موسم الشاعر مع جلنار قراءة في مجموعة الشاعر عبد الجبار طبل

by tone | 26 فبراير, 2014 10:25 م

64863[1]

ثقافة

الاثنين: 23-9-2013

في الروح متسع لموسم جلنار، وكأن الشاعر يقول في قلبي بستان يتسع لكثير من الأصدقاء ومع كل نبض تزهر وتثمر الكلمات وتولد من جديد ، لتُهدى لكل إنسان عربي أصيل…

خصَّ عبد الجبار طبل مجموعته الشعرية الأولى إهداء لوالديه للنجمين المضيئين اللذين أنارا درب حياته…‏

لقد غرف الشاعر كلماته من وحي الطبيعة، فراح ينتقي مفرداته من سحرها وألوانها بين ربيع وضياء وسماء وبين عصافير وبلابل وأشجار..‏

أبحر في كلماته الأنيقة فاختار العبارات التي تعبر عن مدى امتنانه وتقديره وحبه الكبير لأمه أمه التي منذ أن رعته كانت الحكاية وكانت القصيدة فهي خيرها وعطاؤها والأمل والنور الذي يراه نابعاً منها، بل الأم مطلع الربيع في قصيدته، فهي التي تشدو العصافير على يديها حالمة، ومهما كتب أو أنشد لها القصائد، فالقصائد تقف حائرة والحرف والكلمة يعجزان أمام عطاء الأم، لأنها أصل الحنان والنبض الذي لا ينتهي، لذلك خصها الشاعر عبد الجبار في مجموعته بأجمل التعابير معتمداً على رؤيته اللامحدودة وخياله الواسع، فهي الفصول وهي الحروف التي تفيض أشعة يقول في قصيدته أمي:‏

أمّي..‏

قصيدتي القديمةُ‏

دائمٌ فيها الربيع ُ..‏

وإن بدا فيها الخريف‏

ودمي يُنادي الفجر..‏

يوقظه ليبدأ بالمسير‏

يا مُقلةَ الأيام ِ أحرقني اللظى‏

من فيض ِ أوردة الحروف‏

تنتابني شمسُ اليقين‏

وعند بحثي وجدت بأن الشاعر لم يكتف برثاء الأم بل وجه قصيدة وداع إلى الشاعر العربي الكبير نزار قباني في ذكرى رحيله، وذلك لما لمس من عمق صادق وإحساس كبير في نفسية الشاعر نزار، والشاعر بإهدائه القصيدة لنزار قباني يريد أن يقول:إن كنت شاعراً فهذا لا يعني أن أنثر قصائدي لغير الشعراء أو الأدباء فهم أولاً من يستحقون إهداء الكلمات المفعمة بالمشاعر الصادقة والمحبة ، فمشاعرهم مليئة بالإنسانية والوجدان يقول في قصيدته( الشاعر نزار قباني.. وداعاً):‏

خلق ٌ جديد‏

خلقٌ جديدٌ والأغاني تبتدي‏

موتٌ ..‏

وترثيك َ الجداول..‏

والسنابلُ ..‏

والمطر‏

موتٌ‏

وتبكيك العنادل…‏

والنسائم والشجر‏

موتٌ ..‏

وتبكيك النجومُ الزُهرُ‏

يبكيكَ القمر‏

أحبَّ شاعرنا أن يلون مجموعته بالغزل، فراح يسكب الكلمات عطراً يفوح بين الحروف ليشكل أجمل إيقاع متناغم مترنح بين الصبح مشتعلاً وبين الأريج مبتهلاً، هذا الشعور الجميل للشاعر جعله يعبر عما يمكنه تجاه محبوبته في عالمه الخاص، فانتقى الأفعال التي تدل على الاستمرارية و التفاعل (تطير، تضحك، تلهو، نمشي، ترنو/ نلمّ) وهذه الأفعال لطالما حلقت في موسمها الجميل، يقول في قصيدة عيناك:‏

ويفيقُ في الّصُّبح مشتعلاً..‏

بنبض أريجك ِ الوضّاءِ..‏

مبتهلاً مكاشفة النهار‏

يا أنتِ..!‏

يا غدي َ الجميل..‏

ويا كرومي والجرار‏

عيناك ِ تسرقني وتغويني..‏

بسعف نخيلك ِ الفتَّان..‏

والرُّطب المحلى والبهاء‏

لونان متعاكسان الأسود والأبيض ولكن عند الشاعر منسجمان في دنياه، فمعطف محبوبته أسود، ووجهها شرقي أبيض يقول في قصيدته (خواطر):‏

معطفُكِ الأسود..‏

والوجه ُ الشرقّي الأبيض‏

ينسجمان بدنيا الحسن معاً‏

والضوء الهارب….‏

من طل َّ العنق ِ العاجيّ..‏

ويمتدُ..‏

فتبرقُ شرفات الأنثى‏

وبقلبي أتدثر‏

وفي قصيدة (نخيل الأرض) أبدع شاعرنا من حيث الصور والتشابيه، أضفت هذه القصيدة على مجموعته الشعرية سحراً ورونقاً وجمالاً خاصاً بكل ما تحمل معاني كلماتها من روعة في البناء الفني…‏

كذلك الموازنة التي حققها من خلال استعارته بضميرين منفصلين (هو) لآدم و(هي) لحواء أكسبت القصيدة طابعها المميز يقول:‏

قلبان يرتجفان..‏

عند الموقد الناريِّ..‏

يعتنقان دفء البوح..‏

عطرَ الياسمين‏

قلبان يشتعلان من وله ٍ‏

ويأتلقان في وضح الجنون‏

يتأملان مدى المسافة..‏

وهي تخفق في العيون‏

هو ذاهل بالنار…‏

أسكرها الشتاء‏

هي تمتطي الأحلام في ترف..‏

تسافر في مساءات البهاء‏

هو يرتمي لحنينه الأزلي..‏

يمتشق النجوم‏

هي تستريح على الأرائك..‏

تنثر الحُسن المقيم‏

هو يعتلي سقف الجُموح..‏

إلى الغرام‏

حنيناً يراه ُ ولا يراه‏

ويظلُّ يقضمُ ما تيسرَ‏

من ثمار الخيبة الأولى..‏

وتمنعه خطاه‏

ولا يخلو الأمر من حسه ومسؤوليته نحو الوطن وما يجري فيه، فكل جرح عربي هو جرحه وكل وجع عربي هو وجعه، فالتاريخ وحده بصمة لكل حراك ثقافي ولكل أديب وشاعر يكتب عن آلام ومعاناة وطنه، فها هي قصيدته مهداة إلى قانا، فاشتعلت حروفه غضباً بركاناً ثائراً عما جرى في قانا لتكشف مدى حقيقة هؤلاء الأعداء الذئاب وما يحملونه من حقد وقسوة تجاه هذا الشعب المسالم يقول في قصيدته (قانا .. وموسم الأرجوان):‏

قانا..‏

وتشتعل ُ القصيدة في دمي‏

قانا..‏

ويكتب سفرك التاريخ أشلاءً‏

جلوا عن هذه الدُّنيا‏

صغاراً أو كبار‏

لا فرق قد خوت ٍ الديار‏

وأخيراً..‏

حملت المجموعة الشعرية باقة متنوعة من ثقافة الشاعر ومن رؤيته العامة والخاصة ، فانتظمت كلماته على معزف شعر التفعيلة ، وخطت حروفه راقصة نغماً لتمتد نحو الأفق البعيد حيث الدقة والجمال في التعبير وعمق المعاني، فكان نتاجه الشعري انفتاحاً عاماً على دروب الحياة...‏

 

ـــــــــــــــــــــــــــ

Endnotes:
  1. [Image]: http://kfarbou-magazine.com/wp-content/uploads/64863.jpg

Source URL: https://kfarbou-magazine.com/issue/6669