المطران الراحل الإكليريكي جورج راغب كساب

by tone | 31 أكتوبر, 2013 8:33 م

DSC_0292[1]

 

 

اختارت النعمة الإلهية الشاب جرجس راغب كساب ليكون أحد طلاب دير الشرفة الكهنوتي في لبنان ، وقد أحب الشاب النشيط الحياة الإكليريكية منذ صغره وكلما تقدمت الأيام ازداد تعلقاً وشغفاً بالحياة الروحية ، وهناك في دير الشرفة المشهور انفتحت عيناه على كنوز الكنيسة السريانية فعكف على مطالعة كنوز آبائه وأجداده وتراث كنيسته الزاخر وكلها تدور حول تاريخ هذه الكنيسة المجيدة وكأنَّ يد الله كانت ترعاه لتؤهله كي يتبوأ كرسي أبرشية حمص وحماه والنبك ويبرود للسريان الكاثوليك .

ومع كل سنة تمر كان جورج يتعمق أكثر فأكثر في مختلف العلوم اللاهوتية والفلسفية بجده واجتهاده وكثيراً ما كان يستغل أوقات الفراغ ليقضيها في النقاش حول قضايا لاهوتية وفي أمور عقائدية كنسية وفيما يتعلق بحياة الكنيسة الروحية .

أمضى الإكليريكي جورج سنوات دراسية بين جدران دير الشرفة العريق وكان من أنشط الطلاب متفوقاً في كل المواد كما اشتهر بين زملائه بوداعته وتواضعه ووفائه النادر ، الشيء الذي أكسبه محبة الجميع من زملاء وإداريين .

وفي ختام دراسته وبعد صلاة وتأمل ونتيجة لشعور داخلي كان يرافقه منذ انتسابه للمعهد الإكليريكي قرر طريق الكهنوت مردداً آية القديس بولس الرسول : ” مع المسيح صُلِبْتُ فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ فما أحياه الآن في الجسد فإنما أحياه في الإيمان إيمانِ ابن الله الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي ” / غلاطية 2: 20 /

كل رجل دين يكرس نفسه للخدمة يعرف حق المعرفة أن الطريق التي أعدها الله له ليست مفروشةً بالورود والزهور بل مليئة بالأشواك والصعوبات ، فالصليب صعبٌ ، ولكن صعوبته ومرارته تستحيل شهداً في فم المجاهدين الذين يتمتعون بالقوة والإرادة لبلوغ الهدف ، والمطران جورج كساب من أولئك الذين أدركوا هذه الحقيقة ورسم لحياته منهجاً : ” التضحية والجهاد ” فمن خلالها سيعمل بكل ما أوتي من قوة حتى لو كان الضحية ، لأن أمله كان أمل كل مسيحي وهو الفوز بالوزنة التي تسلم من الرب ليتاجر بها ويربح ، أليس أمل كل مسيحي أن يكون في أحد المنازل الكثيرة التي أشار إليها السيد المسيح “إن في بيت أبي منازل كثيرة” ؟ هذه كانت تطلعات الأب جورج كساب وهو بعد في عنفوان الشباب حيث أعلن بكل جرأة يوم رسامته أمام الشعب ” في كل يوم وفي كل ساعة أُسَمِّرُ نفسي على الصليب أضعها على مذبح التضحية ذبيحةً حَيَّةً مقبولةً لدى أبي الأنوار ” .

لقد أنكر المسيح نفسه لأجل خلاص العالم لذلك كان لا بد لتلاميذه أن ينكروا ذواتهم للغاية نفسها وفي نكران الذات تتلاشى الأنا والأنانية وتسود المحبة والتضحية فيتمكن الإنسان من خدمة أخيه الإنسان بتواضع تماماً كما فعل الرب يسوع عندما انحنى وغسل أقدام تلاميذه وأوصاهم قائلاً : ” وأكبركم يكون خادماً لكم ” لذلك كان عمله الكنسي مليئاً بالحب فاهتم بالجيل الصاعد والشبيبة وقد خَرَّجَ أُناساً مؤمنين ملتزمين بمسيحيتهم فكانت حياته مليئةً بالعطاء والتضحية والخدمة المتواصلة فكان هَمُّهُ الخدمة لأجل الخدمة ، والعطاء لأجل العطاء وكان كله للكنيسة لا ينازعه في محبتها منازع .

آمن بالشعب وأعطاه دوراً فعالاً في الكنيسة منها المجالس الملية والجمعيات الخيرية والهيئات الاستشارية كما خصَّ المرأة بدَورٍ فَعَّال بحسب قول الرسول بولس : ” ليس ذَكَرٌ ولا أنثى لأنكم جميعاً واحد في المسيح يسوع ” / غلاطية 3: 28 / .

والشيء المهم أيضاً في حياة المطران جورج كساب أن له نظرةً خاصةً في علاقاته مع بقية الكنائس المسيحية حيث أنه منفتحٌ على الجميع ومُهَيَّأٌ فكراً وروحاً وعملاً وشعاره دائماً إن ما يجمع المسيحيين أكثر بكثير مما يفرقهم وأنه لا خلاف في العقيدة المسيحية ولا تفرق بين أبناء الوطن الواحد في جميع انتماءاتهم الدينية لأنه يعرف أن شعب هذا الوطن شعب واحد وإن اختلفت دياناتهم .

لقد كان لي الشرف الكبير أن أتواجد مع الأخ العزيز والصديق المخلص سيادة المطران جورج كساب لمدة عشرين عاماً قضيناها معاً في خدمة شعب زيدل ، كانت مليئةً بالمحبة والإخلاص والعطاء في خدمة نفوس المؤمنين في هذه البلدة المباركة وأخيراً اختارته العناية الإلهية ليكون مطراناً على أبرشية حمص وحماه والنبك ويبرود وذلك في 3 آذار سنة 2000 وكان بانتظاره مهام كبيرة فَشَمَّرَ عن ساعدَيه وبدأ من جديد بنشاطٍ منقطع النظير بإعادة النظر في كل مايتعلق بهذه الأبرشية تنظيم ، ترميم ، وبناء . وفي مختلف المجالات بهمة وإدارة وحكمة وصبر وطول أناة .

أسأل الله أن يعطيه الصحة والعمر الطويل لأنه رمزٌ ومفخرةٌ لكل راعي ولكل كاهن ولكل خادم يرغب في الخدمة التي عظمها الرب وكان مثالاً لنا : ” كما أن ابن الإنسان لم يأت لِيُخْدَمَ بل لِيَخْدُمَ ” / متى 20: 28 / .

 

ملاحظة:( هذه الشهادة منذ أربعة أعوام من الخوري أنطون جرادة طلبها

الأديب سلوم درغام سلوم الذي ألف كتاباً عن حياة المطران الراحل جورج كساب ومازال الكتاب على المخطوط ولم يطبع بعد)

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

Endnotes:
  1. [Image]: http://kfarbou-magazine.com/wp-content/uploads/DSC_0292.jpg

Source URL: https://kfarbou-magazine.com/issue/5713