الاثنين 1يناير 2024: هيئة التحرير وادارة موقع المجلة تبارك للجميع بحلول عام جديد متمنين لكم عاما مليئا بالخير والمحبة راجين من الله أن يعم السلام كل سورية ودمتم بخير ..  * 

قصة قصيرة ((عندما يتوه الحب ))

 

8586564

 القصة التي حصلت على المركز الاول على مستوى الجمهوريةالعربية السورية ضمن مسابقات شباب سورية لعام 2013

 

صوت آلة التسجيل مرتفع في السيارة، الموسيقى تمزق اللحظات في أذني دون أن أعي منها شيئاً، أصوات تنوح في رأسي ، تعازيم نساء ، صرخات أطفال ، غمغمة مقهورة ، أغرق في ظلمة الأشجار ، أشباح لاقوام لها تغلفني، لا أسمع ، لا أرى ، يداي تقودان عجلة السيارة دونما إدراك.
الطريق الإسفلتي يلمع بشدة ، سواده المتضارب مع ضوء السيارة يرمي بصري في بريق متواصل مؤلم، مربعات معدنية تتشبث بحدود ذاكرتي.
هنا يا أبي ،على هذا الطريق، رحلت!.. حنينك إلى البحر شدك إلى التلاشي في لجة من المتعة والنور…
النور يبهر عيوني، يوم زواجي ماثل أمامي، كل شيء غدا كتلة من ضوء ضاع فيه بصري، فقدت القدرة على التفكير…
أبي .. ليتني كنت مكانك على مقعد السيارة, أبي .. أخبرتك أنني لا أحبه، أعشق آخر، قلت:
إنه ابن صديقي، شاب جيد، يحبك، سيكون أميناً عليك.
تمنيت وجود أمي بجانبي، خفت أن أفقد رجلاً مناسباً كما فقدت قدرتي على التفكير.
– رائد.. كم مانعت نفسي عنك، أحرقتها بحلم أصابعك وهي تمسح الدموع عن وجهي وانتهيت في فوضى روحي الدامية، على شاطئ البحر رأيتك تصنع تمثالاً من الرمال لامرأة، فضولي شدني إليك، أحببتك، عشقت الرمال المتسللة بين كفيك، خلقت شعوراً غريباً في داخلي ضجت له النبضات، سبحت أفكاري في اغماءة قوية لم أعرف تفسيراً لها، بل خفت من التفسير، هربت منك ومن ذاتي.
السيارة تطير، ليتها تحملني إليك يا أبي، هل تدري!.. الليلة ضربني زوجي، في غرفة النوم نظر إلي، هربت بعيني، شعرت أنني أجرد من ثيابي، غدوت شفافة يمكن رؤية كل خلاياي، أفكاري عادت واضحة أو مسلمات بسيطة، خوفي يتكاثف، أرتمي بجانبه، أسمع خفقات قلبه المتسارعة، يضربني ، يبعدني عنه، يصرخ في وجهي: لا تحبينني.
في الغرفة الأخرى يبكي، حزنت لأجله, لم أشعر بألم ضرباته، عجزي يسيطر علي، أسرعت إلى سيارتي حافية القدمين، بثياب النوم، تركت أصبغة وجهي وأقنعتها، خلعت نفسي من نفسي الكاذبة، كدت أختنق بروحي المعذبة واختناقي ينشد البحر.
السيارة مسرعة ، ملل بليد.
– رائد.. كم أكره زيفك وكذبك، أمقتك.
أشعر بألم يحي ألمي، بأشعة الشمس الحارقة فوق رأسي، زورق يحملني بين الأمواج، أتمايل يمنة ويسرة، المياه شديدة الزرقة، أذوب بين ذراتها، وجهك يطفو على السطح، تختلط ذراتي بذراته المنحلة، تغدو جسداً واحداً حقق ذاته منعتقاً من سجن ماديته الدنيئة، الألم يزداد.. بعد قليل سوف أخبرك، ستحزن.. لن أخبرك.. هل أخبرك.. نعم لا بد أن أخبرك.. غداً زواجي….
التفت إليك، كنت بعيداً عني، ذراعك تطوق خصرها، تشدها إلى صدرك الملتهب، من دمائها المتمردة تصنع تمثالك الرخيص وتسحب الأمواج رمال تمثالي إلى الأعماق، نظرت إليك، لم ترني، كنت بعيداً. الألم يزداد.. لقد فقدت قدرتي على التفكير…
أسرعي أيتها السيارة، مسافات واسعة، طرقات طويلة، باعدي بيني وبين صورة زوجي الحزين.
يوم زواجي شعرت بقلبي يتمزق، أختنق، أريد أن أبكي، لا أستطيع، لمسات زوجي تثير اشمئزازي، ارتباط دون انتماء للمشاعر، أحترق بنيران رافضة تدق طبولاً في قلبي، أغمضت عينيّ، لا أريد أن أراه بجانبي، أحسست بالقرف من نفسي، سلمته جسدي وأنا في حالة أشبه بالغيبوبة أحاول الهرب من إحساسي، لقد تلوثت، تدنست بجسده.
منذ ذلك اليوم وأنا أمضي الساعات الطوال داخل الحمام دون فائدة، رفضي وقرفي خلقا ابنته في أحشائي وازدادت ساعات الحمام، أفرك جسدي بقوة، أرى الدماء تسيل، أريدها أن تغادرني، يا للطفلة المسكينة أفرغتها بمنتهى البرود من داخلي، صوتها نواح بوم يصم أذني، مع صوت البوم كبرت وغدت غريبة عني.
رائحة رطوبة مختلطة برائحة الأشجار تنساب متسللة في شقوق أنفي، إنه البحر، أوقف السيارة، أركض إليه، أمواجه تتكسر، تتحطم، تفور في داخلي، تحمل معها أشياء مؤلمة، تنهيها خارجي، بينما أغرق في عتمة ضبابية رطبة، سمكة لزجة باردة، حمقاء وتائهة بصورة مبهمة.
– رائد.. هل تذكر عندما انتابني موجة البكاء العارمة، حينها ضممتني بشدة، ضغطت بكل قوتك عضلاتي المتشنجة، تابعت بكائي على صدرك، أحسست بحرارة جسدك، بحثت فيك عن حنان أم رحلت منذ الولادة، ذراعاك تزدادان قوة، أشعر بالخوف، أدفعك عني، أقدر ابتعادك، متأخرة أكتشف الخديعة.
شيء خفي يأكلني، طفلتي ستضيع مثلي؟!…
البارحة اقتربت مني، أرادت أن تلاعبني، صرخت، أبعدتها بعصبية، هدوئي تحول إلى نيران مشتعلة، لا أحتمل نفسي، لا أقدر أن أعطيها شيئاً أفتقده، شدها والدها إليه، رائع بحبه الكبير باحتماله لي وإصغائه لكلماتي يمنحني حناناً وثقة دون حدود، يبدو أنني اعتدت وجوده بجانبي، ذراعه تحت رأسي أنام عليها طفلة مرتاحة بجانب طفلتنا الصغيرة.
الأمواج تلطمني، تتعارك معي، بعد قليل سينتهي كل شيء، تحت سماء البحر سأصبح فارغة، أملأ نفسي بأحاسيس جديدة، اعصارات المياه تمتصني، تجذب برودتي وقرفي إلى أعماقها، صوت في داخلي يعلو، مطارق تحطم حصى تكلست فغدت حجارة صوان قاسية، صفيره يدوي، يهز جيوشاً مهزومة، يسحبها إلى اللامعنى الذي خلقت منه ويتابع باستمرارية هزيلة متعبة لينتهي مع أمواج البحر المتكسرة.
وخز خفيف يلثم خلايا وجهي بقبلات محمومة، أشعة الشمس عانقت ملوحة البحر لتلفح جبهتي بإشراقتها المبتسمة وتجعل للدنيا من حولي ربيعاً آخر.. أقف شامخة.. أستعيد قدرتي على التفكير.. يحملني فرحي إلى طفلتي وزوجي.. بينما العصافير تنشد أغنيات الفرح….

لما عبدالله كربجها

التعليقات: 2

  • يقول رئيس التحرير:

    إطلالة وقصة مدهشة وهل تجد ماهو أكثر إدهاشا” من توهان الحب في الحياة ؟
    أهلا” بالقلم المبدع من القاصة لما عبدالله كربجها التي ملكت الهاجس الثقافي منذ سنوات وخاصة” مايتعلق بالمتابعات الصحفية ووصلت إلى حقل القصة وأثبتت جدارة” إبداعية من خلال نيل الجوائز في مرحلة مبكرة من مسيرتها الأدبية ..
    نتمنى التواصل الدائم في تحرير الصدى الإبداعي في صفحات أعداد موقع المجلة , فمرحبا” بالأفكار الإنسانية والوجدانية في هذه السطور الجميلة ..

    دمت بخير

  • يقول dr.mario:

    قصة بالفعل مميزة بكل سطورها قوية المعاني محاكة باتقان تستحق الجائزة بجدارة شكرا للكاتبة لما ولابداعها الدائم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *