الاثنين 1يناير 2024: هيئة التحرير وادارة موقع المجلة تبارك للجميع بحلول عام جديد متمنين لكم عاما مليئا بالخير والمحبة راجين من الله أن يعم السلام كل سورية ودمتم بخير ..  * 

أطفال لا يضحكون

 

484840_206515926220110_268148488_n [640x480]

 

 

((وضعت يدي على كتفه، وقلت له: ألا تريد أن تنام؟، قال: لقد توفي أخي أحمد منذ سنتين، وأخي منصور العام الماضي، وهذا العام سيموت أخي توفيق، وبعدها الدور علي…)).

((أطفال لا يضحكون)) عندما قرأت هذا العنوان للمجموعة القصصية للطبيب الكاتب عبد المطلب أحمد السح ظننت أن المجموعة موجهة للأطفال خاصة وأن لوحة الغلاف وباقي لوحات المجموعة لوحات طفولية رسمت بيد فتيات صغيرات هن بنات الكاتب نور ورؤى وميس ولين ولانة.
المجموعة كانت موجهة للكبار، أو لنقل دخول عالم الصغار بعين الكبار،مجموعة من القصص تحكي معاناة طفولية عميقة خلقها الكبار في معظمها ، كما أنها تدور في فلك المرض والآفات الاجتماعية كالفقر والجهل وغيرهما ، حيث تسللت إليها شخصية الكاتب وروحه كونه إنسانا وطبيبا عاش أحداث بعض القصص أولا وأديبا لا يستطيع إلا التأثر بما يدور حوله ثانيا وكون قصصه قد تتشابه مع أحداث نعيشها في واقعنا دخلت تلافيف عقولنا وإحساسنا وأرغمتنا على البكاء في كثير من الأحيان.
افتتح الكاتب مجموعته بقصيدة ((إني اخترتك ياوطني)) للشاعر محمود درويش ليعبر عن حبه وحسه العالي لوطنه، هذا الحس الوطني الذي ظهر تارة بشكل رمزي وتارة أخرى بشكل واضح في كثير من قصصه.
بدأ الكاتب مجموعته بقصة ((عمار)) الذي أصيب بمرض خبيث مع باقي إخوته وكان الموت من نصيبهم الواحد تلو الآخر.
في هذه القصة كما في كثير من القصص ينتقل الكاتب ما بين عالمين، عالم عمار الطفل المريض وعالمه كونه الطبيب المعالج محلا تحليلا ينقل الإحساس من أبطال القصة إلى المتلقي.
في قصة عمار تحدث الكاتب عن ألم المرض النفسي والجسدي، ألم صنعه القدر، بينما في قصة ((كان ذاك!)) تحدث عن ألم يضيفه بعض الأطباء إلى ألم المرض من خلال تعاملهم القاسي والوحشي رغم إنسانية المهنة.
أيضا تحدث الكاتب عن الجهل والمرض في في عدة قصص كقصة ((فصيلة دمي يا دكتور))،((رحلة إلى لبنان))،((النظارة السعيدة)) وغيرها.
من أجواء قصة ((عمار)):
((وضعت يدي على كتفه، وقلت له: ألا تريد أن تنام؟، قال: لقد توفي أخي أحمد منذ سنتين، وأخي منصور العام الماضي، وهذا العام سيموت أخي توفيق، وبعدها الدور علي…)).
كذلك تطرق الكاتب لآفات اجتماعية قديمة وبالية مثل كره ولادة الأنثى في قصة ((وهلل المطر)) وتميز الصبي عن البنت في قصة ((شهادة قمر)).
في قصة ((على ضفة حاضنتين)) و ((لفة كوع)) تجلى الإيمان بالقضاء والقدر والخير في تسليم الأمر للخالق في النوائب والحوادث، أيضا في ((قصة لفة كوع))رسم بكلماته توحد أبناء الوطن في حزنهم وفرحهم.
((زوجة ما وراء البحار)) ظهرت في هذه القصة صورة المرأة المخلصة والأم الصالحة مقارنة بالزوجة الأجنبية البعيدة تماما عن عالم زوجها العربي.
في قصة ((قلب من ذهب)) توجيه تربوي بأسلوب لطيف للكبار والصغار دون أي تدخل منه حيث يترك أبطال قصته هم من يعبرون عن الفكرة بهدف الوصول إلى مجتمع سليم ومتوازن.
في قصة ((تغالوغ…تغالوغ)) لفتة جميلة من خلال التنبيه لأمر مهم وهو لغتنا وتراثنا بسبب إهمال الكبار للصغار المقوم الأساسي لمستقبل الوطن والمجتمع وتركهم يكبرون بين أيدي المربيات الأجنبيات دون الشعور بأي ذنب ظنا من الأهل أنهم يقدمون لهم كل شيء.
((البئر العميق)) من القصص التي أثارت اهتمامي كثيرا، فالكاتب يبدع في هذه القصة وكأنه محلل نفسي يسبر أغوار الروح الإنسانية عندما يكتشف الطفل خبرة ومعرفة جديدة، والألم الذي يعانيه جراء هذا الاكتشاف, وهي معرفة الكذب لدى الآخرين إلا أنه رويدا رويدا وكلما كبر وتعرف على الحياة ازدادت مداركه للواقع وتلاشى الألم المصحوب بالدهشة الذي خلقته معرفة هذه الخبرة.
من أجواء القصة:
كنت أشعر بشيء غريب، لم أكن أعرف أن الإنسان يمكن أن يقول شيئا ولا يفعله, كانت المرة الأولى التي أصادف فيها أمرا كهذا، ولم أكن أعرف كيف أتصرف مع نفسي ومع سمير، وأشرقت صباح اليوم التالي وسمير غائب بعيد، ومرت سنين طوال…، وصرنا كبارا…، وباحت لي معرفتي بذوي سمير بالجواب.
لاحظت في المجموعة قلة تكرار معاني وكلمات الحلم رغم أن المجموعة تدور ضمن فلك عالم الأطفال، عالم من المفترض أن يعج بالأحلام والفرح، فالحلم في مجموعته وإن وجد هو مكبل بقيود فرضها الكبار والواقع من مرض وجهل وعادات اجتماعية بالية.
ففي قصة ((اللوحة الكاملة..علهم يضحكون)) مفارقة قاسية جدا، طفل من فلسطين المحتلة، من أطفال الحجارة، يحلم بالنصر على العدو ويرسم حلمه لوحة لم تكتمل إلا باستشهاده،
العنوان جاء قاسيا ومؤلما خاصة وأن القصة هي خاتمة المجموعة، فعندما سجل الكاتب العنوان اللوحة الكاملة نقطتين لعلهم يضحكون ويأتي اكتمال اللوحة باستشهاد بطل القصة طفل فلسطين، أي ضحك هذا، وأي ألم وسخرية من هذا الواقع، وهل هكذا باتت أحلام أطفالنا، حلم بالخلاص من العدو والحرية، حلم بالخلاص من المرض، حلم بالحصول على حذاء…..
في كل مرة أقرأ فيها للكاتب الطبيب عبد المطلب السح أشعر بأن كلماته تخلق في داخلنا ألما يحثنا للبحث عن الحل، فالمشكلة تحتل عالم مخلوق لا نستطيع أن نقف أمامه صامتين وعاجزين مهما كان انتماؤنا ، فهو يضرب على أصعب وأقسى وتر من أوتار الإنسانية، وفي أكثر موضع حساس، الطفولة المعذبة، ومن منا يستطيع أن يقف متماسكا لا يهزه شيء أمام آلام طفل مهما كانت هذه الآلام وأيا كان هذا الطفل.
فالكاتب يصر أن يحرقنا بقصصه ومشاعر احترق هو بها قبلنا ليدفعنا للتفاعل مع كتاباته ووصولها لكل متلق بشكل أعمق.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *