الاثنين 1يناير 2024: هيئة التحرير وادارة موقع المجلة تبارك للجميع بحلول عام جديد متمنين لكم عاما مليئا بالخير والمحبة راجين من الله أن يعم السلام كل سورية ودمتم بخير ..  * 

التلوث السلوكي

اعهفغ

 

الأسرة هي المحصن الرئيس الذى يتلقى فيه الإنسان علومه ومعارفه، وللأسرة دور مهم في توجيه الناشئة وتنشئتهم على الفضائل والمثل العليا وإبعادهم عما يعكر صفو الفطرة السليمة من سوء الأخلاق والعادات السيئة. ومع مطلع القرن الحادي والعشرين لوحظ تخلخل في العلاقات الاجتماعية, فلم تصبح للأسرة المرجعية الكاملة في توجيه الأبناء واحتوائهم، فقد زاحم الأسرة في دورها كثير من الدوائر الافتراضية كصداقات العمل والجامعة والنت؛ فانحسرت بذلك المساحات الإيجابية للأسرة، واضمحلت قيمة المكان والبيئة, وأصبح كثير من الشباب لديه عالمه الخاص الذى تجاوز حدود البيت والحي والمدينة والدولة, فتغيرت اهتماماته وهواياته وتوجهاته. وافتتن كثير من الشباب بالنت فأصبح يتلقى عن الشبكة العنكبوتية معلومات غير دقيقة يتبناها ويدعو أقرانه إليها دون تحقيقها أو توثيقها مما يعود بالأثر السلبي على فكره وثقافته وتصور الحياة من حوله. ولا شك أن هناك أسباباً أدت إلى ذلك من أهمها:

أولاً: غياب الوالدين أو أحدهما؛ فلا شك أن الطفل في حاجة إليهما معاً, فهو يستمد من الأم الحب والحنان ومن الأب الحماية والتوجيه والتكيف النفسي في البيئة المحيطة به, ويترك غياب الأب لأي سبب سواء السفر أو الإهمال آثاره السلبية على الأسرة, فهو يعمق الفجوة بينه وبين أولاده مما يعطي الفرصة للأولاد لإنشاء عوالمهم الافتراضية، والوقوع فريسة لبراثن المواقع الإباحية فيصبح الواحد منهم أسيراً لغريزته ضعيفاً أمام شهواته، ولأجل ذلك شدد النبي صلى الله عليه وسلم  على هذه المسؤولية، فقد روى أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: (إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ ذلك أم ضيع حتى يسأل الرجل عن أهل بيته) صححه الألباني.

ثانياً: عدم تقدير خطورة فترة المراهقة، وهي مرحلة من أخطر المراحل التي يمر بها الإنسان في أطوار حياته، والسبب الرئيس في مشكلات المراهقة هو عدم فهم الوالدين لطبيعة وحاجات هذه المرحلة، فكثير من الآباء يظل الأبناء في أعينهم صغاراً، ولا شك أن هذا له دوره السلبي على المراهق. ولكن معرفة أهمية المرحلة التي يمر بها الأولاد, وتقدير رغباتهم وهواياتهم, والحرص على مشاركتهم في أنشطتهم وأفكارهم؛ سيبني بين الأبناء والآباء جسوراً من الثقة المتبادلة, وهذا يفضي إلى تعريف الأولاد بحجم المحبة التي يكنها الآباء لهم والنصيحة من أجلهم, فيكون لذلك مردوده الإيجابي في تقبل الأبناء لنصائح الآباء وتوجيههم، فيخرج الأولاد من عزلتهم ويشاركون الأسرة مشاركة إيجابية فيعرضون ما لديهم من تساؤلات تشغلهم وأمنيات للمستقبل لأنهم يجدون من يسمع لهم ويصغي باهتمام لمشاكلهم المتجددة. والأسرة تشجع تارة وتوجه وتؤدب تارة أخرى، كل ذلك في جو من الحب والتفاهم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه) صححه الألباني.

إن الآباء مطالبون بتحقيق التوازن في التعامل مع الحاجات الطارئة عند المراهق. وتنمية الإيمان في قلب الأبناء كفيل بتهذيب وتوجيه هذه الحاجات توجيهاً سليماً؛ فالإيمان يزيد الطمأنينة ويدفع الاضطراب ويعمل على استقرار الشخصية, وعندما يقل الوازع الإيماني يظهر الضعف الأخلاقي وتقل الروح المعنوية ومعها تضعف شخصية المراهق فلا يصمد أمام الصدمات والاضطرابات الطارئة بشكل إيجابي, فتراه يقلد دون وعي ويسير دون هدف واضح، لذا فهو محتاج دائماً إلى القدوة الصالحة التي يرى فيها المراهق الصورة الحقيقية للإسلام فتؤثر في سلوكه وتمسكه بالقيم السليمة وتدفعه للإصلاح وتثبت في نفسه حب الخير ونبذ الشر وبذلك يمكننا أن نتجاوز هذه المرحلة دون مشكلات.

ثالثاً: الضعف الرقابي من الأسرة، فعندما تتخلى الأسرة عن دورها في متابعة الأولاد يحدث كثير من الخلل ويظهر التسيب العائلي ويبدأ المراهق بعدم احترام قيم الأسرة ومعها ينعدم الشعور بقيمة الأوقات والمواعيد ابتداء بالصلاة والمحافظة عليها وانتهاء بمواعيد المذاكرة والنوم والمائدة وهذا سببه استشعار المراهق بانعدام المراقبة، ولعل هذه الحادثة العظيمة في حياة أنس بن مالك رضي الله عنه تظهر لنا قيمة المتابعة في حياة الناشئة، فقد روى ثابت عن أنس قال: (أتى عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب مع الغلمان فسلم علينا فبعثني في حاجة فأبطأت على أمي فلما جئت قالت: ما حبسك؟ قلت: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم  لحاجة قالت: ما حاجته؟ قلت: إنها سر، قالت: لا تحدثن بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم  أحداً. قال أنس: والله لو حدثت به أحداً لحدثتك يا ثابت) رواه مسلم.

إن ما كان يخشاه أنس رضي الله عنه أنه سيعود متأخراً عن موعده مع أمه! فتأمل كيف لو عاد سيدنا أنس فلم يجد سؤالاً من أمه عن تأخره؟ إن المتابعة تجعل المراهق يعلم أن هناك من يسأله ويتابعه وهذه المتابعة التي ندعو إليها الآباء متابعة تتميز بالحزم مع المرونة, حسم يشعر معه الابن أن رقابة خلفه تجعله منطلقاً في حدود ما تسمح به الأخلاق والفضائل السامية.

رابعاً: غياب النشاط الفاعل الذي يلائم الفكر الجديد وهو دور المؤسسات المسؤولة التي ترعى نشاطات الشباب، فهي مدعوة إلى تجديد برامجها بما يتناسب مع فكرها واهتمامات الشباب، فلماذا لا تترك الفرصة للشباب لتخطيط برامج يرونها تناسب تطلعاتهم وهواياتهم وتكون معهم ومن ورائهم بالرشاد والتوجيه، فهذا خير من انصرافهم لتكوين منظومات مرفوضة صنعوها لأنفسهم أو صنعت لهم ونحن بذلك نحمي أولادنا من السلوك المحترم أو الانزواء والانسحاب من الحياة الاجتماعية للمجتمع وعدم التفاعل معه أو الانتماء له. إن أولادنا أمانة في رقابنا وإذا أردنا الخير لهم فيجب أن تظل الأسرة هي المتن حتى لا تحل محل الهوامش.

عن مجلة المجلة العربية – العدد( 442 ) ذو القعدة 1434هـ – أكتوبر2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *