دلالة العنوان وفلسفة الصورة الشعرية

by tone | 1 أغسطس, 2013 12:37 م

0_3091882[1]

 

 

 

عرف الشاعر سليمان السلمان يافا وتذوق برتقالها، وهو الرحالة الذي امتطى جواد الفقر.. الشاعر “الحوراني” ابن قرية “خبب”، المشارك في المشهد الثقافي السوري، الذي لم ينس فقيراً فلاحاً أو عاملاً ولا صديقاً إلا وذكره في قصائده. يكتب شعر التفعيلة والشرع العمودي، ولا يرفض “قصيدة النثر” رفضاً نهائياً، بل تجذبه القصيدة أو المقطوعة المثيرة والمتوهجة، التي تبلل روحه بندى الشعر.

يهتم الشاعر بالعنوان كما في ديوانيه (ذاكرة الدم والأسجية) و(حنان الخزامى) و (نزق على حروف الصمت) وغيرها. والعنوان في راي بعض النقاد يتم على مستويين: المستوى الأول: بنية مستقلة لها اشتغالها الدلالي الخاص. والمستوى الثاني: مستوى تتخطى فيه الإنتاجية حدودها متجهة إلى العمل، ويكون الاتصال بين “المرسل” الذي يبدأ بالعمل، ثم ينتهي بوضع العنوان ، وبين “المستقبل” الذي يبدأ ن العنوان وينتهي إلى العمل.

يشكل العنوان عتبة النص للولوج إلى فضائه ومعرفة مضمونه، ويؤسس العنوان برأي الدكتور محمد فكري الجزار: (العلاقة بخارجه اولاًن ولعلاقته بمقاصد المرسل من عمله ثانياً، ويتشكل كلغة لا كخطاب).

وصدر للشاعر ديوان بعنوان (ذاكرة الدم والأسيجة) عام 2001، في 140 صفحة و 28 قصيدة. يتألف العنوان من ثلاث كلمات: الذاكرة، وهي بمثابة النبع الذي لا ينضب، وخزان وسجل للتاريخ والإنسان والمجتمع والوطن، ولك ما هو جميل وقبيح، للانتصارات والهزائم ، لما هو سلبي وما هو إيجابي، ويرمز الدم إلى تضحيات الشعوب من أجل تحررها وعزتها وكرامتها واستقلال أوطانها. أما الأسيجة فتبنى قواعدها على الحصار والقمع. يقول الشاعر: دمي بلون الزمن/ ووجهي يرث الأرصفة/ وفمي قلب ينكسر..

في قصائد الديوان العنوانات طويلة مكشوفة واضحة، تتألف من ثلاث أو أربع كلمات (مغلقة أبواب القلب.. كلمات على فم مريم العراقية…). ويوازي ذلك هناك صور تثير الأسئلة لدى المتلقي ومتذوق الشعر، مشحونة بالموسيقا، متلاحمة في أنسجة النص، تعد حلقة تواصل بين الفضاءين الداخلي والخارجي. ويشتغل الشاعر سليمان السلمان على الصورة الضدية – الانعكاسية، كما في قصيدة (مغلقة أبواب القلب فلا تنتظريني). وفي هذه القصيدة يتقابل في صورها الزمن الكثيف، المتمثل بالليل في مواجهة الحصار المزمن، وعمليات هدم الحاضر المتكئ على ماضٍ مخنوق في رؤية الصباح الجميل وضجيج “همسات” العشاق وتناغم الأحلام ونداءات النور. يقول : (وليل أبدي يتهاوى فوقي). فهذه صورة متغيرة بين النجمة وعدسة العين. فالنجمة المضيئة تتجمد في العين المبصرة. وهذا التحول من الضوء إلى الظلمة، ومن الحركة إلى الجمود، نتج عنه إفرازات تناثرت في فضاء غرفة حجرية ضيقة. وظهرت فراشات تحوم حول المصباح تمثل الأمل، والثمار التي تتساقط مبكراً. وتتحول الفراشة إلى خفاش قبيح.. وهذه إشارة غلى حصار وموت حتمي.

يقول في قصيدة (الدم والخطوات):/ لماذا…؟/ ووجهي يرن بأحزانه/ وما زال حقلاً../ تلون بالجهد.. وبالعرق المرمري../ ومر الزمان على صفحتيه/ ويحيا بألوانه../ على الصخر والعمر../ يرسم للمجد صورة/

إذا أجرينا مقارنة بين دلالة العنوان والصورة في هذا الديوان، وبينهما في صورة وعنوان وديوان (حنان الخزامى)، الصادر عام 204، وهو الديوان السادس للشاعر. نرى أن هناك علاقة جدلية بين “حنان” العشقية، ونبات “الخزامى”، وبين الحب والربيع. وإذا كانت حنان هي ربيع القلب، فالخزامى هي ربيع الحياة. وتحت قبة الحب يستظل الشاعر.. يتنفس وينام، ثم ينهض ويرفض الخروج، ويعلو صوته:/ متى يا حنان أصلي هناك..؟/

تتناوب الصور في أكثر من قصيدة. ويلتهم الشوق المجنون كل شيء. ويبدو أن الركوع ليس خشية، بقدر ما هو أحد طقوس العشق. والركوع هنا لا يعني الخضوع، بل التفرس وتلاوة صلاة الصباح. وأن الحب النقي كزرقة السماء غصن لا ينحني إلا عندما تهب على العاشقين نسائم مبللة بالندى. حينئذ ينحني احتراماً لهذه القدسية، ويقول في قصيدة “حنان”: وكف السهر/لها فوق عيني وقد/ هو الحب أم أنكرتني الليالي/ فأورق بين مآقي سهد/ ويمضي بي الليل/ يقبل “أخذ ورد”/ وأسأل نجماً شروداً كقلبي/ أمامي عبر/ أما من خبز/.

وهناك صورة متلازمة ومتأخية بين الحبيبة حنان التي لن تغادر صورتها مرأة القلب، وبين الطبيعة الجميلة، وتعبر هذه العلاقة عن الوشائج السحرية، وعن تعدد الأصوات المبددة لضباب الداخل وبرد الخارج. وبعد صمت ولهاث واحتراق وصبر يقول الشاعر: وألقت علي السلاما/ فهبت عيون الخزامى/ لتملأ بالعطر دنيا/ فكانت أمامي رؤيا../ السؤال: ما العلاقة بين النزق والصمت؟ في الديوان السابع تحت عنوان (نزق على حروف الصمت) الصادر عام 2009.

يفيض النزق في قلب الشاعر، ويطغى على حروف الصمت في قصيدة (نزق على حروف الصمت) وهي عنوان الديوان، تشكل عاملاً تحريضياً لحروف الصمت.. يقول: وآن أن يكتبني النزق/ على حروف الصمت يا حبيبي/ أطلع من دوامة القلق/ فأجمع الظنون في مواجع الشفق/ ويتلوى الشاعر بين صورتي (القلق واليقظة)، وعلى الرغم من ذلك يظل الأمل يجري في ساقيه قلبه، ويتدفق الأمل والتفاؤل من هذا المخزون.. يقول: فالعتمة لا تخفي اليقظة/ والحمرة لا تخفي الدفء/ ويقول أيضاً: انطفأ الجمر حبيبي/ والعتمة صارت صبحاً أسود والحلم رماداً../ الصورة في شعر سليمان السلمان، هي صورة تغلي على جمر القلب، صورة لاهثة، مشحونة، مواكبة للقصيدة. وتعد الصورة منطقة جذب للمتلقي، في بعديها الأفقي والشاقولي، وفي مساحتها وتشابك خطوطها الطويلة والعرضية والصورة هي جوهر العمل الشعري وخميرته، بوصفها أحد المصطلحات النقدية في الشعر القديم والحديث. وإذا غابت الصورة أو غيبت فقدت القصيدة جزءاً من نبض قلبها.

 

المصدر : الأسبوع الأدبي/1275

 

Endnotes:
  1. [Image]: http://kfarbou-magazine.com/wp-content/uploads/0_30918821.jpg

Source URL: https://kfarbou-magazine.com/issue/4884