات ومصطلحات استشراقية تضمر عداء , ظاهراً وباطناً , لكل ما هو عربي أو مسلم , وتهدف إلى تقويض التراث العربي الواحد , والثقافة العربية الموحدة , لصالح تنوعات ثقافية محلية . وهذا ما يفسر اهتمام الجامعات الغربية , ولاسيما الفرنسية منها , في مرحلة من المراحل , باللهجات المحلية في أقاليم المغرب العربي وبلاد الشام , حيث دعمت الدراسات التي ترتاد هذا المجال ومولتها وقدمت التسهيلات اللازمة لها … على أساس أن هذه الدراسات ستؤدي , عاجلاً أم آجلاً , إلى إحداث شروخ حاسمة في بنية الثقافة العربية الإسلامية , وإلى نشوء ثقافات محلية تتعمق شيئاً فشيئاً إلى أن يصبح كل قطر , بل كل منطقة , معزلاً ثقافياً وسياسياً باسم حقوق الأقليات .‏

ومع ذلك تبقى الدعوة إلى دراسة التراث الشعبي دعوة مشروعة ومبررة معرفياً , شرط أن تبقى في أفق الدراسة العلمية والموضوعية المبرأة من خدمة الأيديولوجيات والبرامج السياسية لهذا الطرف أو ذاك , وأن تبقى بيد الدارسين المؤهلين علمياً ومعرفياً , والمتحررين من التبعية للسياسيين والأيديولوجيين الذين يريدون توظيف نتائج هذه الدراسات لخدمة دعوات إقليمية أو طائفية أو انعزالية مشبوهة .‏

وحتى نسحب البساط من تحت من لا يريد بالأمة خيراً أرى أن تكون دراسة التراث الشعبي ضمن اهتمامات كليات الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعات العربية , وأن يكلف الطلاب , كخطوة أولى , بإعداد حلقات بحث تتناول الفنون الكلامية الشعبية , الشفهية والمدونة … والتي تدور حول المعتقدات والمعارف الشعبية , وحول العادات والتقاليد الشعبية , والفنون والآداب الشعبية ( المادية وغير المادية ) , لأن الاهتمام بالتراث الشعبي , إلى جانب أنه يضمن تواصل الأجيال فإنه :‏

– يغني الدراسات النقدية ويمنحها المزيد من القوة على استكناه جوانية النصوص .‏

– يغني تجربة المبدعين من الشعراء والقاصين والروائيين ويعطيها مدى متسعاً عبر الزمان والمكان .‏

– يعطي لكتَّاب أدب الأطفال مادة ثرة يستطيعون تحميلها بالقيم الوطنية والقومية والإنسانية والأخلاقية …..‏

– يخدم دراسات الأدب المقارن , ضمن الأدب ذاته عبر المراحل المختلفة , ومضاهاة هذا الأدب مع آداب الأمم الأخرى.‏

والاهتمام بالتراث الشعبي ليس جديداً على الأدب العربي , فقد اهتم به الأصفهاني والجاحظ وأبو حيان التوحيدي وبديع الزمان الهمذاني وسواهم كثيرون . والذي دفعني إلى كتابة هذه الزاوية ما أقرؤه وأسمعه وأراه من إقدام بعض الأفراد , على التنظير في شؤون ( الفولكلور ) , لمجرد أنه يعرف كيف يلفظ هذا المصطلح , لا أكثر ولا أقل , دون أن يمتلك أية ثقافة تؤهله للبحث في الموضوع , ومع ذلك نراه يشرق ويغرب دون أن يرف له جفن … وكأن البحث في الفولكلور من الأمور السائبة والمباحة لكل من هب ودب .‏

* محمد راتب rateb3@gawab.com ‏

“>الحلاق‏

rateb3@gawab.com ‏

عن جريدة العروبة الحمصية  الاثنين 15/1/2007

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *