الاثنين 1يناير 2024: هيئة التحرير وادارة موقع المجلة تبارك للجميع بحلول عام جديد متمنين لكم عاما مليئا بالخير والمحبة راجين من الله أن يعم السلام كل سورية ودمتم بخير ..  * 

في الازدواجية

19263

 

يخافُ الناسُ على أبناِئهم و يغضَبونَ ان رأوهُم يحملونَ حملاً ثقيلاً أو يمشونَ في الشمسِ الحارقةِ أو يأكلونَ طعاماً فاسداً أو وسخاً أو لا “يليقُ بِهم”, على حينِ نجدُ بعضهمُ يُحَمِّلُ العاملَ أو البوّابَ فوقَ طاقتهِ بلا رحمةٍ أو شفقةٍ و يطعمُ فقيراً دقَّ على بابهِ بقايا طعامٍ مضت عليهِ أيامٌ و لم يقربهُ أحدٌ.
يريدُ الجميعُ لأبنائِهمُ زوجاتٍ كاملاتِ المواصفاتِ ( حسبٌ ونسبْ , علمٌ و جمالْ, أدبٌ و أخلاقٌ و سمعةٌ حسنه) دونَ الالتفاتِ الى ما يملكُهُ أبناؤهمُ من تلك الصفاتِ التي منَ الممكنِ أن لا يتمتّعوا بأي شيءٍ منها, و الكلام يصحُّ في الاتجاهين.
ينشدُ الكثيرُ منَ الناسِ الاحترامَ و التبجيلَ و التقديرَ منَ الآخرين و همْ لا يحترمونَ أحداً و لا يقدمونَ شيئاً إلى أحدٍ و يعيشونَ على أساسِ أن عيوبهمْ مستورة و خطاياهُم مغفورة في حينِ ينكرونَ هذا الحقَّ على أشرافِ الناسِ الذين تشهدُ الدنيا بسيرتهمِ الحسنةِ و أخلاقهمِ الرفيعةِ.
يتيحُ كثيرٌ من الشبابِ الملذاتَ لأنفسهمُ و تراهمْ يعيشونَ على هواهمْ و لا يعترفونَ بضابطٍ أخلاقيٍّ أو اجتماعيٍّ أو دينيٍّ على حينِ نجدهمْ أنفسهمْ ينبرونَ في التحدثِ عن الأخلاقِ و دماثتِها و ينكرونَ و يحرّمونَ و لا يرضونَ ما أجازوهُ لأنفسهمْ على بقيَّة أفرادِ مجتمعهمْ و أسرهمْ.
هذه الأمثلةُ و غيرُها الكثيرُ الكثيرْ من الأمثلةِ يمكنُ اعتبارُها مقدمةً لمفهومٍ نعيشهُ و نلاحظهُ في كلِّ يومٍ و في كلِّ مكانٍ ألا و هوَ “الازدواجية” فالكثيرُ منَ الناسِ –وللأسف- يرونَ ما لهمْ من حقوقً و ينسونَ ( أو يتناسونَ) ما عليهمْ من واجباتْ بصفتهم بشر.
للازدواجيةِ أنواعٌ كثيرةٌ لدرجةٍ يصعبُ حصرُها و قد سبقَ و أعلنتْ عنها كلمةُ الله و اسمحوا لي هنا بأن أقتبسَ لكمْ أهمها من أحدِ المواقعِ الالكترونية الدينيةِ:
1. ازدواجية الرأي: “رجل ذو رأيين هو متقلقل في جميع طرقه” (يعقوب 1 : 8).
2. ازدواجية اللسان: “كذلك يجب أن يكون الشمامسة ذوي وقار لا ذوي لسانين…” (1تيموثاوس3: 8).
3. ازدواجية الخدمة: “لا يقدر خادم أن يخدم سيدين. لأنه إما أن يبغض الواحد ويحب الآخر أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر. لا تقدرون أن تخدموا الله والمال” (لوقا16: 13).
4. ازدواجية المزاج: “لأن هيرودس كان يهاب يوحنا عالما أنه رجل بار وقديس وكان يحفظه. وإذ سمعه فعل كثيرا وسمعه بسرور…دخلت ابنة هيروديا ورقصت. فسرت هيرودس…” (مرقس6: 20و22).
5. ازدواجية المظهر: “احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة” (متى7: 15).
6. ازدواجية القداسة الخارجية والنجاسة الداخلية: “…هكذا أنتم أيضا من خارج تظهرون للناس أبرارا ولكنكم من داخل مشحونون رياء وإثما” (متى23: 28). “لهم صورة التقوى ولكنهم منكرون قوتها” (2متي3: 5).
7. ازدواجية الديانة: “فتقدم إيليا إلى جميع الشعب وقال حتى متى تعرجون بين الفرقتين. إن كان الرب هو الله فاتبعوه وإن كان البعل فاتبعوه.” (1ملوك18: 21).
8. ازدواجية الوجوه: “محاباة الوجوه ليست صالحة فيذنب الإنسان لأجل كسرة خبز” (أمثال28: 21).
9. ازدواجية الطريق: “السالك بالكمال يخلص والملتوي في طريقين يسقط في إحداهما” (أمثال28: 18).
10. ازدواجية التقلب بين الوصايا والخطايا: “وللشرير قال الله ما لك تحدث بفرائضي وتحمل عهدي على فمك” (مزامير50: 16).
11. ازدواجية القلب (النفاق): “يتكلمون بالكذب كل واحد مع صاحبه بشفاه ملقة بقلب فقلب يتكلمون” (مزامير12: 2).

إنَّ الازدواجيةَ كغيرها من المفاهيمِ الحسّاسةِ قابلةٌ لَّلغَطِ – خاصةً و أنَّ المعاييرَ الناظمةََ لها تختلفُ باختلافِ المجتمعِ و اختلافِ المذاهبِ و المشاربِ و العاداتِ و مستوى الوعيِ و الثقافةِ المجتمعيةِ- , لدرجةٍ يمكنُ فيها القولُ أنَّ ما يجوزُ لشخصٍ في بعضِ الحالاتِ قد لا يجوزُ لغيرِه, و يبقى المنطقُ و الأخلاقُ في دراسةِ الحالةِ هما الفيصلْ, فكثيرٌ ممَّا يجوزُ للكبيرِ لا يجوزُ للصغيرْ و ما يجوزُ لحاملِ شهادةٍ لا يجوزُ لحاملِ غيرِها فصغيرُ السنِّ لا يمكنُ أنْ يتهمَ كبيرَهْ بالازدواجيةِ لسببِ عدمِ السماحِ لهُ بقيادةِ السيارةِ على سبيلِ المثالِ و لكنْ يجوزُ لهُ من ناحيةٍ أخرى أن يتهمَه بذلكَ ان قامَ بمنعهِ ونهيهِ عنْ التدخين في عمرٍ هوَ نفسُه بدأ بالتدخينِ فيه. و لا يمكنُ لأمّيٍ أن يتهمَ الآخرينَ بالازدواجيةِ و التمييزِ إن قامُوا بتفضيلِ رأيِ أستاذٍ جامعيٍّ على رأيهِ في موضوعٍ علميٍّ ذي صلة. هذه أمثلةٌ بسيطةٌ يمكنُ اعتبارُها منَ البديهياتْ, إلا أن الحياةَ معقّدةٌ و تحملُ في طيَّاتها مواقفَ تحتاجُ الى التفكيرِ و التروّي و الحكمةْ حتَّى لا نقعَ في الازدواجية و نكونَ عادلينَ –ما أمكنَ– في كل قرارٍ و سلوكٍ و قولٍ يصدرُ من كينونتِنا, ففي كثيرٍ منَ الأحيانِ يجدُ الانسانُ العاقلُ أنَّ ما يجوزُ لهُ قد لا يجوزُ للآخرينْ و أنَّ ما يجوزُ للآخرينْ قد لا يجوزُ لهُ و هنا يبرزُ مفهومُ تقييمِ الذاتِ الذي تناولتُه في مقالةٍ سابقةٍ تحتَ عنوانِ – منْ أنَا…؟! – في العدد 14 للمجلة. و بالتزامِنا هذا نرتقِي بأنفسِنا الى أناسٍ حضاريين ساعينَ الى الكمالِ بمشيئةِ الربْ .

التعليقات: 4

  • اخ متابع هذا الموضع مهم واتمنى ان تنتشر هذه الثقافة في مجتمعنا ربما يحصل تغير للمفاهيم الغلط ويوجد منها الكثير على سبيل المثال لا الحصر في مجتمعنا الرشوة يتفاخر بها المرتشي ويعتبرونه الناس (حربؤ) من مشتاقات ذكي في بعض الدول مثل اليابان اذا فضح امر المرتشي فأنه ينحر نفسه بسيف.
    اما عن الازدواجية فأخطر الاذواجيين والقاضي

  • يقول Habeb- ebrahem:

    سيد متابع المحترم وبعد :

    أنا من المتتبعين والمعجبين بكافة مقالاتك وأفكارك وتعليقاتك الجميلة في هذا الموقع ,وأتمنى أن أتعرف عليك عن قرب

    موضوعك قيم وينطبق على الكثيرين (وانا منهم ) والذي أعجبني أكثر هو أمثلتك المنتقات من الكتاب المقدس ولكن عذرا لم أجد حلا” لهذه المشكلة ( الازدواجية ) لافي مقالتك هذه ؟ ولا في المقالة التي دونتها في العدد (14) , ماهو رأيك في الحل ؟ هل بالذهاب إلى طبيب نفسي ؟ أم الذهاب إلى كاهن الرعية وكرسي الإعتراف ؟ أما ماذا ؟ لك تحياتي

  • يقول dr.mario:

    مقالة رائعة جدا تشكر على كتابتها …في الواقع الازدواجية نشات مع الانسان منذ الازل وترافقه حتى الان ومن الصعب جدا على اي انسان لديه ازدواجية مهما كان نوعها ان يتخلص منها الا اذا اتجه نحو الصدق الكامل والصراحة مع الاخرين فالصدق يلغي الازدواجية تماما ويعطي الانسان وجها واحدا يستمر فيه مهما كانت المؤثرات المجتمعية من الخارج

  • يقول متابع:

    تحياتي و محبتي لكم جميعا أصدقائي,

    . يسرني بالطبع أن أسمع و أجد هذا الصدى الايجابي لكتاباتي المتواضعة, كما و يشرفني أيضا أن أحظى بمعرفتكم و بمعرفة كل انسان محترم في بلدتنا الحبيبة.

    .ان تشخيص المشكلة و معرفة خلفياتها و أبعادها و اتجاهاتها هي الطريق الوحيد لحلها و أنا شخصيا أعتبرها الجزء الأكبر من الحل, فقيام الانسان بخطأ ما يعتبر مشكلة ولكن أن يفعل الخطأ معتقدا أنه الصواب فهنا تكون المصيبة التي تعني ضياع المغاهيم و القيم الأصيلة التي هي مزروعة في الانسان منذ بدء تكوينه و التي من أهمها كما ذكر الدكتور ماريو “الصدق” ليس مع الاخرين فقط بل مع نفسك و هذا ليس بالأمر السهل كما يظن البعض.
    ان السيد المسيح قدم لنا مثالا حيا في كل شيء و لنا في سيرته و معجزاته و حكمته المطلقة خير مرشد و دليل للقضاء على كل ما هو سيء في داخلنا و لنكون بالنعمة منارة للاخرين, أما عن الاليه أو الطريقة التي يتم بها ذلك فهنا تكمن حريتك كانسان في بناء علاقتك مع الخالق لأن الرب لا يريدنا نسخا متشابهة…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *